الكساح السياحي
بقلم : هيفاء الوليدي
القرى الأثرية المتهالكة في أطراف المدن أصبحت تشبه بيوت الأشباح ولم يعد ذالك مشهداً غريباً بل مألوف وحتى للأطفال ,فعند زيارتي لمدينة الطائف ينتظر أطفالي المرور بجوار قصر الملك عبدالعزيز بحي جبرا بفارغ الصبر ليطلقوا تعليقاتهم ألطفولية التي تصف المنزل بأنه منزل الأشباح و يصفون أنواع الوحوش والساحرات و"الزومبي" الذين يسكنون بداخله و أجد نفسي أنظر للمكان بنفس الطريقة أحياناً لا شعورياً ,فالقصر متهالك ,وبعض أسواره متساقطة ,وموحش جداً مثله مثل العديد من الحصون والقلاع المتناثرة على طول سلسلة جبال السروات الممتدة من الشمال إلى الجنوب,و بقايا السكة الحديدة التي أُنشئت في عهد الدولة العثمانية وبعض قلاعها .
وحتى لو نظرنا لمدائن صالح القريبة من المدينة المنورة نجد أنها مهملة كثيراً بالرغم من انها ثروة سياحية جبارة نظراً لتاريخها البعيد ولو قارنها بمدينة البتراء في الأردن لأذهلنا الفرق الشاسع بين الموقعين من ناحية الترميم والعمل السياحي المنظم والمدهش في البتراء.
عند تجولي في حي البلد بجدة القديمة أستغرب كثيراً من عدم ترميم البيوت القديمة والمبنية بالطين وعلى الطراز الحجازي الجميل والذي يحكي للمشاهد مباشرة تاريخ أجيال مضت وبنت وشيدت هناك بل أن الكثير منها أُزيل وتحول إلى بنايات حديثة وهنا أتساءل : أين هي هيئة السياحة والآثار مما يحدث؟
هذه البيوت من السهل ترميمها واستخدامها بشكل جيد يحفظ لنا تاريخ أجدادنا وثقافتهم ويستمر في تقديم ما ينتظر منه من مردود اقتصادي ,لقد تحول التاريخ لدينا من شيء حقيقي وملموس إلى أُكذوبة نصنعها في المهرجانات التراثية بصنع بيوت الطين وحشد أكير قدر ممكن من الأدوات القديمة بداخلها ونحن نحطم النموذج الحقيقي لهذه البيوت فلماذا هذا المسح التاريخي والثقافي؟؟
وهنا أورد مقارنة بسيطة لتوضيح الفكرة , عندما تزور مدن أوربية وخذ على سبيل المثال باريس أو نيس تندهش بأنهم يحتفظون بالبيوت القديمة كما بنيت مع ترميمها وتطوريها ولكنها لا تُزال قائمة ,وتبقى حية لسنوات طويلة و تحفظ للمكان قيمته التاريخية وجماله وسحره فتشعر بأنك تسكن بمتحف بلا أسوار وعند مرورك في شوارعها تمر خلال عصور من تاريخ هذه الدول فتشعر بالسحر والتدرج في الثقافة الإنسانية وكل بناية بطابعها القديم هي عبارة عن " أنتيكه " ثمينة الكل يشعر بقيمتها أما ما يحدث من عمليات المسح المغولي التي يمارسها التجار هنا على تاريخنا فلا يقبلها أي عاقل .
وعند سكني في مدينة ينبع وتجولي فيها أذهلني الجو الساحر والمميز لها واعتدال درجة حرارتها والطبيعة البحرية الأخاذة فيها ولكنها لا تختلف عن غيرها من المدن كونها غير مستغلة من الجانب السياحي ,وجال بعقلي كم هي مشروع سياحي منافس في المنطقة العربية لو أنشئت فيها المنتجعات المتكاملة وتسابقت إليها شركات السياحة خصوصاً وإنها تضم الكثير من المعالم الأثرية القيمة مثل حي السور الذي يبثك الحزن الكبير عندما تشاهده منهار ومتهالك في لوحة مشوهة لتحف معمارية تاريخية لا تقدر بثمن , وقد حظيت بعد البحث في هذا الموضوع بعدة مقالات عن هذا الحي ونداءات من المهتمين بإنقاذ هذه المعالم ولكن لم تلقى مغيث.
كما تلمس بشكل كبير المستوى الاقتصادي المتواضع جداً لسكان هذه المدينة ومن العار علينا وجود كل هذه الطاقة السياحية الجبارة بين يدينا وعدم استغلالها وتنشيطها والنهوض بالمنطقة محلياً وإقليمياً وتحسين أوضاع السكان بخلق فرص عمل لهم في مدينتهم .
لقد فزت أكثر من مرة برحلات مجانية لشرم الشيخ والغردقة ولم أذهب إليها ولكن ما أعجبني هو الطاقة الجبارة التي عملوا ويعملون من خلالها لاستثمار ثروتهم السياحية والتسويق لها بطريقة فعالة تشدك فعلاً إلى تجارتهم .
وماذا لو تحدثنا عن أبها والمنطقة الجنوبية ؟
مع الأسف توجد مقومات سياحية ممتازة هناك لكن لا نملك عقول سياحية ولا استثمار سياحي ولا تسويق سياحي بتلك المناطق ولا أعلم فعلاً ما سر هذا التجاهل لهذه الثروة الجبارة الاقتصادية السياحية!
هناك دول تعتبر السياحة هي مصدر الدخل الأول لها فهل يدرك القائمين على هذه الثروة في وطني كم هي كبيرة خسائرنا؟!
هذا الحديث عما شاهدته فقط والمملكة العربية السعودية تخفي المزيد من هذه الثروات التي لو فتحنا بابها سوف نكون حديث سياحي رائع قد ينافس عالمياً أقولها وبلا شك في ذالك ولكن متى سنبدأ العمل؟
سؤال موجه للهيئة العامة للسياحة و الأثار و كبار التجار والمستثمرين.