الرجولة موقف والذكورة جنس
بقلم – د . مصطفى يوسف اللدواى
لا يفاخر الذكر بجنسه ، إذ لا فضل له في صفته ، فذاك خلق الله ، قد خلقه ذكرا ، ولو شاء لجعله أنثى ، وهي ليست ميزة في شئ ، وإن كان الإنسان بطبعه يحب من الذرية الولد ، ويفضل من نسله الذكر على الأنثى ، وفي هذا مخالفة للدين ، وإساءة للأنثى ، إذ لا فضل لذكر على أنثى في الخلق ، فكلاهما هكذا خلق ، ولا دور للإنسان في تحديد جنسه ، وإن تطور العلم ، وتعددت وسائل عزل الجينات وتحييدها ، ومهما قال العلماء أنه يمكن بالحساب والتجريب تحديد جنس المولود .
لكن الحسابات والتجارب ، والتأكيدات والمحاولات ، تبقى مجرد احتمالات مجردة ، معلقة بقدر الله وحده ، الذي يحدد سبحانه وتعالى جنس الجنين قبل تكونه ، ذكرا أو أنثى ، وإن كان الذكر يفاخر بجنسه ويتيه ، فإن الأنثى تفاخر بجنسها ، وتعتز بخلقها ، ولا تتمنى أن تكون بغير الهيئة التي خلقها الله عليها .
الذكورة لا تعني زوائد في الجسد ، ووظائف مختلفة في الجسم ، تمنح صاحبها الحق في التحرش والاعتداء ، أو التسلط والإيذاء ، أو المس بكرامات الحرائر وشرف الناس ، وهي لا تعني تسلطا على الحقوق ، وهيمنة على الميراث ، وتحكما في الخلف من الإناث .
وهي لا تجيز التمييز في المعاملة ، ولا تقبل بالمفاضلة ، فكلاهما شطر الحياة الأساس ، الذي بدون أحدهما لا تستقيم ولا تكون ، فإن غاب أحدهما عدمت الحياة ، واندثرت البشرية ، لكن وجودهما بغية الاستمرار في الحياة ، منوط بطبيعتهما ، ومشروط بالحفاظ على جنسهما ، الذي فطرهما الله عليه ، وأراده لهما ، بلا تغيير مفتعل ، ولا تبديل لخلق الله الأول .
وهي بالضرورة لا تنسجم ولا تكون بالتشبه بالنساء ، والتصرف مثلهن ، ولبس ثيابهن ، والاختلاط بهن ، والتحدث بنعومة ورقة أنثوية ، بلين يخضع ، ونعومة تجذب ، ومياسة تلفت ، فمزاحمة الرجال للنساء في طبيعتهن شذوذ وانحراف ، والتشبه بهن قبح يثير الإشمئزاز ، ويبعث على النفور والإزدراء ، إذ أن مزاحمة النساء في جمالهن معركة خاسرة ، لا يفوز فيها الذكر مهما كان جماله ، أو بانت محاسنه ، وظهرت مخايله ، إذ بمقاييسهن فإن فيه ما يعيبه ، وعنده ما يجعله بينهن غريبا منبوذا ، وهن لا يفضلنه ولا يحبنه ، ولا يرضين به شريكا ، ولا يتصورن أن يقترن به زوجا ، وإن خالف الشاذون هذه القاعدة ، وعملوا بنقيضها .
ينسى الفخورون بذكورتهم أن الذكورة لا تعني بالضرورة الرجولة ، فالرجولة موقف قبل أن تكون جنسا ، وهي سلوك وممارسة ، وفعل وعمل ، ودور وواجب ، وتميز واختلاف ، فلا يكون الذكر رجلا بخلقه وشكله ، ولا بالشعر المرسوم على وجه ، أو المخطوط على شفته ، ولا بعضلاته إن وجدت ، أو بقوته إن كانت ، أو بسطوته إن مارسها ، فالذكورة الجنسية شئ ، والذكورية الأخلاقية شئ آخر ، قد تتفق مع الأولى وتؤكدها ، وقد تختلف معها وتنفيها ، وتشطبها وتلغيها .
الرجولة صنو الشهامة ، ورديف النبل ، ولازمة الشجاعة والكرم ، والنخوة والحمية والشرف ، وهي تعني الرأس العالي ، والكرامة الموفورة ، والهمة العالية ، والخطوة السريعة ، والكلمة الحرة الأبية ، إنها الغيرة على الأهل ، والغضب من أجل الوطن ، والثورة انتصارا للشعب ، والحسم وقوفا مع الضعفاء ، وتأييدا لأصحاب الحق .
الرجولة وقفة عز ، وكلمة حق ، وشهادة عدل ، وحكم فاصل ، وعدل قاطع ، وهي ضياء وسط الظلماء ، ونور إذا خيم الظلام ، ونصير يلبي الصرخة ، ويستجيب للنجدة ، وهو فارس في الميدان وعند اللقاء ، يقاتل حمية ولو كان فيه حتفه ، ويستبسل حفاظا على الشرف وإن كان المنون ينتظره .
الرجولة لا يعيبها لون ولا شكل ، ولا يخدشها طول ولا قصر ، ولا ينقص من قدرها فقر وحاجة ، أو ضيق ومعاناة ، ولا يقلل من شأنها حبس أو اعتقال ، أو قيد وأغلال ، ولا يكسرها محتل أو سجان ، ولا يحد منها غاصب أو معتدي ، ولا يقدر عليها قوي أو غاشم ، ولا ينال منها عدو أو حاقد .
الرجولة صفة مدح ، وكلمة إشادة ، وعلامة ثقافة ، وميزة تحضر ، يتمنى أن يتصف بها عقلاء الذكور ، وأن يحمل صفاتها ويكون أهلا لها ، فالرجل لا يسرق ولا يكذب ، ولا يخون ولا يغدر ، ولا يتلصص ولا يتجسس ، ولا يكون عينا ولا أذنا ، ولا عونا لشرير ، ولا نصيرا لظالم ، ولا سوطا في يد جلاد ، ولا يميس ولا يرقص ، ولا يخطر بدلال ولا يمشي على استحياء ، ولا يأتي بأفعال مشينة ، ولا بتصرفات مهينة ، ولا يظهر ذكوريته على المرأة بالضرب والإهانة ، أو بالتسلط والافتراء ، ولا برفع الصوت والصراخ ، ولا باستباحتها واغتصابها ، أو التحرش بها والإساءة إليها ، وإلا فإنه لا يحسب من جنس الرجال أو طائفتهم .
نسيئ كثيرا إلى المرأة عندما نصف الرجل أحيانا بها ، فنتهمه بأنه امرأة ، وغايتنا بذلك أن نشتمه ونهينه ، وأن نضع من قدره ونستهين بمقامه ، وأن نقرعه ونوبخه ، في حين أن المرأة قد تأتي أحيانا بما لا يأتي به الرجال ، وقد تقوم بما يعجز عن القيام به الكثير ، وهي قل أن تتصف بالرجال خلقا وشكلا ، إلا أنها تقوم بأفعال نتيه بها ونفخر ، ونسر بها ونسعد .
فالمرأة الصابرة عند المصيبة والفاجعة ، تضاهي أشد الرجال وأقواهم ، بل تشحذ هممهم وتقوي من عزائمهم ، وتشعل نفوسهم حمية وحماسا ، والتي تشهد بالحق ، وتقول الصدق ، وتبحث عن العدل ، وترفع أسوار الكرامة ، وتعلي راية العزة ، وترفض الكذب والخيانة ، وتحارب الزيف والظلم والضلال ، وتتمسك بالقيم والخلال ، وتحافظ على وطنها ، وتضحي في سبيله ، وتقاتل من أجله ، وتستشهد دفاعا عنه ، لهي أعظم بفعلها من كثير من الرجال ، وإن لم تكن منهم .
كم نحن في حاجة في هذا الزمان إلى رجال يصونون الأمانات ، ويحفظون العهود ، ويقاتلون دفاعا عن شرف الأمة ، ويبذلون دماءهم في سبيلها ، فيستحقون بذلك صفة الرجولة ، تلك التي كان يعتز بها العرب ، فيرسلون أولادهم إلى الصحراء للرضاعة ، وتعلم اللغة ، والتكيف مع طبيعة الصحراء القاسية ، وشمسها اللاهبة ، ليكونوا من بعدها رجالا أهلا للأمانة ، وأصحاب أنفة وكرامة ، أقوى جسدا ، وأبلغ لسانا ، وأقدر على حمل السيف دفاعا عن القبيلة ، أو نظم الشعر فخرا بها .