بعد الربيع العربي .. تراجع السياحة الوافدة إلى الدول العربية
بقلم : محمد محمود عثمان
لا شك أن الربيع العربي الذي اجتاح بعض البلدان العربية كان له تأثيره الواضح على الأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربية، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي كلفت العالم أكثر من 10 تريليونات دولار خسائر كان نصيب الدول العربية منها 2.5 تريليون، وهو معدل كبير يعكس حجم الاختلالات في الاقتصاد، وحجم التسيب في الأداء المالي، ولولا الفوائض النفطية في بعض الدول العربية لحدثت كوارث مالية ضخمة، ولقد كان القطاع السياحي العربي من أكبر المتأثرين سلبا من الأزمة العالمية، ومن التقلبات المناخية وظهور أوبئة جديدة لم تكن معروفة على وجه العموم، ومن ثورات الربيع العربي خاصة، مما أدى إلى إشهار بعض الشركات السياحية إفلاسها.
تحديات كثيرة تواجه منظومة السياحة في المنطقة العربية وتهدد فرص انتعاشها خلال المرحلة القادمة، الأمر الذي وضع القطاع السياحي العربي أمام تحديات كثيرة ومتنوعة، نتج عنها تراجع حجم السياحة الوافدة إلى الدول العربية بنسب متفاوتة، خاصة أن السياحة تشكل أحد المحركات الرئيسية لقاطرة التنمية الاقتصادية الآن، ومع ذلك لا توجد إستراتيجية متكاملة وموحدة بين المؤسسات والهيئات السياحية بالمنطقة العربية، لتطوير وتنمية هذا القطاع الذي يمكن أن يسهم فعليا في الحد من مشكلتي البطالة والفقر، خاصة بين الشباب.
لمواجهة التحديات والمنافسات العالمية والإقليمية، ولاسيَّما أن قطاع السياحة البينية بين البلدان العربية يعاني أزمة حقيقية دفعت إلى تراجع معدلات السائحين الوافدين التي تبلغ وفقا للمؤشرات الإحصائية لمنظمة السياحة العالمية نسبة 42% مع وجود توقعات بانخفاضها لتصل إلى نسبة 37 % بحلول عام 2020، نظرا إلى حالة الانفلات الأمني والسياسي غير المسبوق الذي تشهده بعض دول المنطقة، لأن هذه الأحداث أثرت سلبا على عدد من الأسواق المصدرة للسياحة وفي مقدمتها السوق الأمريكية وأسواق أخرى في أوروبا سوف تتأثر لسنوات قادمة، حتى تعود الثقة والهدوء للمنطقة من جديد، خاصة في ظل انعدام التنسيق لجذب وتدفق الاستثمارات العربية المشتركة لإنشاء مشروعات سياحية، وتذليل العقبات التي تعرقل تسهيل استصدار التأشيرات وانسياب الحركة السياحية، نظرا لصعوبة الإجراءات في الموانئ والمطارات، وسوء المعاملة التي يلاقيها السائح العربي، والدعاية السيئة من قبل وسائل الإعلام المختلفة، وارتفاع أسعار الخدمات.
بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التلوث البيئي، والحاجة إلى تغيير الصورة الذهنية التي تنقل مباشرة عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة إلى الخارج، بعد تشوه المشهد السياحي كثيرا في عيون الغرب، وكذلك افتقاد الترويج الجيد لمناطق الجذب السياحية في المنطقة وعدم الاهتمام برفع كفاءة المشتغلين بهذا القطاع للتغلب على المشاكل الإدارية والروتينية التي قد تحول دون تحقيق التنمية السياحية المرجوة والاستفادة من منهجيات العمل الأوروبية التي نجحت في تحقيق معدلات مرتفعة في السياحة البينية، بلغت نسبتها 82%.
ولاشك أن الأزمة مركبة، حيث يوجد العديد من الأسباب التي أدت إلى عزوف وتراجع السياحة الوافدة، خاصة السائح الأجنبي والأوروبي، عن زيارة المنطقة، أهمها تراجع القوة الشرائية للأوروبيين التي تأثرت بالأزمة المالية وخطط التقشف التي تتبعها معظم الدول الأوروبية لمعالجة الاختلال في الموازنات العامة، وهذا يفرض على الدول العربية بذل الجهد الفعال بالقدر الذي يحقق عودة تدفق السياحة العربية والدولية في أسرع وقت ممكن، بطرح الفعاليات والأنشطة والبرامج التحفيزية واللقاءات مع صانعي ومتخذي القرار في شركات السياحة الدولية والعربية، وإعداد جدول زمني لتنفيذ خطة للإنعاش.
وتنظيم جولة ترويجية للدعاية السياحية وقيام الفنادق بتقديم عدد من الحوافز لجذب المزيد من السائحين، ووقف التراجع للوصول إلى زيادة في الأعداد القادمة وفتح أسواق جديدة في مختلف دول العالم، وإضافة مقاصد سياحية تلبي رغبات السائحين الوافدين، ولن يتحقق ذلك بغير وجود خطط جادة للتدريب والتأهيل للكوادر الإدارية والفنية للتعامل مع الأزمات التي تواجه هذا القطاع، وتأمين الاستثمار ضد المخاطر والاستفادة من إمكانات وتكنولوجيا التسويق الإلكتروني، وتبني الإعلام بمختلف وسائله في التخفيف من آثار أزمة السياحة، التي استفادت منها بعض الدول التي تحولت وجهات السياح من دول الربيع العربي إليها، مثل تركيا والإمارات، وبعض الدول في جنوب شرق آسيا.