بقلم: فاروق يوسف
بابا الفاتيكان يتحدث في السياسة من موقعه رجل دين اما الولي الفقيه فإنه يتحدث في الدين من موقعه زعيما سياسيا.
الإيرانيون لن يحجوا هذا العام. ليس قطع العلاقات السعودية ــ الإيرانية هو السبب في ذلك. فالجانب السعودي قد توصل إلى آلية مناسبة لمنح التأشيرات للإيرانيين الراغبين في أداء فريضة الحج، بل لأن الجانب الإيراني يصر على أن الحج هو تظاهرة سياسية وهو ما لم تقبل به السعودية، كونها البلد المسؤول عن سلامة الحجيج وضمان أداء الشعائر الدينية بأمان.
إيران وهي البلد الوحيد في العالم الذي يُحكم من قبل نظام ديني، تفكر في السياسة أكثر من الدين. وهو امر ينسجم مع تطلعاتها إلى تصدير ما تسميه بالثورة الإسلامية وهي كناية عن رغبتها في وضع أطماعها السياسية في قالب ديني. وهو ما تعتقد أنه يكسبها في الأوساط الشيعية العربية (العالمية أيضا) مكانة الفاتيكان في الأوساط المسيحية.
الفرق بين إيران والفاتيكان أن الأخيرة دولة رمزية فيما الأولى هي دولة سعت (لا تزال) أن تكون قوة نووية. بابا الفاتيكان يتحدث في السياسة من موقعه رجل دين اما الولي الفقيه فإنه يتحدث في الدين من موقعه زعيما سياسيا.
ليست لدى الفاتيكان ثورة ليصدرها. اما ايران فهي متورطة في الفوضى الذي يشهدها العالم العربي. أما كان في إمكانها ان تستثني الحج وهو طقس عبادي من تلك الفوضى التي لم تجلب إلا الفتنة؟
لن يفكر الإيرانيون في الدين بمعزل عن السياسة. وتلك مشكلة واجهها السعوديون بحزم. ولو لم يفعلوا ذلك لكان من اليسير على الإيرانيين أن يحولوا موسم الحج إلى سيرك سياسي. وهو ما يضرب جذور العقيدة الإسلامية التي لا أعتقد أن الإيرانيين يضمرون لها الكثير من التقدير في شكلها المتوارث. هل هناك عقيدة إسلامية أخرى يقترحها الإيرانيون؟
أعتقد أن الوقت بالنسبة للإيرانيين لا يزال مبكرا للحديث عن ذلك.
غير أن كل شيء في السلوك الإيراني يشي بعدم الايمان بأصول العقيدة كما هي وأيضا بطرق التعبير عن الالتزام بتلك الاصول. فإيران السياسة هي التي توجه ايران الدين لتضعها دائما في موقع الاختلاف الملغوم بالفتنة والذي يضرب في الصميم الايمان الديني وما يفرضه من التزامات.
حج البيت الحرام هو ركن من أركان الإسلام. مثله في ذلك مثل الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة. لا يحتاج الولي الفقيه وهو الحاكم الفعلي في ايران إلى أن يذكره أحد بذلك. فلمَ يطالب النظام الإيراني في أن يُعفى مواطنوه من تلك القاعدة؟
لمَ لا يرغب النظام الإيراني في أن يخلص الإيرانيون في عبادتهم ليحجوا مثلما يصلون ويصومون ويدفعوا الزكاة لوجه الله تعالى وحده؟
لا يمكن لإيران وقد اعتبرت نفسها فاتيكانا للشيعة أن ترضى لمواطنيها أن يقوموا بدور أقل من أن يكونوا مثيري شغب، حاملي لواء الفتنة.
الموقف السعودي الرافض للسلوك الإيراني لا يعبر عن وجهة نظر سياسية. فالسعودية تعرف كيف تفرق بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي. وهي إذ تقوم بواجبها في رعاية شعيرة الحج فإنها تؤدي واجبا دينيا خالصا، لا غبار سياسي عليه. وهي محقة في اعتبار صرامتها في ذلك النهج نوعا من الحفاظ على مهابة الدين بعيدا عن غوايات السياسة وأهواء السياسيين.
اما أن تكون ايران غير معنية بالفصل بين السياسة والدين فتلك مشكلتها التي يجب أن لا تكون مشكلة للمسلمين وهم يؤدون فريضة دينية.
فالسعودية لم تضع شروطا للحج تقع خارج ما هو ممكن.
ايران هي التي تريد أن تفرض شروطا طارئة تنحرف بالحج عن مساره الطبيعي، حين تعتبر تلك الفريضة الدينية مناسبة للتظاهر السياسي. وهو تظاهر لا ينطوي على ذرة واحدة من الصدق، لما يخالطه من نفاق كثير.
لا أحد في إمكانه أن يستبعد الإيرانيين من الحج إذا ما كان قدومهم إلى الأراضي المقدسة خالصا لله.
نقلا عن : ميدل ايست أونلاين