كتب د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة "المسلة" ….. كشف الباحث الأثرى فى الآثار الإسلامية أبو العلا خليل عن سر نسر الملك الكامل ببرج الشخص والمعروف قديما ببرج الزاوية بالنطاق الجنوبى بقلعة صلاح الدين والمطل على الممر الصخرى الذى وقعت فيه مذبحة المماليك الشهيرة عام 1811م وبأعلاه نسر منحوت بشكل بارز على سطح صورة مستطيلة .
ويوضح أبو العلا خليل أن المراجع الحديثة أغفلت الحديث عن هذا النسر ومنشئه والقصد من بنائه وتركته ليلهب فضول وخيال من سيأتى بعدهم من باحثين ورحالة أوربيين يرقبون بنظراتهم الحادة كل شئ غريب وعجيب وكان أول من أشار الى هذا النسر الرحالة التركى أوليا جلبى حين أقام بالقلعة فترة عام 1670م فكتب فى " سياحتنامه مصر " يصف البرج والنسر بأعلاه (وبقلعة مصر برج شامخ يدعى مصيف الفقراء وهو برج مشرف على باب العزب وقد أقمت أنا الحقير سبعة أعوام فى ذلك البرج فكان منزلا تشرف منه على العالم وكانت تحت نافذتنا كتابة بوسطها رسم طائر بسط جناحيه على رجليه وله رأسان تخاله طائر ذا روح) وقد أعد أوليا جلبى هذا النسر " طلسمًا " لدرئ الأذى من أى مكروه.
ويشير الباحث الآثارى أبو العلا خليل إلى الكاتب الغربى بوكوك الذى زار مصر عام 1740م فكتب فى مؤلفه " a description of the east" (والطريق مواز لحائط عال يوجد عليه وعلى ارتفاع كبير نسر كبير بارز باسط جناحيه) ويذكر الرحالة الألمانى كارستن نيبور الذى زار مصر عام 1761م فى كتابه " رحلة الى مصر " ( ويرى الناظر هنا فى سور أحد المبانى نسرًا برأسين قد تشوهت صورته إلى درجة كبيرة بفعل الزمن ومع ذلك فإنك تستطيع أن تميز صورته بوضوح)..
ويتابع أبو العلا خليل فى "القاهرة مدينة ألف ليلة وليلة" يذكر أولج فولكف (وعلى الحائط الغربى للقلعة نحت نسر ناشر جناحيه ومخالبه آمن العامة بأن لهذا الطائر قدرة على التنبؤ بالغيب فإذا ما صفق بجناحيه ونفخ حوصلته فيعنى هذا أن الخير سيصيب المدينة أما إن أطلق صرخة فهو فأل سئ للموت أو كارثة وشيكة) وقد ذهب خيال بعض الباحثين فى نسبة هذا النسر إلى قراقوش وزير السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب والمتوفى عام 597هـ فقد كان مشرفا على بناء القلعة واتخذ النسر شعارا له من اسمه .
ويذكر ابن خلكان فى وفيات الأعيان (وقراقوش لفظ تركى تفسيره بالعربى العقاب أى النسر الطائر المعروف وبه سمى الإنسان) .
ويذكر الدكتور خالد عزب فى كتاب أسوار وقلعة صلاح الدين (ويعد برج الشخص والمعروف قديمًا ببرج الزاوية لأنه اأنشئ عند إحدى زوايا القلعة أهم أبراج القلعة التى حرص قراقوش أن يضع عليها النسر السلطانى وأن يجدده السلطان الظاهر بيبرس) .
ويذكر كازانوفا (وقد فات على أصحاب هذا الزعم فى نسبة هذا النسر إلى قراقوش أن هذا الجانب من جدار القلعة بنى بعد وفاة قراقوش على عهد الملك الكامل الأيوبى الذى تولى عرش البلاد ( 615هـ – 635هـ ) وخلفائه من بعده .
ويتعرض الباحث الآثارى أبو العلا خليل لكتاب حسن عبدالوهاب " جامع السلطان حسن وماحوله" وذكر فيه (وفى الجناح الشمالى الشرقى الممر الصخرى الذى وقعت فيه مذبحة المماليك الممقوتة سنة 1811م وبه النسر الذى كان يرقم فى علم صلاح الدين الشخصى بلون أحمر فى قماش أصفر).
وينسب أبو العلا خليل سر " النسر الغامض " إلى الملك الكامل الأيوبى وقد ذكر كازانوفا فى " تاريخ ووصف قلعة القاهرة " (هذا الفرض الذى يتخذ من وجود صورة النسر ذى الرأس المزدوج على بعض قطع النقود التى سكت باسم الملك الكامل دليلا على أن هذا النسر هو الرنك الخاص به).
ولم يثبت البرج المثبت عليه النسر أمام عوادى الزمان كثيرا اذ تداعت جدرانه فأعاد إعماره السلطان الظاهر بيبرس والذى عرف فى زمانه ببرج الزاوية ومن ثم نسبه المؤرخين إليه وعن ذلك يذكر ابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة (وأنشأ السلطان الظاهر بيبرس برج الزاوية المجاور لباب القلعة المعروف بالباب المدرج ).
والنسر الحالى فقد منه الرأس – والحديث لكازانوفا- ومن الجائز أنه سقط من الجدار وفقد بين الأطلال وأغلب الظن أنه عثر عليه بعد ذلك ثم ثبت فى موضعه على يد محمد على "نسر لا رأس له" ويأبى بول كازانوفا المتحلى بأمانة الباحث الأمين كما يرى أبو العلا خليل فى نسبة هذا النسر إلى الملك الكامل أن يغلق باب الحديث ويحمله التاريخ تبعات ما ذهب اليه.