السياحة الداخلية ومُحاكاة صور من الخارج
بقلم: ليالي الفرج
مع أجواء الصيف اللافح، تتأهب خطوات بعضهم برتابة، تمضي صوب ناحية دون أخرى، تأخذهُ في أحضان المقام، ليمضي صيفهُ أو جزءا منه في لياقة الروح والتجديد، نجد بعضهم يبحث عن أجواء ممتعة داخل أسوار الوطن، والآخر يُحلق عبر الأجواء والغيوم ليصل إلى مساحات أكثر اتساعاً، وبُعداً، وتجديداً، خارج الحدود.
في ربوع البلاد..
ستنفق من المال كثيرا لتحصل على جزء من المُتعة الوقتية، المُرتبطة بسويعات من يومك، تستنزف جيبك دون أن يبقى من الأثر شيء كثير عند عودتك لبيتك. فبمجرد الاستيقاظ في اليوم التالي ستشعر بفراغ الأثر الحسي، أو ربما يكون خيارك جلسة في مطعم مع مالذ وطاب من الأطباق، تلتقط لك ولعائلتك وأطباق الطعام صورة لذكرى الصيف، وقد يحلو مقامك في مقهى تُرصع طاولتهُ بأطباق من الحلويات والمشروبات المُختارة، هذا إن كنت ممن لا يحتمل الأجواء المفتوحة، أما لو كنت متحرراً من أسوار المباني فإنك ستقضيها على عشب أخضر تشوبهُ صفرة وشحوب أحياناً، لتستمتع بجلسة شواء مع العائلة أو الأصدقاء، أو لتمضي بعضا من يومك في إحدى الاستراحات التي ترطب بشرتك بشيء من أجواء السباحة المُنعشة.
خياراتك مُرتبطة بأمرين لازمين، ألا وهما، معدتك وجسمك!
فسياحة المعدة أصبحت أمراً محتوماً، وجميع الخيارات ترتبط بها وبمداعبتها، أما جسمك، فلا طاقة لك ببذل يجهده، لذا فتتخير الأمكنة المريحة للجسم، والمُكيفة أثناء الجلوس أمر مهم لتستمر برهة المقام. لنصل إلى نتيجة نهائية: «قد غيرنا الأمكنة بصورتها النمطية، واحتفظنا بالمحيط المُتفاعل مع الذات، بذات الرتم والمُكوَّن»، لكننا لم نكتسب مساحة من ثقافة سياحة مُنتجة على المستوى الشخصي والعائلي وبالتالي المجتمعي، إذ المنظومة السياحية ترتكز ضمن مسار أساسياتها على العامل البشري، والمساحة المُحددة في التعاطي مع الآخر، وهنا نلحظ أن طبيعة مجتمعنا وما يُقيده من أعراف تحول دون حدوث أي تفاعل مُباشر، لتبقى العائلة في عزلة محيط يُقيدها وهي ترتضيه راغبة ومرتئية صحة هذا المسار.
مفارقات هنا وهناك:
– في إحدى الدول المُجاورة وضمن حملة تضمنت شعار «ابتسم» لِبث وعي سياحي ضمن شريحة القاطنين تلك المنطقة، وحثهم لبث ورسم الابتسامة في وجوه المُصطافين في بلادهم، وهذا ما يُعزز الجانب السياحي التفاعلي في أي مُجتمع واعٍ ينهض بنفسه لمصاف المجتمعات المُتقدمة في إنسانيتها، وفي المُقابل، ضمن احتياطاتنا السياحية، نُخصص حراس الأمن لحراسة مجمع من أن يدخله شاب قد لا يحمل من المشاكسة والبلبلة في سلوكه، ولمجرد أنه أعزب فلا يحق له الدخول بل لا يحق له أن يبتسم.
– في إحدى الدول الأوروبية نجد بعض الفئات، في قمة عوزها وحاجتها، تُحاول ممارسة هواية ما، لتستنهضك للدفع تشجيعاً لأدائها وليس للعطف عليها، وذلك بوضع خرقة على الأرض أو قبعة لتضع فيها النقود المُقدمة من السائح إن أعجبته تلك الممارسة للهواية، سواء كانت رسماً أو نوعا من أنواع الفنون وما إلى ذلك، وفي سياحتنا الداخلية ننفر من مجرد التشجيع أو الاقتراب من مجموعة تكاتفوا لعمل تطوعي إثرائي على مستوى البيئة.
– نتهافت للذهاب لتلك الدولة القريبة، ونحرص على انتقاء الفيلم المميز لمُشاهدة عائلية، وننتقي مقاعدنا في تلك السينما، وعندما نعود لأرضنا، نصطف في صفوف المُحاربين لإنشاء دور السينما في المملكة، وأنها مصدر فتنة وفسق مقبل.
– نقطع المسافات لدول تُبهرنا بتقدميتها المُتفاعلة مع كل جديد، ويتسع بؤبؤ العين انبهاراً لحرفيتها في تنظيم المهرجانات السياحية بفعالياتها الفائقة التميز، ونتوسطها مع عائلتنا مُشجعين ومندمجين رغم ضمها للكم الهائل من التنوع الطبقي والفكري والعقائدي…الخ ، وفي مدينتنا الضاجة بالحياة، نضيق ذرعاً من أن نتآلف مع من يختلف معنا في طرح أو حتى قناعة ومذهب.
ويمضي الصيف بحرارته المُتقدة، ونأمل أن تخف حرارة التعصب والانقفال على الذات دون الآخر، فالوطن بحاجة لفكر دافع لعجلة الانفتاح واتساع الأفق نحو نهوض يظلله المنطق.
نقلا عن الشرق