حلب أقدم مدن العالم .. 80% من آثارها دمّرها النظام
حلب " المسلة " … تعرّضت مدينة حلب السورية، وما تزال، إلى تدمير كبير طال بنيتها التحتية وجزءاً كبيراً من عمرانها. لكنّ أخطر التدمير شبه الممنهج الذي أحدثته آلة الحرب هو ما استهدف معالمها الأثرية، وكلّ شيء جميل في هذه المدينة الموغلة في القدم. هي التي تضمّ بين جنباتها تراكم حضارات سابقة، من الآشورية والحثية إلى الهيلينية والبيزنطية، ثم الإسلامية، وغيرها.
إذ تُعدُّ مدينة حلب من أقدم مدن العالم المأهولة، والقلعة التي تتوسّطها من أكبر القلاع في المدن المأهولة على مستوى العالم. وتضمّ المدينة أسواقاً قديمة ومساجد أثرية، ومدارس دينية، ومعالم أثرية مختلفة. وكانت قد سُجِّلَت كـ"موقع للتراث العالمي"، خصوصاً الإسلامي. واحتفل العالم الإسلامي بهذه المدينة "عاصمة للثقافة الإسلامية" في العام 2006. لكن كلّ ذلك تعرّض ويتعرّض اليوم إلى قصف مستمرّ، وتدور في المدينة القديمة اشتباكات طاحنة بين قوات المعارضة وقوات النظام.
عبر "العربي الجديد" أطلق رئيس "مجلس محافظة حلب الحرّة"، عبد الرحمن ددم، تحذيراً مما تتعرّض له مناطق المدينة الأثرية من دمار وتخريب، مطالباً المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته وواجباته إزاء هذا الواقع. وكشف عن مبادرات تتفاعل الآن برعاية منظمات إسبانية مهتمة في مجال الآثار لتحييد المناطق الأثرية عن المعارك.
من جانبه أكّد مسؤول المتاحف الألمانية، البروفسور مأمون قنصة، وهو من أصل سوري، أنّ "80 % من أسواق المدينة قد دُمِّرَت، وٍ40 % من البيوت القديمة انهارت". وكشف قنصة أنّ "كلفة إعادة ترميم ما تمّ تدميره قد تصل إلى 150 مليار دولار، في مدّة بين 10 وٍ20 عاما". وتحدث قنصة عن "عمليات نهب للقطع الأثرية يقوم بها طرفا النزاع"، مشيراً إلى أنّ "النظام يقوم بقصف هذه المناطق".
كذلك حمّل الموثّق والإعلامي الدكتور علي حافظ، المقيم في حلب القديمة، قوات النظام المسؤولية عن الدمار الحاصل، لافتاً إلى أنّ البراميل التي تلقيها طائرات النظام دمّرت الأسواق والبيوت القديمة ومسحت المناطق التاريخية بشكل كامل، وقد يكون هذا الدمار الحاصل عصياً على الترميم. وقال حافظ إنّ قوات النظام تسيطر على المباني العالية المطلّة على حلب القديمة، إضافة إلى القلعة، ما يدلّل على أنّ المسؤول عن عمليات القصف هو النظام نفسه.
ونقلت وكالة "سانا" الرسمية السورية تصريحاً لمدير عام المتاحف والآثار السورية في حكومة النظام، مأمون عبد الكريم، ذكر أنّ "نحو 420 موقعاً أثرياً في مناطق سورية قد تضرّرت بدرجات متفاوتة"، لافتاً إلى أنّ مدينة حلب من أشدّ المناطق تضرّراً. وتفيد تسريبات عن عمليات سرقة آثار يسهل حملها، بينما تحدّثت أنباء عن تورّط عناصر جيش النظام، وبعض الميليشيات المرافقة له، في هذه العمليات؟ لأنّ معظم القطع الأثرية وصلت إلى العراق.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) قالت إنّ "الكثير من المواقع الأثرية في مدينة حلب تتعرّض للتنقيب الفردي، والنهب الكامل". لهذا السبب شكّل مجلس محافظة حلب "شعبة الآثار". لكنّ بإمكانات متواضعة، كما يقول القائمون على هذه الشعبة، التي يتوجّب عليها الكثير من العمل مقابل القليل من الدعم الذي تتلقّاه.
وكشف عضو مجلس المحافظة، أحد المشرفين على الشعبة، عزام خانجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن قيام الشعبة بإجراءات حماية بعض المواقع والآثار، منها تفكيك منبر المسجد الأموي ونقله إلى مستودعات وصفها بـ"الآمنة". إضافة إلى نقل مخطوطات المكتبة الوقفية، وبناء جدار أمام مقام النبي زكريا، والمحراب، وباب الوالي الأثري. وبنت جداراً حول "المزولة الشمسية" في صحن الجامع الأموي. ولفت خانجي إلى أنّ هذه الجدران هدفها "حماية هذه الآثار من الرصاص الحارق الذي تستخدمه قوات النظام".
والجدير بالذكر أنّ المسجد الأموي في مدينة حلب من أكثر المناطق الأثرية تضرراً، بعدما أعادت قوات المعارضة السيطرة عليه لأكثر من مرّة، وهو الآن تحت سيطرتها. وقد تعرّضت أقسام من هذا المسجد إلى الاحتراق على أيدي قوات النظام، كما انهارت مئذنته التي تعود إلى العهد الأيوبي.
لم يقتصر الضرر على المسجد الأموي، بل تفيد إحصائيات أنّ عدد المساجد الأثرية المتضرّرة في حلب وصل إلى 35، ناهيك عن الخانات والأسواق المسقوفة التي تشتهر بها المدينة.
كما امتدّ الضرر ليطول قلعة حلب الشهيرة. لكنّ الدمار اقتصر على مدخلها وبابها فقط. وٍ تُعدُّ القلعة الآن من أهمّ مراكز ونقاط تجمعات قوات النظام. إذ تستفيد منها لأنّها تشرف على معظم أحياء المدينة، ما يجعلها موقعاً استراتيجياً لتمركز عناصر قنّاصة يشكّلون قلقاً شديداً للأهالي المتواجدين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وأعرب القائد العسكري في صفوف "الجبهة الإسلامية"، محمود الياسين، عن أمله في تحييد المناطق الأثرية، مشيرا إلى أنّ "هذه المناطق تعبّر عن أصالة الشعب السوري، وعمق جذوره الممتدّة حتّى أقدم الحضارات". وطمأن الياسين الجميع إلى أنّ "حلب سوف تبقى، لأنّها عصيّة على كلّ الغزاة"، مدللاً على ذلك بـ"شموخ قلعتها التي شهدت تعاقب الغزاة عليها عبر تاريخها الطويل".