خبير آثار يرصد رمضان فى ذاكرة الحضارة الإسلامية الرؤيا والقيام والموائد والمدفع
القاهرة – المسلة – أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن شهر رمضان يمثل قيمة كبرى فى العالم الإسلامى على مدى التاريخ وارتبط بمفردات دينية تراثية محفورة فى ذاكرة العالم الإسلامى تبدأ بليلة الرؤيا، وقد تم احتفال ليلة رؤية الهلال فى عام 920 ه / 1514 م أيام السلطان الأشرف قانصوه الغورى بحضور القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية، وحضر الزيني بركات بن موسى المحتسب فلما ثبتت رؤية الهلال وانفض المجلس ركب المحتسب ومشى أمامه السقاءون بالقرب الجلدية ،وأوقدوا الشموع على الدكاكين وعلقوا المواقد والقناديل على طول الطريق إلى بيت الزيني بركات.
وفي مستهل الشهر جلس السلطان في ميدان القلعة وتقدم إليه الخليفة والقضاة الأربعة بالتهنئة، ثم استعرض كميات الدقيق والخبز والسكر والغنم والبقر المخصصة لصدقات رمضان الذى عرضها عليه المحتسب بعد استعرضها فى أنحاء القاهرة تتقدمها الموسيقى.
سر صلاة الترويح
ويضيف د. ريحان أن الشهر الكريم ارتبط بصلاه التراويح والتراويح جمع ترويحة وتطلق فى الأصل على الإستراحة كل أربع ركعات وهى صلاة أقامها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأمر الناس بها فى شهر رمضان سنه 14 ه، ومن جميل ما اعتاد عليه الوالى عنبسة بن إسحاق عام 238 ه أنه كان يخرج وحده فى ظلمات الليل وينادى فى شهر رمضان بالسحور ،وكان فى بعض القلاع الإسلامية مثل قلعة الجندى بجنوب سيناء مكان مخصص لصلات التراويح والعيدين عبارة عن مكان مكشوف، وبه محراب يحدد اتجاه القبلة.
موائد الرحمن فاطمية
ويتابع د. ريحان أن فكرة موائد الرحمن تعود إلى الولائم الذى كان يقيمها الحكام وكبار رجال الدولة والتجاروالأعيان فى أيام الفاطميين وهو ما يطلق عليها سماط الخليفة وموائد الرحمن، وكان القائمين على قصر الخليفة الفاطمى يوفرون راتبا كبيرا من السكر والدقيق لصناعة حلوى رمضان الكنافة والقطايف وغيرها ،وهناك أيضا دار الفطرة ومهمتها إعداد الكعك وما شابه لتوزيعه فى ليالى الفطر والعيد، واشتهر العصر المملوكى فى مصر بتوسعة الحكام على الفقراء والمحتاجين في شهر رمضان ،ومن مظاهر هذه التوسعة صرف رواتب إضافية لأرباب الوظائف ولحملة العلم والأيتام ،ولا سيما من السكر الذى يتضاعف كمية المستهلك منه في هذا الشهر بسبب الإكثار من عمل الحلوى.
باب الزفر
وكان هناك باب بالقصر الشرقى الكبير بشارع المعز الذى أنشأه جوهر الصقلى قائد جيوش الفاطميين بمصر عام 358 ه يطلق عليه باب الزهومة أى باب الزفر بسبب اللحوم وحوائج الطعام التى كانت تدخل إلى مطبخ القصر منه، وكان يخرج من المطبخ المذكور مدة شهر رمضان ألف ومائتا قدر من جميع الألوان فى كل يوم يفرق على أصحاب الحاجات والضعفاء، ويشغل موقع هذا الباب حاليا بشارع المعز قاعة الحنابلة بالمدرسة الصالحية التى أنشأها الصالح نجم الدين أيوب.
مدفع رمضان
ويوضح د. ريحان أن لمدفع رمضان روايات عديدة أشهرها أن والى مصر محمد علي الكبير كان قد اشترى عددا كبيرا من المدافع الحربية الحديثة فى إطار خطته لبناء جيش مصرى قوى ،وفى يوم من الأيام الرمضانية كانت تجرى الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة فانطلق صوت المدفع مدويا فى نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة فتصور الصائمون أن هذا تقليدا جديدا، واعتادوا عليه وسألوا الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان فى وقت الإفطار والسحور فوافق وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميا إلى ظاهرة رمضانية مرتبطة بالمصريين كل عام.
شجرة الدر وام على
ويشير د. ريحان إلى أن الكنافة بدأت طعاما للخلفاء إذ تشير الروايات إلى أن أول من قدم له الكنافة هو معاوية بن أبى سفيان زمن ولايته للشام كطعام للسحور لتدرأ عنه الجوع الذى كان يحس به، ولقد تغنى بها شعراء بني أمية فى قصائدهم ، وأما حكاية أم على فهى أم المنصور وهى "أم على" زوجة الأمير عز الدين أيبك أول سلاطين المماليك الذى تزوج السلطانة شجر الدر بعد موت زوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وبعد تزوج عز الدين أيبك لأم على غضبت شجر الدر وقتلتها ثم نصب ابنها علي بن عز الدين أيبك سلطانا ،وقد احتفلت أم على بالمناسبة وظلت تقدم لمدة شهر طبق من السكر واللبن والعيش للناس ومن هنا أطلق على الطبق أم على، وبهذا الحفل الدموى الانتقامى دخل هذا الطبق الشهير إلى المطبخ المصرى ومنه إلى العربى بشكل عام.