سياحة الحروب
بقلم : د. هيا إبراهيم الجوهر … أثار الياباني توشيفومي فوجيموتو دهشة الملايين لغرابة رحلته السياحية التي ادّعى أنها لكسر الملل وروتين حياته اليومي كسائق شاحنة بترول على الخطوط الطويلة، فهو سائح من نوع آخر يستمتع بزيارة مناطق الحروب والثورات في الشرق الأوسط، فمن مواكبته لأحداث السفارة الأمريكية في اليمن إلى مشاركته مع الثوار في مصر، وانتهى به المطاف منذ أشهر عدة على خط النار في سورية مع المقاومة دون أن يرتدي سترة واقية أو خوذة، مكتفياً بكاميرته التي يسجل بها الأحداث ويتشارك صورها مع أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي، وأما وجهته القادمة فهي مع طالبان في أفغانستان، ورغم أنه لا يجيد العربية إلا أنه يستخدم ”جوجل” ليتمكن من الحديث مع من حوله!
وما فعله فوجي من زيارة المواقع الحية هو ما تدعو إليه بعض الدول لإنعاش اقتصادها سياحيا والتكسب من وراء زيارة السياح لأماكن معارك، لكن مرّت عليها سنون فيما يعرف بسياحة الحروب، من باب ”مصائب قوم عند قوم فوائد” بعد أن كانت مجرد سيرة الحروب كافية كي يدب الرعب في قلبك، فآلة الحرب لا تفرق بين أحد!
فهذه إسرائيل تنظم اليوم رحلات يومية للمستوطنين ليشاهدوا عن قرب المعارك الدائرة في سورية من خلال مناظير نصبت على مرتفعات الجولان المحتل، وكذلك سماع صوت القصف! ومن بعدها يؤخذ السائح ضمن برنامج معد مسبقا لزيارة أماكن سقوط الصواريخ اللبنانية، لكسب تعاطف الشعب وشحذ الهمم، رغم أن ما لحق بهم من أضرار لا يعادل ما خلفته صواريخهم من تدمير مدن بأكملها في الجنوب اللبناني!
وفي مصر حولت السلطات المصرية المواقع العسكرية التي دارت فيها الحروب في سيناء إلى مزارات، يتم فيها عرض المعدات العسكرية والخرائط والوثائق الحربية التي استخدمت في المعارك، ولزيادة الإقبال أقيمت المطاعم والمقاهي ودور سينما ومسارح تطل مباشرة على قناة السويس، ومن أشهر المزارات الحربية في مصر ”مقابر هوليوبولس” التي تضم رفات جنود الكومنولث من مختلف الجنسيات والديانات المشاركين في الحرب العالمية الثانية في منظر مهيب يتساوى فيه الجميع.
أما جزر فوكلاند النائية التي تنازعت عليها الأرجنتين وبريطانيا وشهدت معارك طاحنة راح ضحيتها نحو الألف قتيل في حرب دامت 73 يوماً فقط، التي مر عليها 25 عاماً، فتتيح للسائح اليوم زيارة أرض المعركة التي أُبقيت على حالها رغم سوء الظروف الجوية فوق جبلي لونجدون وتمبلدان، حيث بإمكانك رؤية ملابس وأحذية الجنود في كل مكان وممتلكاتهم الشخصية حتى معاجين الأسنان الصدئة، وكذلك زيارة المقابر، والسير في الخنادق والممرات الضيقة لتعيش أجواء الحرب!
ويعود الغزاة الأمريكان إلى فيتنام اليوم، لكن بصورة مختلفة كسيّاح حرب ليشاهدوا ما عملته أيديهم مجموعاً في متحف من أربعة طوابق، كل طابق يحكي قصة ومراحل الدمار إلى أن تنتهي برسومات الأطفال المناهضة للحرب وبعدها ينتقل السائح إلى منطقة الأنفاق التي بناها الفيتناميون، حيث تتشعب تحت الأرض لتلتقي في قاعات خصصت لإدارة المعارك وغرف لإسعاف الجرحى ومطابخ ومرافق ليتمكن الجنود من العيش تحت الأرض، ومع ذلك كانوا يموتون بسبب الحشرات وعضات الأفاعي وسوء التهوية والأمراض!
وتتنافس مع هذه السياحة في الانتشار سياحة الكوارث والنكبات، بحيث تنظم رحلات سياحية لزيارة المناطق المنكوبة بعد الكوارث الطبيعية مثل تسونامي ومفاعل تشرنوبل ومكان برجي التجارة العالميين وغيرها، لتنتهي الحروب والكوارث، لكن يبقى أثرها جرحاً غائراً في قلب من عانوا ويلاتها.
المصدر : الاقتصادية