محاكمة الطاووس
بقلم ثروت الخرباوي
كان مشهد المحكمة التي انعقدت في أكاديمية الشرطة دالا على ان الذي كان رئيسا لمصر لم يكن يستحق حتى ان يكون رئيسا لمركز شباب، لديَّ يقين ان وجوده على كرسي الحكم مدة سنة كان ضد طبيعة الأشياء، كيف للثرى ان يكون حاكما على الثريا، وكيف للتخلف ان يحكم الذكاء والعبقرية، ولكن هذا هو الذي حدث!
ويبدو ان عذرنا ان الشعب وضع عصابة على عينيه واختاره دون ان يرى، وحتى لا يتهمني أحدهم بالمبالغة فليس لي الا ان نستعرض ثقافة محمد مرسي وفكره ومفرداته اللفظية وقراراته السياسية.
وقف محمد مرسي في قفص الاتهام وأخذ يكرر أنه الرئيس الشرعي وأن المحكمة غير شرعية، وفي ذات الوقت ذاته رفض ان يدافع عنه أي أحد من محامي الاخوان، ثم اذا به يصل الى قمة «الغياب عن الواقع وعدم تصديقه» عندما أصدر بعد جلسة المحاكمة قرارا باقالة الفريق السيسي من منصبه! ولكن الذين يعرفون محمد مرسي عن قرب يدركون ان تصرفاته هذه ليست مستغربة.
وكان من حظي ان تعرفت على هذا الرجل وعاشرته فترات طويلة حين كنت في الجماعة، وكنا وقتها وبعض الرفاق نتندر على طاعته العمياء التي تصل الى حد الغاء عقله وتعطيل تفكيره من أجل ان ينفذ ما يلقى اليه من أوامر، الا أنني والحق أقول فوجئت بتدني مستوى مفرداته اللفظية، اذ كان من المقبول ان يتحدث معنا في الاجتماعات الاخوانية وفي الغرف المغلقة بتعبيرات لفظية فجة نوعا ما،
الا ان يظل وهو رئيس الجمهورية مصطحبا معه هذه الألفاظ نفسها وتلك المفردات نفسها فهذا هو الغريب، فعلى سبيل المثال فان تعبيرات القرد والقرداتي والحاوي والثعابين كانت من تعبيراته التي يستخدمها دائما وهو يدير اللجنة السياسية في الجماعة، اذ كان يقول دائما عندما يشيد به أحد ويمتدح مفاوضاته عام 2000 مع كمال الشاذلي أمين الحزب الوطني: «هو لا يستطيع ان يغلبني فأنا حاوي أجيد مسك الثعابين» ثم يستطرد شارحا: قال لي كمال الشاذلي سنسمح لكم بمساحة جيدة في البرلمان فقلت له: «ليس لنا الا ان ندخل البرلمان فهو عملنا، فلو مات القرداتي ماذا سيفعل القرد؟» وتمر السنوات ويصبح محمد مرسي رئيسا فاذا به يستخدم تعبيرات الحاوي والثعبان، والقرد والقرداتي، والحارة المزنوقة، والأصابع التي تلعب، وكأن الدنيا لم تتغير وكأنه لم يضف لنفسه فكرا أو ثقافة.
وحين كان مسؤولا عن اللجنة السياسية لإخوان محافظة الشرقية، كان مسؤول اخوان الشرقية يرسله الى بعض المؤتمرات السياسية التي تستهدف الجماعة افسادها، فيطلبون منه ان يمسك الميكروفون ويظل يتكلم بلا انقطاع حتى لا يترك فرصة لأحد آخر من مختلف القوى السياسية ان يتكلم، وفي احدى المرات احتج أحد رموز اليسار على هذا المسلك وهو النائب السابق عاطف مغاوري فما كان من محمد مرسي الا ان قذف الميكروفون في وجهه ثم تحرك نحوه للاعتداء عليه بالضرب لولا أن حال بينهما البعض.
آفة محمد مرسي أنه لم يتعود التفكير على استقلال لذلك كان مجرد تابع وظل كذلك حتى عزله الشعب من الرئاسة، كما أنه لا يعرف ولم يعرف الانتماء الحقيقي للوطن، فوطنه الأكبر هو تنظيم الاخوان، أما مصر فهي مجرد وسيلة من وسائل التمكين للتنظيم على مستوى العالم، وهكذا هم كل الاخوان في كل العالم، ليس لديهم أدنى انتماء لأوطانهم، لذلك لم يكن من المستغرب ان يذهب مرسي أثناء رئاسته الى السودان ويعدهم بأرض مصرية هي حلايب وشلاتين وكأنه يوزع الميراث الذي ورثه عن أبيه، كما لم يكن من المستغرب ان يتفق مع أمريكا واسرائيل على منحهم جزءا من شمال سيناء لتكون مستوطنا لحماس، حيث تتحول لامارة إسلامية.
ولك ان تدرك مدى قوة عقله وهو يلقي عن باله حركة الشعب المصري قبل ثورة 6/30 تلك الحركة التي كانت تنذره وتعلن له ان الشعب يتمرد عليه ويجب عليه ان يصلح من قراراته ويقيل الوزارة ولكنه كأنه لا يسمع ولا يرى، كما ان عمي بصيرته وصل الى قمته عندما لم يفهم مهلة الأسبوع التي أعطاها له الجيش ثم مهلة الثمانية والأربعين ساعة، ثم تصوره ان الذين يثورون ضده في الشارع ليسوا ملايين غير مسبوقة في التاريخ ولكن عشرات الألوف فقط.
وفوق هذا وذاك يعلم الكل أكاذيبه المتكررة ووعوده التي تنكر لها حتى أصبح مجالا للسخرية والتندر، وزاد عن هذا عدم احترام العالم له، وتصرفاته الحمقاء التي أخجلتنا جميعا وهو ينظر بشكل غير لائق الى سيقان السيدات، تلك لمحات سريعة عن ذلك الرجل الذي وقف بشكل طاووسي في قفص الاتهام، والغريب أن هذا الطاووس لم يدرك أن العالم لم يحترمه أبدا.
منقول من اون للانباء