1800 مبنى تراثي مهدد بالزوال في بغداد
تراجع سعد العزاوي عن التنازل لوزارة الثقافة عن منزله التراثي في بغداد بعدما عرضت عليه الوزارة مبلغاً بسيطاً لا يمكن مقارنته بالعروض التي قدمها له بعض المستثمرين. العزاوي ليس الوحيد الذي رفض العرض فالمسح الرسمي الأخير الذي أجرته دائرة التراث العراقي كشف عن وجود 1800 مبنى تراثي في بغداد مهددة بالزوال بعضها مُدرَج ضمن قائمة المشيدات التراثية إذ يعود تاريخ إنشاء بعضها إلى العهد العثماني.
وقال العزاوي لـ»نقاش» إنه يسكن في منزله الموشوم بالشناشيل منذ ولادته وأنه شُيّد منذ 200 عام مضت وهو يستعد لإعماره اليوم بالطريقة الحديثة بشكل قد يتسبب في اندثار طابعه التراثي. العشرات من أصحاب الدور التراثية رفضوا منح منازلهم لوزارة الثقافة لاسيما تلك الواقعة في مناطق تجارية في شوارع كالرشيد والنهر والفضل ومناطق الكاظمية والأعظمية والكرادة وغيرها.
يقول ماجد الذهبي أحد مالكي المنازل التراثية في منطقة الكاظمية لـ»نقاش» إن منزله رغم قدمه إلا أنه يقع على شارع تجاري ويمكن استثماره كفندق أو مول، حيث عرض عليه بعض المستثمرين شراء المنزل بالسعر الذي يطلبه. ويضيف «قمت بهدم جزء من المنزل وأحدثت فيه بعض العيوب، فهو مدرج ضمن المنازل التراثية والقانون يمنعني من بيعه إلا في حال تضرره».
معن عبد الباسط استثمر وجود بعض الثغرات في قانون الآثار والتراث وأقدم على حرق منزله التراثي بشكل كلي وأحداث أضرار جسيمة فيه بحيث يتعذر على الجهات المعنية إعادة إعماره. ويقول لـ «نقاش» إن الظروف المعاشية الصعبة التي يمر بها هي التي أجبرته على الاستغناء عن المنزل الذي عاشت فيه عائلته وأجداده منذ 150 عاماً.
العائلات التي اتفقت مع وزارة الثقافة على بيع منازلها ووافقت على المبالغ المعروضة عليها تشكو من اجراءات وزارة الثقافة وأمانة العاصمة باستملاك المنازل التراثية والمسجّلة لدى دائرة التراث بوزارة السياحة. وتقول فاطمة حسين «نحن ندرك مدى قيمة المنازل التراثية، والتي نعدها ارثا حضاريا لبغداد لايمكن الاستغاء عنه»، فعائلتها لاتريد التفريط بهذا الارث على حساب المال، إلا ان «منزلنا لم يعد آهلا للسكن وسيسقط يوماً ما فوق رؤوسنا ومازلنا ننتظر اللجنة الخاصة بتخمين سعر المنزل منذ سبع سنوات من دون جدوى».
ودعت مراكز ثقافية ومنظمات مجتمع مدني في وقت سابق الحكومة العراقية ووزارة السياحة والآثار للمحافظة على التراث القديم في العاصمة وإعادة تاهيل وصيانة المباني الأثرية والجوامع والكنائس والمزارات. المهندس عبد الجبار السوداني أحد مالكي الدور التراثية قال لـ»نقاش» إن بغداد تعج بمئآت المباني التراثية التي توزعت بين منازل وجوامع وكنائس، والتي أصبحت غالبيتها آيلة للسقوط بسبب الانفجارات المستمرة والحروب التي سبقتها.
وأضاف يتوجب أن تتحرك وزارة السياحة والآثار والجهات المختصة لإعادة تأهيل المباني التراثية ومعالجة هياكلها واسسها المتضررة نتيجة التفجيرات وتراكم مياه الصرف الصحي تحتها». أمانة بغداد، والتي تعد الجهة المسؤولة عن الابنية التراثية أكدت على مظلومية شريحة مالكي الأبنية والمنازل التراثية مرجعة ضعف إجراءاتها إلى قلة التخصيصات المالية.
ويقول حكيم عبد الزهرة مدير إعلام الأمانة «إن أمانة بغداد وضعت العديد من الخطط والحلول لتحريك قضية الأبنية التراثية لكنها بحاجة لتخصيصات مالية كبيرة لإعادة تأهيل هذه المباني، او مشاركة أصحاب الأملاك بأسهم بين الأمانة والقطاع الخاص». الجانب القانوني للقضية شرحه الخبير القانوني مروان الأتروشي الذي قال إن قانون الآثار والتراث رقم 55 لسنة 2002 ينضم كافة المستحقات لمالكي الأبنية التراثية والدولة على حد سواء.
وقال إن «هذا القانون يحمي المباني التراثية من الهدم والإزالة ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ست سنوات كل من هدم وشوه متعمدا بناءاً تراثيا، كما يضمن في الوقت ذاته حصول مالكها على منحة حكومية له لمساعدته في الحفاظ على المبنى التراثي وإعادة تأهيله وأعماره». لكن وزارة السياحة والآثار رمت الكرة بملعب مالكي الأبنية التراثية وحملتهم مسؤولية اندثار تلك الأبنية وتدهور بُناها التحتية. مدير العلاقات والإعلام بوزارة السياحة والآثار علي عبد الحسين قال لـ»نقاش» إن وزارته تتحمل بعض مسؤوليات حماية الأبنية التراثية بالمشاركة مع الحكومة المحلية وأمانة بغداد من خلال المتابعة والرصد المستمر للتجاوزات عليها.
وأضاف بالرغم من كل الجهود التي تبذلها الوزارة من أجل إحياء المباني التراثية، إلا ان أنها مكبّلة بشكل كبير بسبب عدم وجود تخصيصات مالية لاستملاك أو إعمار تلك المباني». وحمل عبد الحسين مالكي المنازل التراثية مسؤولية تدهور حال تلك المباني «لانهم استغلوا تواجد تلك المنازل في مناطق تجارية وطالبوا الوزارة بأسعار مرتفعة مما سبب عجز الوزارة والدولة عن استملاك تلك المباني.