فنادق باريس ومقاهيها تنتظر السياح العرب
باريس "المسلة" … أين الرجال الملتحون الجالسون يقرأون الجريدة الخضراء في مقهى «الفوكيتس»، والنساء ذوات العباءات الطويلة السوداء يتمشين جماعات في «الشانزلزيه»؟ إن فرنسا، البلد الذي يحتل صدارة الدول الأكثر جذبا للسياح في العالم، تعاني في هذا الموسم من قلة السياح العرب قياسا بالأصياف الماضية، ويظهر الغياب جليا في فنادق الدرجة الأولى المنتشرة في الدائرة الثامنة من العاصمة.
لا شك أن لشهر رمضان علاقة بالأمر، فقد جرت العادة أن يقضي الصائمون الشهر الكريم في بيوتهم وبين أهاليهم، أو بدرجة أقل، في إحدى المدن الإسلامية، مثل الدار البيضاء أو بحمدون أو الإسكندرية أو عمّان، حيث الخيام الرمضانية والمسلسلات التلفزيونية والسهرات الفنية التي تمتد حتى الفجر. لكن مؤشرات جديدة بدأت تقلق المسؤولين في وزارة الداخلية الفرنسية، تدور حول السمعة المتصاعدة لباريس كمدينة يعيث فيها اللصوص والنشالون فسادا، وتعجز عن توفير الأمن للسائحين فيها.
نشالو باريس من النوع الذي أعيى دوريات الشرطة. إنهم مجاميع متحركة ومنظمة من عصابات الغجر، تتألف من صبية وفتيات دون الـ15 من العمر، ينطلقون من معسكراتهم النقالة في الضواحي ويأخذون القطارات السريعة التي تلقي بهم في ممرات المترو ليخرجوا من فوهات محطاته في جادات «الشانزلزيه» و«جورج الخامس» و«فرانكلين روزفلت» و«سان جيرمان»، وفي ساحات «تروكاديرو» و«الأوبرا» و«الباستيل». إن هؤلاء لا يخافون شيئا ولا يتورعون عن مهاجمة أي شخص. وتتركز أهدافهم على نشل الهواتف الجوالة من فوق طاولات مقاهي الرصيف، أو انتزاع نظارات شمسية ثمينة من وجه سائحة والجري بها بعيدا. وفيما يخص الفرار، فإنه لا أحد يقدر على مجاراتهم في الركض والملاحقة.
تتعقب دوريات الشرطة لصوص باريس الصغار بثياب مدنية، وتراقبهم عبر الكاميرات المنصوبة في الشوارع، وتنصب لهم الفخاخ قرب المقاهي وماكينات السحب الآلي للنقود. لكنها تعجز عن مقاضاتهم حين يقعون في قبضتها، لأنهم يلتزمون بالصمت ولا يكشفون أسماءهم وعناوينهم. وفي النهاية يضطر المحققون لإطلاق سراحهم، لأنهم قُصّر، ولأن مراكز التوقيف والسجون تكتظ بالنزلاء، ولا مكان لقادم جديد من أصحاب الجنح والسرقات الطيارية الخفيفة حسبما ذكرت صحيفة الشرق الاوسط.
هناك العرب الميسورون الذين يتوجهون إلى شقق ومنازل على الشاطئ الجنوبي لفرنسا، في منتجعات البحر المتوسط مثل نيس وكان وسان تروبيه وسان رافاييل. لكن تزايد حوادث السطو على البيوت وانتزاع حقائب السيدات وهن جالسات في السيارات ومداهمة لصوص مسلحين لمتاجر المجوهرات، أصابت سمعة فرنسا وبدأت تفعل فعلها في صرف بعض السياح عنها. إن الزائر يأتي ليرتاح، وأول شروط الراحة أن ينام مطمئنا، وأن يحتسي قهوته تحت المظلة دون أن يضع يدا على جيبه وعينا على هاتفه أو كاميرته. ومن المستحيل أن تترك السائحة حقيبتها اليدوية على كرسي بجانبها، لأن أيدي النشالين خفيفة، وهم «يسرقون الكحل من العين».
قبل يومين، وقف وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس، تحت برج إيفل ليؤكد أن «باريس مدينة آمنة». وخاطب السياح قائلا: «تعالوا إلى هنا.. إن الدولة والحكومة وبلدية باريس تلتزم التزاما كاملا بأن تكون إقامتكم آمنة قدر المستطاع». ما حدود المستطاع؟ إنه يتوجه بكلامه إلى 27 مليون سائح يفدون إلى العاصمة كل عام، من مجموع 70 مليونا يزورون فرنسا، وبناء عليه، فقد خصصت الوزارة ميزانية معتبرة لمكافحة السرقات وحوادث إقلاق راحة الزائرين.
وأضاف الوزير أن 200 شرطي سيتفرغون كل يوم لمهمة حماية الناس في الوسط التجاري والمواقع السياحية. فقد بلغ من حراجة الوضع أن العاملين في متحف «اللوفر» أعلنوا الإضراب، لأنهم يقفون عاجزين أمام سرقات ومضايقات تجري تحت أنظارهم.
ليس العرب وحدهم، بل لوحظ انخفاض في أعداد السياح الصينيين الأثرياء. إن هؤلاء اعتادوا المجيء إلى باريس، وفي جيوبهم مبالغ نقدية كبيرة سائلة لكي يشتروا البضائع الراقية كالحقائب والنظارات والساعات اليدوية التي تحمل تواقيع كبار المصممين الفرنسيين. وتعمد شركات السفر العاملة في بكين وشنغهاي وهونغ كونغ إلى عقد ندوات للسياح وتوزيع نشرات تحذرهم من عصابات النشل، وتشرح لهم الأساليب التي يستخدمها اللصوص الصغار، وتوصيهم بالتزام أقصى درجات الحذر حين يذهبون للتسوق أو التنزه.
ويخشى هؤلاء، أيضا، من سرقة جوازات سفرهم، لأن ذلك يضعهم في مواقف حرجة، وقد يربك رحلاتهم ويعرقل عودتهم إلى بلادهم ويكلفهم مصاريف إضافية باهظة.
وعلى الرغم من كل هذه السرقات الصيفية، فإن باريس لم تتحول إلى عاصمة للإجرام، كما قد يظن بعضهم. يكفي شيء من الحذر لكي تنتهي الزيارة بسلام، ويعود السائح إلى بلده ليروي لأصدقائه وقائع رحلة العمر.