حصن الحزم.. ملامح القوة والفخامة العمانية
مسقط " المسلة " … اكملت وزارة السياحة الأعمال التطويرية والتحسينية والخدمية بحصن الحزم الواقع في محافظة الرستاق، وهو أحد إبداعات الفن المعماري الدفاعي العماني، الذي بناه الإمام سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي في عام 1711. ولا يزال الحصن أبرز المزارات السياحية النشطة في السلطنة، ويحظى باهتمامٍ ومتابعةٍ دائمين من قبل وزارة السياحة، ويلاقي إقبالا واسعا من قبل الزوار القادمين إلى السلطنة لما يحمله من إرث تاريخي وحضاري موغلٌ في القدم.
وتعتبر خدمة المرشد الإلكتروني في الحصن، إحدى الخدمات المهمة والرئيسية، وإضافة مميزة تتمتع بتقنية عالية وسهولة كبيرة في الاستخدام والانتفاع. وتشتمل هذه الفكرة على تنفيذ مشروع المرشد الالكتروني الآلي بأركان الحصن المختلفة، حيث يقوم الجهاز ببث معلومات ونبذ تعريفية بخمس لغات هي العربية والإنكليزية والألمانية والفرنسية واليابانية، ويختار السائح اللغة التي تناسبه.
ومن الاضافات التي تم تنفيذها ضمن مشروع التطوير والتأهيل، بناء غرفة لبيع الحرف والمشغولات اليدوية العمانية، وتخصيص مكتب استقبال للمرشد السياحي يكون موقعه على البوابة الرئيسية للحصن، وتجميل الساحة الخارجية للحصن بما فيها مواقف السيارات، وجدار تجميلي عازل لحقول النخيل وعمل لوائح ووسائل العرض والنبذ التعريفية لكل ركن من أركان وغرف الحصن.
معرض المدافع :
يأتي معرض "المدافع" كأحد أبرز وأهم الأعمال التطويرية الحديثة بالحصن، حيث يُقام معرضٌ دائمٌ للمدافع في برج الحصن، يبرز أنواع المدافع ونبذ تاريخية عنها واستخداماتها وأهميتها العسكرية. وتمت إعادة تصنيع العربات التاريخية بشكل علمي مدروس وذلك بالإستعانة بخبراء من المملكة المتحدة ووثائق تاريخية من الأرشيف الوطني البريطاني والبرتغالي والأسباني، بحيث تكونت نخبة متنوعة من المدافع القديمة يختلف تاريخ كل مدفع عن الآخر وكذلك عربته طبقاً لتاريخ صناعة كل مدفع وبلد صناعته (مدافع عمانية، وبرتغالية، وبريطانية، وفرنسية، وأميركية، وهندية، وفارسية) ونوع العربة المستخدمة فيه (ميداني للمعارك، وبحري للسفن، وثابت للمباني كالقلاع وغيرها).
في عام 2004، تم اختيار حصن الحزم، لعرض تشكيلة المدافع الاستثنائية التي تمتلكها السلطنة. وكان الحصن يحوي عددا من المدافع، وجرى البحث عن مدافع إضافية في السلطنة، كما تم العثور على كمية من المدافع البرتغالية والأسبانية التي يعود تاريخها للفترة ما بين عامي 1550 إلى 1625 من أجل عرضها بأحد أبراج حصن الحزم، بالإضافة إلى مدافع بريطانية يعود تاريخها إلى الفترة من عام 1625 حتى عام 1850 لشغل البرج الثاني.
وكان من بين أهم الاكتشافات مدفع في المنطقة الخلفية بقلعة نزوى، ويعود تاريخه الى الفترة ما بين عامي 1550 إلى 1610، ويبدو أنه من أصل برتغالي هندي، ويجري البحث عن مدفعيات لأكثر من تسع دول في المعرض، وهذه الدول هي السلطنة والسويد وفرنسا وألمانيا وهولندا والهند وبريطانيا وأسبانيا والبرتغال.
ويتميز حصن الحزم بمجموعة من المدافع العالمية والنادرة وهي نماذج صحيحة من الناحية التاريخية تم عرضها على عربات طبق الأصل لمركباتها الأولى، تعرض داخل أثر تاريخي أصيل ينظر إليه على أنه مصدر مهم للبحث والدراسة في منطقة مهمة من التراث العالمي. وبينما يبدو حصن الحزم مهما من الناحية العسكرية، فله أيضا جمال استثنائي وأناقة معمارية ومعالم زخرفية، وتبدو ملامح القوة والعظمة والفخامة واضحة بمجرد أن يقع نظر الزائر على الخشب المصقول والنحاس اللامع لواجهة مدخلها الرئيس.
وعلى الرغم من وظيفتها الدفاعية، تم ثني المسامير النحاسية الموجودة في الباب بشكل جميل لتكملة النقش الرقيق ذي الأشكال الورقية والأرابيسك الرائع الذي يغطي جزءا كبيراً من سطح الباب، وتبدو النقوش معقدة جداً لدرجة أنها تعطي انطباعاً بأن هناك رباطا متجمدا في الخشب، وهذا الإحساس بالغنى يستشعره زائر القلعة من خلال التدفق المعماري للقناطير المتعددة والأسقف المقنطرة والقاعات وممرات الدرج، وتتميز الحجرات المهمة بأسطحها المقوسة بشكل جمالي.
وفي حصن الحزم، هناك إحساس رائع بالمكان يحدث ليس فقط بفعل بنية القباب والقناطر المرتفعة، ولكن أيضاً بسبب زخارف الجبس البيضاء المميزة في الحصن، وتزين أعمال الجبس الرائعة الجدران والأسقف والأعمدة، وحتى منصة الإطلاق الرئيسية لكل برج، وهنا نجد عموداً مركزياً ضخماً مزيناً برسومات زهرية بالجبس بغرض بث الشعور بالراحة، ويقف العمود قائماً داخل قناطر سطحية ناتئة ومحففة بأربطة ذات شكل جيد والأرابيسك الورقي المدرج والأشكال الحسابية الأنيقة.
ويتميز الحصن بوجود البرجين المتقابلين إضافة إلى المساقط الموجودة أعلى المدخل الرئيسي لصب الزيت أو الدبس على المعتدين، والعديد من المرافق الخدمية والسكنية والغرف المستخدمة لتدريس القرآن الكريم والعلوم بشتى أنواعها. ويبدو الحصن من الخارج أضخم وأكبر كثيراً مما هو عليه في الداخل، وهذا يرجع إلى عدة عوامل: أولها أن الصلابة المهيبة لواجهته تقطعها فقط القليل من النوافذ الصغيرة، إضافة إلى بنيته الطويلة وعرضه الذي يبدو بارزاً بفعل المحيط الواسع والاستثنائي للبرجين، واللذين يذكران بقلعة نزوى العريقة في الشكل وتطور نظم البناء، وعلى الرغم من أن المظهر الخارجي لحصن الحزم يبرز معقلاً عسكرياً قوياً، فإن بنيته الداخلية فخمة جداً، وفي الوقت نفسه يضم أسلحة ومستودعات للبارود إضافة إلى المرافق السكنية والدفاعية الأخرى.
وفي كل مكان بالحصن توجد ثقوب مختفية للحراس تستخدم في أوقات السلم والحرب، كما أن الجدران الخارجية مليئة بفتحات مراقبة مصممة بشكل بارع، وهناك العديد من طرق الهروب الاستراتيجية ونفق تحت الأرض يربط البرجين في الظلام الدامس. ويقال، إن الباب الرئيس للحصن، وهو حاجز رائع يمتلك سمكاً وقوة استثنائية قد احتاج إلى 14 حصاناً لنقله إلى مكان الحصن، وهذا الباب محمي بمسامير نحاسية ثقيلة وتوجد به كوة مخفية أو "مسقط" فوق عتبة الباب لصب الزيت المغلي على المعتدين أو إسقاط القذائف عليهم.
وفي ظل الباب توجد حفرة عميقة كأحد العناصر الدفاعية بالحصن، ويتم إخفاء الحفرة بأغطية خشبية، تُزال عندما يكون الحصن مهددا، ويعزز الباب الهائل بوظائفه القاتلة من خلال مجموعة متوالية من الأبواب الداخلية، وهي متقابلة ومتشابهة لتمكين استخدام المنجنيق أو لكسب قوة دفع في هجوم دائر.
تاريخ الحصن :
وفي عودة لتاريخية الحصن نجد أنه في فترة حكم أسرة اليعاربة، أدت ريادة البحار إلى انتعاش التجارة وتحقيق ثروة غير مسبوقة، وتضمنت أبرز المشاريع الرئيسية في بناء نظام الري بالأفلاج، الذي ساهم في ازدهار الحركة الزراعية ووفرة الإنتاج الزراعي، كما عملت على إحياء الثقافة الإسلامية وازدهار العلم والمعرفة وبناء معالم رائعة الجمال حافظت على قوتها عبر السنين لعل أبرزها قلعة نزوى المهيبة، وقد عمل الإمام سلطان بن سيف على توسيع رقعة عمان وبنى آثارا جديدة رائعة لعل أبرزها حصن الحزم.
وعند الاقتراب من حصن الحزم الواقع بالقرب من السهول الزراعية الواسعة المحيطة به، يمكن أن يتخيل المرء كيف كان الحصن معلماً مهيباً على الأرض الشاسعة المفتوحة قبل ثلاثمائة وخمسين عاماً، ومن شرفات الحصن يمكن للعين المجردة رؤية خط الساحل لأميال غير متناهية، إضافة إلى رؤية أي تقدم معاد من البحر بسرعة كبيرة.
لذا حقق الإمام سلطان بن سيف اليعربي ميزة استراتيجية بنقل مقراته الدفاعية إلى حصن الحزم من المحيط الأكثر قرباً للحصن إلى الداخل بشكل إضافي في الرستاق، وقد حدث هذا في عام 1711، كما تبلورت خبرة كبيرة في الهندسة والتصميم المعماري من قلعة نزوى وحصن جبرين، واستخدمت هذه الخبرات كميزة في بناء حصن الحزم، ويتضح ذلك في تطور هندسته من حيث التصميم العملي للبناء، وفي سماته الزخرفية، وبشكل خاص، يمثل حصن الحزم للسلطنة توظيفاً متقدماً للبناء بأسلوب القنطرة والسرداب، وهذا يمثل انطلاقاً مثيراً من الخطوط المستقيمة والبناء البسيط للأعمدة والنوافذ في البنيات الدفاعية المبكرة.
وقد بني حصن الحزم في مرحلة انتقالية من الحروب بالبندقية إلى الحروب بالمدافع، وقد انعكس ذلك جليا في الجدران السميكة والقوية بشكل كافٍ لمقاومة هجوم قذائف المدافع، إضافة إلى برجي المدفعية الذين يقعان بشكل مائل في مواجهة بعضهما البعض على الركنين الجنوبي الشرقي والشمالي الغربي من الحصن، وكان كل برج من البرجين يمتلك سطحين مع سبع فتحات لإطلاق النار لعدد إجمالي ثمانية وعشرين مدفعاً، توفر قوة إطلاق نار بدائرة 360 درجة من أجل إحكام السيطرة على السهول المحيطة بأكملها.
يمتلك سقف الحصن حوض مياه لحدائق الخضروات التي كانت تزدهر هناك في يوم من الأيام. وكان الثوم والبصل والبطيخ وبعض الأطعمة الأخرى تزرع داخل الحصن في أوقات السلم، وفي حال الحصار توفر الحدائق الفواكه والخضروات الطازجة بشكل طبيعي من المزارع المحلية. وكان الحصن يمتلك أنظمة مياه متقدمة مع الأفلاج وبئرين داخليين، وهو ما يضمن توفير كمية كبيرة من المياه لتلبية الإحتياجات المحلية.
وكان أبناء الإمام يتعلمون في حجرة الدراسة الواقعة على منصة مقنطرة فوق مسجد الإمام والجنود، وقد تعلم أبناء الإمام القراءة والكتابة باللغة العربية عبر دراسة القرآن الكريم في ذلك المكان، وكانوا يتلقون أيضاً دروساً تعليمية في مواد أخرى مثل الرياضيات والجغرافيا. يحتوي الحصن على قبر لبانيه الإمام سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي الذي توفي في عام 1718، وقبر لإبنه سيف بن سلطان بن سيف الذي توفي في عام 1742. وسيتم افتتاح الحصن للزوار بالتزامن مع احتفالات السلطنة بالعيد الوطني 43 المجيد.