انتشار المد السلفي يهدد السياحة التونسية
قمرة يؤكد حرص تونس على نجاح موسم الحج اليهودى
تونس "المسلة" … عززت السلطات الإجراءات الأمنية في جزيرة جربة التونسية تزامنا مع موسم الحج السنوي لليهود من كافة أرجاء العالم إلى أقدم معبد يهودي في إفريقيا.
وبالنسبة لقطاع السياحة المتضرر في البلاد، يعتبر الحدث الذي انطلق الجمعة 26 أبريل اختبارا لمدى شعور أعضاء الأقلية الدينية بالأمان وسط تنامي المد السلفي.
ومن المتوقع حضور نحو 450 حاج أجنبي ويهودي تونسي للحج الذي يتواصل حتى الأحد.
في تصريحه مطلع الأسبوع الجاري، قال منظم الحج بيريز الطرابلسي "الاستعدادات تسير حقا بشكل جيد والأجواء مرحة، نتوقع الكثير من الزوار هذه السنة".
يذكر أن الحج إلى كنيس الغريبة توقف خلال الثورة التونسية ليُستأنف السنة الماضية وسط أمن مشدد. وحضر خلال حدث 2012 نحو 1500 حاج بالمقارنة مع 8000 قبل عقد من الزمن.
وفي تصريح لفرانس بريس، قال الطرابلسي "السنة المقبلة سيكون هناك 2000 ثم 3000. كل سنة يرتفع العدد"، معربا عن ثقته في أن الحكومة بقيادة حزب إسلامي ستوفر الحماية للحجاج اليهود.
ومع سرور المنظمين بالترتيبات الأمنية في جربة، أثارت مجموعات أخرى مخاوف حول تصاعد التعابير المعادية للسامية، متهمة السلطات بعدم أخذ المشكلة بجدية.
ففي أواخر السنة الماضية، اتهمت الجمعية التونسية لمساندة الأقليات القضاء بعدم فتح قضايا حول التحريض على الكراهية الذي يعتبر جريمة يعاقب عليها بالسجن ثلاث سنوات.
وأشارت المجموعة إلى قضية إمام مسجد رادس الذي ألقى خطبة على تلفزيون حنبعل في نوفمبر دعا فيها إلى القضاء على اليهود.
وقال الإمام على الهواء "اضربوهم حتى لا يبقى أحد منهم".
مثل هذه الحوادث والتصاعد الأخير في العنف السلفي جعلت الحكومة أكثر حزما من أي وقت مضى لإنجاح الحج من أجل انعاش القطاع السياحي. كما أن الأمن على أهبة الاستعداد لمنع أية هجمات تستهدف الزوار اليهود إلى أقدم كنيس في إفريقيا .
وفي سياق جهود إحياء القطاع السياحي، أجرى وزير السياحة الجديد زيارة لجزيرة جربة مطلع هذا الشهر للوقوف على الاستعدادات لاستقبال الحجاج اليهود.
وأكّد وزير السياحة جمال قمرة حرص الحكومة التونسية على إنجاح موسم حج اليهود من خلال الاستعدادات الأمنية المكثفة مشيرا إلى أن هذه المناسبة تعبّر عن طبيعة التونسيين المنفتحة على العالم وكل الأديان.
وتعول تونس على هذه المناسبة الدينية لتسويق صورة جيدة للبلاد وتشجيع السياح الأجانب لتغيير نظرتهم للبلاد.
غير أن هذا سيكون معركة صعبة حسب محمد علي بوقبة من إحدى وكالات الأسفار.
فعدد الزوار الأجانب عرف تراجعا حادا بعد الهجوم الإرهابي سنة 2002 على جربة لمّا قاد انتحاري من القاعدة شاحنة بنزين داخل كنيس الغريبة وقتل 16 سائحا أوروبيا وخمسة تونسيين. وتلقى قطاع السياحة الذي يحاول الوثوب من جديد ضربة أخرى بعد الثورة.
وما زاد الوضع تأزما، خروج المتطرفين الدينيين من الظل.
وقال بوقبة "للأسف الأمر تغير الآن، مع ازدياد التشدد وتكرر التدخلات العنيفة للسلفيين".
وفي نوفمبر الماضي، أحبط الأمن التونسي مخططا إرهابيا لخطف شباب تونسي من عائلات يهودية ثرية والمطالبة بفديات مقابل إطلاق سراحهم.
وفي مارس، استقطبت مسيرة أخرى مناصرة للشريعة في العاصمة التونسية أنظار العالم لمّا دعا شيخ سلفي آخر إلى قتل اليهود. وشجبت السلطات بشدة تصريحات السلفية لكن الشريط الذي يدعو إلى قتل اليهود انتشر بكثرة.
فخلال السنة الجارية، تعرضت قبور يهودية للتدنيس في الكاف وسوسة.
في هذا الصدد، يضيف وكيل الأسفار "السائح اصبح خائفا ويفكر كثيرا قبل المجيء، فمثل هذه الأفعال تؤذي قطاع السياحة". ..لكن الرهانات الاقتصادية كبيرة.
لهذا تحاول الحكومة بقيادة النهضة إظهار التزامها نحو الجالية اليهودية في البلاد.
وفي أبريل 2012، حضر الرئيس محمد منصف المرزوقي مراسم إحياء ذكرى مرور عشر سنوات على التفجير الانتحاري للقاعدة. من جهتهم، وفور فوزهم في الانتخابات، بادر مسؤولون من حركة النهضة بطمأنة الزعماء اليهود بأن صعود الحزب الإسلامي لن يهدد مصالحهم.
ورغم جهود الحكومة الإسلامية لحماية الأقليات الدينية في تونس، إلا أن تنامي التطرف قد يثني الزوار.
والأمر لا يقتصر على الحجيج والسكان اليهود. فتونس تضم عددا صغيرا من المسيحيين كذلك. ومقابرهم تعرضت هي الأخرى للتدنيس.
وبالنسبة لهذه الأقليات السكانية، هناك ما يدعو للقلق.
ليلى لوتشي مواطنة يهودية قالت "صراحة الوضع كان أفضل في السابق".
وتقول "هناك تعايش سلمي بين كل التونسيين على اختلاف توجهاتهم الدينية أما اليوم و بوجود السلفيين، وهنا أتحدث عن المتشددين، أصبحنا خائفين لكننا متمسكون بالبقاء".
يمينة ثابت رئيسة الجمعية التونسية لمساندة الأقليات تؤكد أن الأقليات العرقية والدينية في البلاد تواجه تهديدات حقيقية.
وفي معرض حديثها عن تدنيس المواقع الدينية في العاصمة تونس، قالت ثابت إن عدم وضع الحكومة حدّا لهذه الاعتداءات على الجالية اليهودية جعل السلفيين أكثر جرأة.
وقالت ثابت في مؤتمر صحفي بتونس أبريل من السنة الماضية "هذه لا تبدو مثل البلاد التي عرفتها دائما، البلاد التي وُلدت وترعرعت فيها، موطن أسلافي".
وبدا بيريز الطرابلسي أكثر تفاؤلا حول قدرة الحكومة على حماية الأقليات.
وقال زعيم الجالية اليهودية في جربة "رغم بعض التهديدات التي تصل بين الفينة والأخرى من بعض المتشددين الدينيين إلا أننا لسنا خائفين".
ومضى يقول "نحن محاطون بحماية حكومية وبإحاطة من التونسيين المسلمين الذين يحترموننا وهذا ما يعزز ثقتنا في الوجود هنا، فهذه بلادنا ولن نخرج منها".
ومع استعداد تونس للكشف عن الدستور الجديد للبلاد، تُعتبر حماية الأقليات الدينية مسألة رئيسية بالنسبة للمشرعين. في هذا السياق ناقش المجلس الوطني التأسيسي في جلسة عقدت يوم 21 مارس حماية حقوق الأقليات.
فريدة العبيدي رئيسة لجنة الحقوق والحريات بالمجلس التأسيسي أكدت أن مشروع الدستور يحمي الحق في المساواة دون تمييز ويضمن التنوع الثقافي ويتكفل بحرية المعتقد.
لكن المواطنين التونسيين يرون أنه قبل نمو الفكر السلفي المتطرف، لم تكن الاختلافات الدينية مصدر قلق.
فؤاد بالريش من مدينة جربة قال لمغاربية "الدين لا يجب أن يفرق بين التونسيين بل يجب أن يوحدهم"، مشيرا أن اليهود التونسيين بمثابة إخوة.
وقال بالريش "على السلطات التونسية أن تقوم بحماية المكان حتى لا يتم استغلاله من قبل المتطرفين لنشر الكراهية والحقد ضد إخواننا اليهود".
سليم فتحلي طالب في أصول الدين أشار إلى أن الإسلام يحترم كل الأديان الأخرى. وقال إن الغلو والتطرف وعدم احترام مقدسات الآخر محرم.
وقال فتحلي إن الاعتداءات التي ارتكبتها المجموعات المتشددة وطالت مقدسات المسلمين وغير المسلمين هي نتاج عدم الفهم الصحيح لمعاني الدين الإسلامي.
ليليا عثماني قالت "يهود تونس هم تونسيون ولهم كل الحقوق والحرية في ممارسة شعائرهم الدينية وسندافع عليهم من هجمات السلفيين المتشددين لأنهم جزء منا".
وأضافت "إنهم لم يقبلوا التخلي عن تونس رغم كل الإغراءات التي تلقوها وبالتالي فمن واجبنا الدفاع عنهم".