مدير متحف السليمانية: مضطرون لشراء الآثار من المهربين .. آثار كردستان مابين سطوة التهريب والرغبة في استرجاعها
السليمانية "المسلة"…. لا يزال فرياد عارف رشيد يعشق جمع التحفيات والأنتيكات والاتجار بها منذ 35 عاما ولا يعرف مهنة غيرها،ويستقبل التاجر الكردي الزبائن بابتسامة تمزق خطوط وجه تعدى الستين عاما. من يرى "البازار"يظن أنه سيدخل دكانا صغيراً لكنه ما أن يقترب أكثر، حتى يكتشف أنه قد دخل لشبه متحف يزخر بالأنتيكات والفلكلوريات القديمة.
يقول عارف لـ المدى "لسنوات طويلة، كنت أشتري الأثار من قرويين يملكونها ويهربونها إلى خارج البلد، وقبل 10 سنوات من الآن كان بإمكاني بيعها خارج العراق بضعف سعر شرائها."
وأردف "لكني فضلت بيعها بنصف السعر لمتحف السليمانية وذلك حبا بتاريخ كردستان وحضارتها."
استتباب الأمن لم يمنع التهريب
تحتضن كف يده الألواح الطينية برفق متناغم مع نظراته الدقيقة عبر عدسات نظارته السميكة ليفك طلاسم ورموز الحروف والصور المنقوشة عليها ،منذ آلاف السنين،عمل د.فاروق ناصر الراوي خبيراً للآثار أكثر من 50 عاما في مجال التنقيب والبحث في عموم العراق، ويتطرق إلى الزمن الذي بدأت واستمرت فيه سرقة الآثار العراقية ،فيقول "حتى خلال العصور الوطنية تعرضت آثار العراق للنهب والتهريب ،وبعد عام 2003 ازدادت عمليات تهريبها وأصبحت عمليات منظمة."
مدير متحف السليمانية: مضطرون لشراء الآثار من المهرّبين
بتسليط الضوء على الطرق التي تقوم بها حكومة كردستان وإدارة متحف السليمانية رغبة منها لاسترجاع الآثار وللحد من تهريب القطع الأثرية التي استخرجت من المواقع بالنبش والحفر، ولوقف النزف الحاصل بسرقة الآثار العراقية من الشمال إلى الجنوب ، لجأ متحف السليمانية إلى شراء القطع الأثرية بوصفها "ملك الدولة العام وليست ملكا شخصيا" ،وهذا ما يؤكده مدير المتحف هاشم محمد عبدالله بالقول " بدأنا بشراء القطع الأثرية منذ عام 2005 حيث قام متحف السليمانية خلال عام 2007 بشراء ما يقارب 60 قطعة أثرية كانت تحمل رمز المتحف العراقي (م.ع) ،وقد تمت إعادتها إليه ".
ولعدم قدرة الحكومة على توفير الحماية الكافية للمواقع الأثرية وإخفاقها في فرض السيطرة الأمنية على الحدود العراقية في الوسط والجنوب، كل ذلك جعل الدولة ترصد مبالغ طائلة لشراء الآثار المهربة والمسروقة من قبل المواطنين .وعن ذلك تحدث عبدالله " أن حكومة كردستان ترصد مبالغ لشراء الآثار المهربة وحتى المسروقة من قبل المواطنين "
ويضيف "أنا لا أؤيد شراء الآثار من المهربين أو المواطنين لأنني أفضل أن نقوم نحن بالبحث عنها فشراؤها يعني قتل حقبة تاريخية وزمنية كاملة للمناطق التي سرقت منها" .
التنقيب جار منذ العام 2003
متحف السليمانية كما هو معروف تأسس في عام 1961، وتمثل القطع المعروضة فيه حضارات متنوعة لبلاد وادي الرافدين ،إذ تصل إلى 1500قطعة أثرية جلبت من مواقع متفرقة من العراق،لكون بعض القطع حصل عليها من الهيئة العامة للآثار والتراث في بغداد حيث كانت ترسل إلى متاحف المحافظات ،ومنها السليمانية نماذج مختلفة من القطع الأثرية الصغيرة والمتوسطة الحجم ولكن لصعوبة النقل والخوف من تعرضها للكسر لم تنقل القطع الضخمة بحسب قول مدير متحف السليمانية في تصريحات إعلامية ،مؤكدا فيها : ان القطع المعروضة حاليا ليست كل ما نملك ،إنما لدينا أضعاف العدد المعروض لكنها مخزونة بسبب ضيق القاعات.
وعن فرق التنقيب العاملة في المحافظة أكد عبد الله أن تلك الفرق تعمل منذ العام 2003 ،وتم استخراج العديد من القطع الأثرية التي نعرضها الآن، موضحا بأن هناك تعاونا من المواطنين الذين قاموا بإهداء قطع أثرية إلى المتحف وساعدوا في القبض على مهربين حاولوا الاستيلاء على العديد من القطع الأثرية.
قلعة تعود إلى الحقبة الزرادشتية
وعن التنقيب في قلعة "بازيان"بيّن عبد الله ان الموقع الموجود عند مدخل المحافظة في منطقة جمجمال بدأ التنقيب فيه منذ ثمانينات القرن الماضي بسبب موقعه ،إذ يمر قربه طريق كركوك –سليمانية فلابد من إجراء تنقيب كامل وإظهار جميع معالم القلعة، وقد تم التعاقد مع فريق آثاري فرنسي لتنقيب الجزء المختفي من القلعة ،ومن المتوقع ان ينتهي العمل فيها خلال السنوات الخمس المقبلة ،خاصة وان المعلومات التي نمتلكها عن هذه القلعة ليست دقيقة ،فهناك آراء تفيد بأنها تعود إلى الحقبة الزرادشتية ،وآراء أخرى تفيد بأنها كنيسة مسيحية.
مبينا انه مع الفريق الفرنسي هناك أربع فرق آثارية أخرى تنقب في مواقع مختلفة من محافظة السليمانية ،وهي فريق بريطاني ينقب في عربد وفريق ألماني بالقرب من حلبجة،وفريق هولندي ينقب في موقع شمشارة بالقرب من مدينة رانية ،وفريق آثار فرنسي ينقب في موقع بالقرب من منطقة بكره جو،لذا نتوقع تسلم أعداد كبيرة من القطع الأثرية في المستقبل القريب،علما ان هذه الفرق تعمل حسب القوانين المعمول بها في التنقيب،إذ تتكفل هذه البعثات بمصاريف التنقيب ،وبعد الانتهاء من العمل تسلم الفرق جميع ماتم استخراجه من قطع أثرية إلى مديرية الآثار في السليمانية.
ضرورة وعي المواطن
وعن إقبال المواطنين على زيارة المتحف أكد عبدالله انه إقبال كبير جدا ويكون الزخم أكبر في أوقات الدوام الرسمي حيث تحرص إدارات المدارس على تخصيص زيارات لطلابها إلى المتحف ،ولأجل تثقيف المواطنين بأهمية زيارة المتحف،نحن الآن بصدد تطوير طريقة إيصال المعلومة عن تاريخ كل قطعة بشكل متحضر ومختلف عما كان في السابق حيث سنعمل من خلال القسم كما نأمل ان تسهم القطع المستخرجة ،ويقوم التربوي التابع للمتحف بوضع شرح لقصة كل قطعة أثرية لجذب المزيد من السياح والإعلام بحسب قول عبد الله.
القانون غير رادع
من أجل الوقوف على دور الشرطة والأمن في الحد من تهريب وسرقة الآثار تحدث مخول عن مديرية أسايش السليمانية (رفض ذكر اسمه) وهو يعمل كحرس حدود ومحقق مع مهربي الآثار ،مشيراً بالقول :
"مهربو الأثار يملكون الوعي بأهمية الآثار الوطنية للبلد ،فهم ليسوا بسطاء كما نتصورهم لكن يدفعهم إلى ذلك العمل وجشعهم المادي" وقال المخول "أغلب الآثار هي من خارج حدود منطقة كردستان ،أي من وسط وجنوب العراق ،وهذا يعني ان المحافظات الأخرى تحتاج إلى تشديد أمني "
ويرى المحقق أن الرادع ضعيف ،لذا يستمر التهريب ،وأضاف: " القانون العراقي متساهل جداً ولا يشكل رادعا لمن يفكر بسرقة وتهريب الآثار ،وقد أطلقت حكومة الإقليم عفواً عن مهربي الأثار في تموز من العام 2012 " .
مقهى الـ "القجقجية" وسط السليمانية
علي محمد، 55 عاماً،مهرب أو ما يعرف بالمصطلح الشائع"القجقجي"يتخذ من باب المقهى الصغير مكاناً لجلوسه،يقع المقهى في وسط مدينة السليمانية بعيداً عن الطريق العام، يرتاده رجال توسط بهم العمر ،فضلا عن بعض الشباب، وتظهر على رواده سمات الغنى من خلال ملابسهم الثمينة ،فبعضهم يرتدي الزي الكردي الفاخر وبعضهم الآخر يرتدي البزات الرسمية وأغلبهم يبالغ بارتداء الخواتم الذهبية والساعات الباهظة الثمن. وتجاور السليمانية القرى الإيرانية من خلال منطقة بنجوين الحدودية الوعرة، ما يمنح السليمانية وضعا خاصا في تهريب البضائع والآثار بسهولة نسبية، وعن هذا يفصح علي بالقول "يوجد العديد من التجار الإيرانيين ممن يسهلون تهريب البضائع بالشاحنات عبر الحدود بوجود سيطرات التفتيش، وتوجد نقاط لا تحدها أي سيطرة ومن خلالها ينشط تهريب الآثار والسلاح."
احترافية التهريب
وأضاف محمد" يوجد في بعض المقاهي العديد ممن يحترفون تهريب الأشخاص أو البضائع بشتى أنواعها من دون مرورهم بنقاط التفتيش الحدودية ،وهذا بالتأكيد مقابل ثمن كبير متفق عليه مسبقاً."
وزاد محمد بالقول "قوات الأمن لديهم دور كبير في التفتيش وإلقاء القبض على الكثير من القجقجية إذا وجدوهم في الأراضي العراقية، لذا فالمهربون حذرون جداً مع الزبائن ويتم التعامل معهم من خلال أناس مقربين." بعد أن ناول قدح الشاي لأحد ضيوفه الذين يترددون عليه في "متحفه" الصغيرعصراً قال فرياد: ستبقى الأثار تسرق وتهرّب مادام هناك بعض المواطنين يعانون من ضعف في الشعور والحس الوطني .