فيسبوك يستهدف الواقع الافتراضي باستثمارات تتجاوز ملياري دولار
"المسلة" …. يعتبر الكثير من مستخدمي «فيسبوك» البالغ عددهم 1.2 مليار مستخدم دائم أنه موقع يتبادلون فيه الصور ويدردشون مع الأصدقاء. ولكن مارك زوكر بيرج مؤسس «فيسبوك» يعتبره عالماً افتراضياً يتيح لمشتركيه مزاولة معظم أنشطة حياتهم اليومية.
تلك هي الرؤية التي قام زوكر بيرج، وفقاً لها، بالاستحواذ على (أوكيولس في آر) مقابل ملياري دولار، بصفتها إحدى الشركات الرائدة في عالم الواقع الافتراضي الآخذ حالياً في التبلور بعد طول انتظار.
وقال زوكر بيرج: «كل 10 أو 15 سنة تظهر منصة حوسبة جديدة مهمة. وبالنسبة لي فإن أكثر المنصات أهمية يتمحور حول الرؤية، إنها تختلف عن أي شيء سبق لي معايشته في حياتي». وأضاف أن من يصمم ويحدد منصة تكنولوجيا الجيل المقبل سيستفيد مالياً واستراتيجياً.
الأجل القريب
في عصر المحمول الراهن لم تقم «فيسبوك» بابتكار منصة خاصة بها تاركة «آبل» و«جوجل» تسيطران على هذا المجال. وقال زوكر بيرج إن «أوكيولس» من شأنها تعزيز أهداف «فيسبوك» قصيرة الأجل وطويلة الأجل، الرامية إلى «ربط الجميع بعضهم إلى بعض» و«فهم العالم» و«بناء اقتصاد المعرفة».
وفي مؤتمر مطوري الألعاب الذي عقد في أواخر مارس الماضي في سان فرانسيسكو، استطاعت «أوكيولس» ومنافستها الجديدة من بلاي ستيشن «سوني» المسماة «بروجكت مورفس» جذب انتباه الجميع. وأبدى المطورون إعجابهم الشديد وتحمسهم إزاء إمكانيات التقنية الجديدة.
ومنذ بضع سنوات فقط، كانت «فيسبوك» ذاتها في ذلك الموقف حين حظي مصنعو الألعاب مثل «زينجا» بمكاسب كبرى من خلال منصة توزيعها واسعة الانتشار. والآن، ورغم أن أكثر من 375 مليون مستخدم لا يزالون يشتركون في ألعاب عبر «فيسبوك» شهرياً، إلا أن «فيسبوك» لم تعد تشكل أولوية للمطورين الذين يفضلون عليها متجر تطبيقات «آبل» (آب ستور) و(جوجل بلاي) لأجهزة «أندرويد». حتى «زينجا» تحاول التخفيف من ارتباطها بـ «فيسبوك».
وقال رئيس تنفيذي إحدى شركات الألعاب التي تتعامل تعاملاً وثيقاً مع «فيسبوك»: «العالم يتوجه حالياً إلى المحمول. وتعتبر «فيسبوك» جزءاً من البيئة الشاملة لا من المنصة». وفي عالم «آبل» و«جوجل» لم تعد «فيسبوك» سوى تطبيق آخر.
إن الاستحواذ على «أوكيولس» يعيد «فيسبوك» إلى دائرة اهتمام مطوري الألعاب. ويذكر أن الرئيس التنفيذي لـ «أوكيولس» جون كارماك بصفته مؤسس شركة «إد سوفتوير»، كان قد ابتكر ألعاب كومبيوتر شخصي ثلاثية الألعاب مثل «دوم» و«كويك» في تسعينيات القرن الماضي.
وقال جيمس ماكويفي المحلل في «فورستر ريسيرش» للبحوث: «إن «أوكيولس» تكفل لـ «فيسبوك» المجال لاكتشاف المستوى المقبل من الألعاب». ولكنه يرى أنه كان بإمكان «فيسبوك» إتمام ذلك من خلال شراكة بسيطة «دون الاضطرار إلى إنفاق دولار واحد». وهو الأمر الذي كان من شأنه الإتيان ببعض البيانات والدلائل على أنه كان من المجدي شراؤها، حسب رأي ماكويفي.
ولكن يخشى في هذه الصفقة من إبعاد المطورين عن كلتا المنصتين بدلاً من إرضائهم. وكان قد تم تحذير العديد من معجبي «أوكيولس» من بيعها لـ «فيسبوك»، ونشرت مئات الرسائل الغاضبة على موقع «أوكيولس». وأثارت الصفقة أيضاً غضب بعض داعمي حملة التمويل الجماعي المساندة لشركة أوكيولس الناشئة التي كانت قد جمعت 2.4 مليون دولار في عام 2012.
ومع ذلك، ربما يكون لدى «فيسبوك» هدف آخر قصير الأجل وراء هذه الصفقة. ذلك أنه في سوق التوظيف بالغ التنافسية في وادي السليكون يمكن أن يثبت أن بناء عالم افتراضي أكثر جذباً للموظفين المحتملين من العمل لحساب «جوجل» أو «بنترست» أو «تويتر»، حتى لو لم تستطع «فيسبوك» تقديمه لسنوات طوال.
الأجل البعيد
يميل زوكر بيرج إلى تسمية «فيسبوك» بأنها مؤسسة منافع عمومية، بحيث يعتبرها المستخدمون مثل الكهرباء، وليس مجرد شبكة تواصل اجتماعي. غير أن الصفقة البالغة قيمتها ملياري دولار تثبت أمراً آخر هو أنها نواة لعالم افتراضي مبتكر بكامله من قبل «فيسبوك»، يتيح لمستخدميه زيارة أطبائهم وحضور دروس تعليمية والتسوق في متاجر كبرى. كل ذلك باستخدام «فيسبوك».
وربما يبدو ذلك وكأنه كابوس لمناصري حملات حماية الخصوصية، أو للجهات الرسمية المنظمة التي تسعى بالفعل إلى تطبيق قانون الإنترنت على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية.
غير أن كل هذا عبارة عن أمثلة عرضها زوكر بيرج عن كيفية استخدام «أوكيولس» في الأجل البعيد. وقال زوكر بيرج مسمياً إياها المنصة الأكثر تواصلاً اجتماعياً على الإطلاق، إن «أوكيولس» مؤهلة لتكون منصة التكنولوجيا في المستقبل.
وقال بريان وايزر المحلل في بيفوتال ريسيرش: «إننا حريصون على تأكيد أنه بالإمكان تطور «فيسبوك» مثلما تتطور المنصات الجديدة».
غير أن وايزر يخشى من أن مليار دولاري تبدو مبلغاً كبيراً من المال مقابل مشروع لم يثبت جدواه بعد. ومع افتراض أن المطورين دفعوا إلى «أوكيولس» 300 دولار كحد أدنى لكل وحدة من سماعات الرأس البالغ عددها 75 ألف سماعة التي باعتها حتى اليوم، فإن زوكر بيرج يدفع 90 مثل ما تحصل عليه الشركة من عوائد.
ربما يصبح الواقع الافتراضي المرحلة المقبلة من تحويل وادي السليكون لصناعات أخرى كثيرة كالمواصلات والأزياء. وإن كان بالفعل في مقدور «فيسبوك» امتلاك منصة المستقبل، فإن مبلغ ملياري دولار يدفع أكثر من ثلاثة أرباعه في سهمها الآخذ في الارتفاع المتسارع، قد يبدو صفقة رابحة.
وقالت ديبي وليامسون المحللة في مؤسسة آي ماركتر البحثية: «إنه رهان جسور، فمن الصعب تصور عالم يتفاعل فيه الناس دائماً في بيئة رقمية ثلاثية الأبعاد، ولكن بنفس المنطق لو سألتني قبل أن تصبح الهواتف الذكية ذائعة الانتشار إن كنت أتصور أن أقف في الطابور في «ستاربكس» مستخدمة «فيسبوك» وهاتفي في الدفع؟ ما كان لي أن أتصور ذلك».
ولما كان هذا العالم الذي يتصوره زوكر بيرج ربما يكون أمامه عقد قبل انتشاره، فإنه رفض أن يشرح تفصيلاً كيف ستربح «فيسبوك» منه. وقال زوكر بيرج: «ربما تكون هناك إعلانات في العالم الافتراضي، لكن علينا أن ندرس ذلك تدريجياً ضمن مجالات ربح ممكنة أخرى».
وقالت وليامسون إن العديد من شركات التسويق استثمرت في عوالم افتراضية مثل شركة سكند لايف في السنوات التي انطلقت فيها شبكات التواصل الاجتماعي. وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أنشأت شركات، مثل «آي بي إم» و«أميركان أباريل» أجنحة افتراضية عملاقة يمكن لمستخدمي «سكند لايف» التفاعل فيها. وقالت أيضاً إن لهذه التجربة قيوداً كثيرة.
وهناك محللون آخرون يذكرون التحديات الفنية التي تواجه الواقع الافتراضي. فالعديد من مستخدمي نموذج «أوكيولس» الابتدائي يشعرون بنوع من الغثيان أثناء استخدامه، وأثيرت بالفعل أسئلة عن الآثار الصحية طويلة الأجل للتعرض طويلاً لشاشات موضوعة على بعد بضع بوصات فقط من العين.
وربما يحتج مؤيدو الواقع الافتراضي بأن هواجس من هذا القبيل سبق أن أثيرت حول جهاز التلفاز والهاتف المحمول. وفي الوقت الحاضر، ينبغي لمن يريد العيش في «فيسبوك» طوال الوقت أن يفعل ذلك، من خلال التحديق في مستطيلات متوهجة لا تبعد سوى مسافة ذراع من وجهه.
نقلا عن الاتحاد