Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل
جانبى طويل

قصر “بيرديكاريس” .. تاريخ بناية تقاوم الانهيار والأشباح في طنجة

قصر "بيرديكاريس" .. تاريخ بناية تقاوم الانهيار والأشباح في طنجة

يشبه قصور القرون الوسطى، ليس كبير الحجم لكن شكله الخارجي يثير الفضول، تخطي عتبة الباب الخارجي يثير الإحساس برهبة قصر تسكنه الأشباح، بعض الجدران سقطت، والأخرى لا زالت تقاوم النسيان، بعض الأدراج تهاوت والأخرى معرضة للانهيار، غرف مبنية على الطراز الإسباني و"تيراس" يطل على البحر الأبيض المتوسط ما زال يحتفظ بجماليته وزخارفه المعمارية.

 

"في أجمل مكان في العالم سأبني لك قصرا" لم يكن المكان الذي اختاره السياسي بيرديكاريس ليمارس رومانسيته ويمنح هدية لزوجته، سوى قلب "الرميلات" بطنجة بعد جولان طويل حول القارات الخمس، غابة مطلة على جبل طارق كانت عبارة عن "أمازون"، أشجار وأحراش ونباتات من كل الأشكال، ممرات طبيعية وملتوية، بقايا اثار من عمق التاريخ، غابة "بيرديكاريس" هي صندوق أسرار مغلق لم يفتح بالكامل.

 

الجميلة والثعلب

 

هو ابن القنصل "غريغوري بيرديكاريس" الذي عاد من الولايات المتحدة الأمريكية إلى اليونان هاربا من الضرائب بعد أن كون أرباحا طائلة، "إيون" الابن قرر هو الاخر أن يستقر بطنجة بشكل نهائي بعد أن أصابته المدينة بجنون العشق وسقط في شباكها. بنى قصره الفخم فوق هضبة مرتفعة وغابة موحشة مما جعل الجميع يفترض امتلاكه "لميناء" استورد عبره المواد والأحجار التي استعملها في بناء سكنه الفخم.

 

المليونير والديبوماسي الأمريكي ذو الأصل اليوناني كان يعيش حلم الاستقرار رفقة زوجته الجميلة، قبل أن يقض مضجعه "ثعلب جبالة" أحمد الريسوني مختطفا زوجته ومحولا القصر من بناية إلى تاريخ قائم تحكي جدرانه قصة مشوقة، ثمرة حب بييرديكاريس لزوجته أصبح موقع صراع وبداية حروب ومطاردات.

 

المتمرد أحمد الريسوني الذي بسط سيطرته على مناطق جبالة كان بحاجة إلى المال لدعم تورثه مما جعله يفكر في زوجة بيريدكاريس كصيد ثمين ومر إلى الهجوم في ماي 1904 رفقة مقاتليه ليخطف الزوجة والابن "كرومويل" في لمح البصر قبل أن يختفوا عن الأنظار، اشترط على الزوج المجنون بحب زوجته 70 ألف قطعة ذهبية وخروج المخزن من نفوذه مما جعل القنصل يستنجد بالسلطان مولاي عبد العزيز وبالولايات المتحدة الأمريكية في عهد " فرانكلين روزفيلت" لإنقاذ زوجته.

 

قصة الاختطاف صورت في فيلم شهير " العاصفة والأسد" لعب فيه الممثل الإنجليزي شين كونري دور الريسوني، الفيلم يظهر الوجه الاخر للاختطاف وهو قصة حب للمرأة تجاه خاطفها بعد أن أعجبت بأخلاقه ونبله حيث كان يحميها وابنها كما لو كانت أسرته، اعتبرته مقاوما للوطن ضد الجبروت والطغيان. قصة الحب غير مؤكدة بينهما، لكن الأكيد أنها تعاطفت معه ولم تندم على فترة الاختطاف.

لوبيات "عش الدبابير"

 

بيرديكاريس لم يبن القصر فقط حين استقر بالمنطقة، بل طوقه بمختلف أنواع الأشجار التي استوردها من مختلف القارات، وأنشأ أحواضا ومشاتل بنباتات مستوردة ومد قنوات المياه المتصلة بالأحواض وصنع ملاجئ للحيوانات والطيور المختلفة كهدية لزوجته التي أعياها مرض السل. جنة بيئية أصبحت تنتقل من يد إلى أخرى من ملكية السفير السويسري بطنجة ثم إلى التهامي الكلاوي في عهد الحماية حيث كان يغير به أجواء مراكش، ثم إلى ملك الدولة سنة 1959 ليدخل بعدها في غياهب الإهمال بعد أكثر من قرن على بنائه بدون صيانة سوى من حارس أعزل يغادره ليلا. " قلما يزور المكان مسؤول ما، زارت القصر السنة الماضية امرأة مسنة لم تكن سوى ابنة مالك القصر الأصلي وبدأت تبكي وهي تستحضر ذكريات المكان كما زاره مؤخرا مسؤولون بدعوى إصلاحه قريبا في إطار أوراش طنجة الكبرى" يقول الحارس الذي يستمتع وهو يتحدث عن تاريخ القصر.

 

الرئة التي يتنفس منها سكان طنجة في وقت يكثر الإسمنت في داخلها لم تسلم هي الأخرى من طمع وحوش العقار اللذين لا زالوا يخوضون معارك ضارية مع هيئات المجتمع المدني من أجل احتلال الغابة وتهديم القصر لتحويلها إلى عمارات سكنية أو فنادق سياحية. هيئات المجتمع المدني تتعرض لضغوطات مباشرة عبر التهديدات وغير مباشرة باللجوء للإشاعات والتواطؤ مع بعض الأقلام التي تخدم مصالح لوبيات العقار.

 

"نحن نشتغل في عش الدبابير، دبابير لها حسابات ضيقة على حساب إرث حضاري، نعاني من نشويه صورتنا ومن ضغوطات كبيرة لكننا ستستمر في القيام بواجبنا" يصرح ربيع الخمليشي رئيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية، جمعية تأسست بعد موجة التوسع العمراني الذي عرفتها طنجة من أجل الحفاظ على ما تبقى من معالمها "هو جزء من التراث المعماري لطنجة والمغرب وتؤرخ لفترة طنجة الدولية.

 

حاليا يعرف وضعية مزرية جدا لسنوات وسنوات، والمسؤولية مشتركة بين مجموعة من الفاعلين تتحمل فيه السلطات المحلية المكلفة بالشأن الثقافي الجزء الأكبر، معلمة بيرديكارس لا تأخذ حيزا من الاهتمام الكافي، فقد تعرضت للتدمير ولا يتم رصد إمكانيات من أجل القيام بمهام الحراسة والمراقبة على الأقل في انتظار التأهيل" يستنكر ربيع قل أن يضيف " مطالبنا كانت واضحة وما سمي بورش طنجة الكبرى لا زالت مجرد عناوين كبرى، عمليا على الأرض لم نرى شيئا. لدنيا مراكز بطنجة يمكن استغلالها لاستقطاب السياح والزوار وعندنا إرث معماري لا يتم التعامل معه بما يناسب المصلحة العامة، والحفاظ على الذاكرة الجماعية. بيرديكارس قصر بحمولة تاريخية هو بناية تتعرض للتهالك ولا يجب إغفاله".

 

من يتحمل المسؤولية؟

 

"المسؤولية تتقاسمها الدولة بكل مؤسساتها الثقافية والسياسية والتشريعية والتنفيذية، ثم الأحزاب السياسية التي تحملت سابقا وحاليا تسيير الشأن الوطني. أما على المستوى المحلي، فمسؤولية المجالس البلدية المتعاقبة ثابتة لأنها ساهمت بجهد ملموس وممنهج في تطبيق سياسة التهميش الثقافي والفني والتراثي، ولأنها استفادت ماديا واغتنت اغتناء فاحشا ومشبوها عبر تفويتات هنا وهناك، وعبرة سمسرة الأراضي الجماعية والملك العمومي، كما استفادت سياسيا من خلال تفريخ زبناء في الهوامش والأحياء العشوائية المشوهة، زبناء موالين لهذا أو لذاك، وموزعين توزيعا قبليا وعرقيا، الثقافة بالنسبة لهم مضيعة وقت وترف مثلهم مثل العديد من محتضنيهم من سماسرة الشأن المحلي" يصرح أحمد الفتوح المنسق العام للمنتدى الثقافي بطنجة.

 

ويوافقه الرأي الفاعل الثقافي والجمعوي محمد أحمد البنيس الذي يتساءل " كيف تسمح النخب المحلية والجهات المسؤولة ورجال الاقتصاد بأن تترك هذه المعالم تتداعى بهذه الطريقة. قبل مدة أطلقت بعض الجمعيات والفعاليات الإسبانية حملة لإنقاذ مسرح "ثربانتس" الذي توشك أن تتهاوى بقاياه. لكن ما من مجيب كيف يعقل أن يحدث هذا في بداية الألفية الجديدة حيث الموروث الثقافي جزء من عملية التنمية بكل أبعادها. أتصور أن هناك نية ما لعدم تأهيل هذه المعالم التاريخية حتى لا تتحول إلى جزء من هوية ثقافية محلية أو جهوية، الجهوية بعمقها التاريخي والثقافي تبدو مرعبة. الأمني والسياسي حاضر في الظل دائما".

 

قصر بيردكاريس هو قبل كل شيء تاريخ تحوم حوله الأساطير والقصص الخرافية بين من يعتبره مسكنا للأشباح التي تتجول بين أشجاره الموحشة وبقايا الغرف المتهدمة، وتقول روايات إنه هو نفسه المكان الذي صور فيه الفيلم الشهير " إكسورسيست".

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله