اكتشافات أثرية تدلّ على حضارة تاريخية في الجزيرة العربية
القطعة الأثرية الأبرز التي حظيت باهتمام بالغ من شتى أرجاء العالم كانت تمثالا حجريا كبيرا يجسد حيوان "إيكيد"، وهو أحد الحيوانات التي تنتمي إلى فصيلة (الخيليات) أظهرت مجموعة اكتشافات أثرية حديثة في شبه الجزيرة العربية دليلا يشير إلى وجود حضارة تاريخية كانت تتمركز في قلب الصحراء القاحلة الآن. وتتيح الآثار المكتشفة دليلا على وجود حضارة ازدهرت قبل آلاف السنين، فضلا عن كونها أثارت الشغف العلمي بشأن الإنسان وتطور عملية تدجين الحيوان.
واستطاع علماء الآثار الكشف عن نحو 300 قطعة أثرية حجرية في منطقة المغار في المملكة العربية السعودية، من بينها أدوات مصنوعة من الحجارة ورؤوس سهام ومكاشط صغيرة وعدد من تماثيل الحيوانات، من بينها منحوتات لخراف وماعز ونعام. لكن القطعة الأثرية الأبرز التي حظيت باهتمام بالغ من شتى أرجاء العالم كانت تمثالا حجريا كبيرا يجسد حيوان "إيكيد"، وهو أحد الحيوانات التي تنتمي إلى فصيلة (الخيليات).
وقال علي بن ابراهيم الغبان، نائب رئيس اللجنة السعودية للسياحة والآثار، إن تحليل الحمض النووي (دي ان ايه) وتحليل الكربون المشع ما زال جاريا، غير أن النتائج الأولية تشير إلى أن الآثار المكتشفة تعود إلى تسعة آلاف عام. وقال الغبان لـ بي بي سي: "هذه الاكتشافات الأثرية تعكس أهمية الموقع كمركز للحضارة".
وأضاف: "قد يمثل هذا على الأرجح مهد ميلاد حضارة متقدمة تعود إلى فترة ما قبل التاريخ شهدت تدجين الحيوانات، لا سيّما الخيول، للمرة الأولى خلال العصر الحجري". ومن أبرز هذه الكشوف الأثرية منحوتة حجرية ضخمة تجسد رأس وخطم وكتف وحارك (والحارك: المنطقة أعلى كاهل الحيوان) وهو أحد الحيوانات وثيق الشبه بالفرس.
وتعتبر القطعة الأثرية فريدة من نوعها من حيث الحجم والوزن الذي يزيد على 135 كيلوجراما. واكتشف علماء الآثار، علاوة على ذلك، المزيد من الاكتشافات الأثرية في الموقع ذاته لمنحوتات أصغر حجما وشبيهة بالفرس، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال وجود حضارة متقدمة بالفعل استخدمت أدوات لتدجين الخيول.
تحديد الزمن :
وفي الوقت الذي يؤكد فيه علماء الآثار وخبراء آخرون أن الخيول كانت من أوائل الحيوانات التي دربها الإنسان واستغلها قبل نحو ستة آلاف عام في غرب كازاخستان، فإن الخبراء يفكرون حاليا في ما إذا كان من الضروري مراجعة الموقع والتاريخ على ضوء هذه الاكتشافات الأثرية. ويمثل إثبات علاقة الإنسان بالحيوان بهذه الطريقة، من خلال الأدلة، أحد التساؤلات الكثيرة التي تواجه فريق دولي من العلماء تم تشكيله لدراسة هذه الاكتشافات. ومن المتوقع أن ترسم الخبرة الفريدة لهؤلاء العلماء، الذين ينتمون إلى تخصصات مختلفة، ملامح الحياة في المنطقة خلال عصر ما قبل التاريخ، فلربما كانت هذه الصحراء القاحلة الآن يوما ما مكسوة بالخضرة في الزمن الفائت.
وقال مايكل بيتراجليا، أستاذ علوم تطور الانسان وعصر ما قبل التاريخ في جامعة أكسفورد وأحد العاملين في بحوث الكربون المشع، إن تاريخ الموقع يعود إلى فترة تسبق بكثير ما كان متوقعا، كما يبرز فترات التأرجح بين فترات الرطوبة والجفاف في شبه الجزيرة العربية. وأضاف أن الأثر الذي تم اكتشافه للخيول يعود إلى فترة الرطوبة في شبه الجزيرة العربية.
وفسر قائلا: "إنها قطعة (أثرية) بالغة الأهمية، تتيح معلومات بشأن المنطقة التي تعد الآن قاحلة للغاية، لكنها في الماضي كانت واديا خصبا يشقه أحد الأنهار، ويؤكد ذلك وجود نباتات السافانا والأعشاب على مقربة منه".
خيول عربية :
اكتشف العلماء، من خلال تتبع أدوات حجرية أخرى مثل المكاشط التي يقدر تاريخها بأكثر من 50 ألف سنة، أن الموقع كان مألوفا لاستقرار الإنسان على مدى آلاف السنين، ويرجع ذلك إلى حد ما إلى الطبيعة الطوبوغرافية (السمات التضاريسية) أو الأرض. وقال مايكل بيتراجليا: "كانت المنطقة تقع على ضفاف النهر. وعاش الإنسان في هذه المنطقة قبل أن يداهمها التصحر أو قبل تغير المناخ الشديد الذي انتهى في ظروف جفاف قاسية، وتنامي مساحة الصحراء.