تحف نادرة وتجديدات بمتحف الفن الإسلامى
إعداد: د. هند بداري
أنهت وزارة الثقافة المصرية أعمال الترميم والتطوير بمتحف الفن الإسلامي، وجددت أساليب العرض المتحفي طبقا لأحدث النظم العالمية بتكلفة قدرت بـ85 مليون جنيه ،يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة نادرة من الخشب والجص والمعادن والخزف والزجاج والبلور والمنسوجات من دول إسلامية، لن يتم عرضها كلها لإعطاء القطع الفنية فرصة ومساحة أكبر ليراها الزائر بشكل مناسب.
تاريخ المتحف
صدرت مجموعة من القوانين لحماية الآثار واعتبارها تراثا إنسانيا مهما في سياق الاهتمام بالآثار المصرية التي شهدها عصر "محمد علي باشا"، مما دفع أمراء وحكام أسرته للتفكير في إنشاء متاحف كبرى متخصصة ترقى إلى مستوى متاحف أوربا وأمريكا.
وكان "المتحف المصري" من أوائل هذه المتاحف التي أنشئت في القاهرة، حيث افتتح عام 1901، تلاه مبنى متحف الفن الإسلامي ليمثل ثاني مبنى شيد بالخرسانة المسلحة.
وترجع فكرة إنشاء مبنى يحفظ التحف الإسلامية – حسب موسوعة ويكيبيديا – إلى سنة 1869، حيث جمعت في الإيوان الشرقي من جامع الحاكم بأمر الله.
ثم صدر مرسوم سنة 1881 بتشكيل لجنة حفظ الآثار العربية، وعندما كثرت التحف وضاقت مساحة الإيوان عن استيعابها نقلت إلى مكان آخر في صحن هذا الجامع حتى بني المتحف الحالي بشارع بورسعيد (الخليج المصري سابقا)، وكان جانبه الشرقي يعرف بدار الآثار العربية بينما يشتهر جانبه الغربي بدار الكتب السلطانية.
وتم افتتاح المتحف – لأول مرة – في 9 شوال 1320هـ الموافق 28 ديسمبر/ كانون الأول 1903 في ميدان "باب الخلق" بجوار أهم طرز العمارة الإسلامية الشاهدة على ما بلغته الحضارة الإسلامية من ازدهار كجامع ابن طولون، ومسجد محمد علي بالقلعة.
وكان المتحف يسمى بدار الآثار العربية حتى عام 1952 الذي شهد تغيير اسمه إلى "متحف الفن الإسلامي"، نظرا لما يعطيه الاسم الجديد من عمومية أكثر باعتباره يحتوي على تحف وقطع فنية بديعة صنعت في دول إسلامية عربية وغير عربية.
وترتبط أهمية هذا المتحف بكونه أكبر معهد تعليمي في العالم بمجال الآثار الإسلامية وبالفن الإسلامي، فهو يتميز بتنوع مقتنياته سواء من حيث أنواع الفنون، أو بلد المنشأ كإيران وتركيا والأندلس (إسبانيا) وغيرها.
وحظي المتحف بمكانة عالية بين متاحف العالم كالمتحف البريطاني وفكتوريا وألربت بلندن، ومتحف اللوفر بباريس، لاحتوائه على مجموعة فنية مميزة من أشكال الفن والآثار الإسلامية.
مقتنيات ثمينة
يضم المتحف مقتنيات ثمينة منها، مصحف نادر ينتمي إلى العصر المملوكي، ومخطوط للقرآن الكريم مكتوب على رق غزال من العصر الأموي. ومن المخطوطات النادرة أيضا كتاب "فوائد الأعشاب" للغافقي.
وقرر المجلس الأعلى للآثار المصري في فبراير/ شباط 2008 مصادرة مخطوطتين نادرتين تم ضبطهما لدى راكب سوري عند وصوله القاهرة لصالح المتحف الإسلامى بمصر، كما يوجد به أقدم شاهد قبر مؤرخ بعام 31هـ.
وحصل مسئولو المتحف على عدد كبير من محتوياته عن طريق الهبات التي تبرع بها أبناء الأسرة العلوية مثل الملك فؤاد الذي قدم مجموعة ثمينة من المنسوجات والأختام، وكل من الأمير محمد علي، والأمير يوسف كمال، والأمير كمال الدين حسين، ويعقوب آرتين باشا، وعلى إبراهيم باشا الذين زودوا المتحف بمجموعات كاملة من السجاد الإيراني والتركي والخزف والزجاج العثماني.
كما يضم المتحف مجموعة نادرة من أدوات الفلك والهندسة والكيمياء والأدوات الجراحية والحجامة التي استعملت في العصور الإسلامية المزدهرة، بالإضافة إلى أساليب قياس المسافات كالذراع والقصبة، وأدوات حساب الزمن مثل الساعات الرملية، ومشكاوات نادرة مصنوعة من الزجاج المموه بالمينا، ونماذج الخزف المصري والفخار من حفائر الفسطاط التي كشفت عن آثار من العصر الطولوني وأخرى من أيام الفاطميين مثل الخزف ذو البريق المعدني الفاطمي.
ويحتفظ متحف الفن الإسلامي بمجموعات متميزة من الخشب الأموي المزخرف بطرق التطعيم والتلوين والزخرفة بأشرطة من الجلد والحفر، منها "أفاريز خشبية" من جامع عمرو بن العاص تعود إلى عام 212هـ.
وبه أيضا أنواع قيمة من الخشب أنتجت في العصر العباسي بمصر، وفي العصر الطولوني الذي يتميز بزخارفه المعروفة بـ"طراز سامراء" – الذي انتشر وتطور في العراق – حيث يستخدم الحفر المائل أو المشطوف لرسم العناصر الزخرفية على الخشب أو الجص وغيرها.
ويعد مفتاح الكعبة المشرفة من أندر وأثمن المعادن في المتحف وهو من النحاس المطلي بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان، بالإضافة إلى دينار من الذهب مؤرخ بعام 77 هـ وترجع أهميته إلى كونه أقدم دينار إسلامي تم العثور عليه حتى الآن، فضلا عن مجموعة متميزة من المكاحل والأختام والأوزان تمثل بداية العصر الإسلامي الأموي والعباسي، ونياشين وأنواط وقلائد من العصر العثماني وأسرة محمد علي.
ومن أندر ما يضمه المتحف من التحف المعدنية "إبريق مروان بن محمد" آخر الخلفاء الأمويين المصنوع من البرونز، ويمثل هذا الإبريق آخر تطورات فن صناعة الزخارف المعدنية في بداية العصر الإسلامي، ويبلغ ارتفاعه 41 سم وقطره 28 سم.
كما يضم المتحف طرز قيمة من السجاجيد التركية والإيرانية من الصوف والحرير ترجع إلى الدولة السلجوقية والمغولية والصفوية والهندية المغولية في القرون الوسطى الميلادية، بعضها من صنع أصفهان وتبريز بإيران.
ويعرض متحف الفن الإسلامي بالقاهرة تحفا ترجع إلى الفترة من أوائل القرن الـ7 الميلادي حتى أواخر القرن الـ19، وقد أنتجت هذه التحف في دول إسلامية مثل إيران وتركيا والهند وإسبانيا وصقلية.
ومنها تحف نادرة عثر عليها فى عمليات التنقيب عن الآثار، أو تحف نفيسة أضيفت عن طريق الشراء أو الإهداء من هواة جمع التحف الأثرية.
ومن أمثلة التحف القيمة، "مشكاة كروية الشكل" ذات رقبة طويلة نسبيا ترتكز على قاعدة مرتفعة وعلى بدنها 6 مقابض مضافة خالية من الزخارف.
وتتألف الزخارف التي تغطي السطح الخارجي (من الحافة إلى قاعدة المصباح) من أزهار سداسية البتلات وأزهار اللوتس على الطراز الصيني، محفورة على أرضية بالمينا الزرقاء وتظهر بالزخارف بقايا من التذهيب.
أما الأرضية، مغطاة بزخارف كثيفة من وريقات نباتية وأزهار صغيرة. وتوجد أشرطة ضيقة تسد الفوهة وأسفل الرقبة، خاليه من الزخرفة.
وتزين كل من الرقبة والجزء السفلي من المصباح 3 دوائر بكل منها كتابة على شريط عرضي. يبلغ قطر المصباح ٢٨ سم ويبلغ ارتفاعه ٤١ سم.
كما توجد زهرية مزخرفة برسومات تحت الطلاء الزجاجي، على عنقها الطويل وجسمها البيضاوي باللونين الأزرق والأبيض. ويربط مقبضان بين الرقبة وبقية الجسم، بحيث تظهر المساحة بين هذين الجزئين مزدانة بزخارف متعرجة.
وينقسم الجزء السفلي من الجسم إلى مقطعين، بواسطة زوجين من الخطوط بين كل زوج منهما دائرة مزججة باللون الأزرق.
و تحمل حافة الزهرية من الداخل توقيع بالأزرق لصانعها "أبو العز"، بالإضافة إلى أشكال متعرجة وأحزمة سحب صينية. ويبلغ قطر هذه التحفة النادرة ١٤ سم أما الارتفاع فيقدر بـ95 سم.
وهناك قطعة من نسيج الكتان المطبوعة بالألوان الأبيض والبني والرمادي، والمزخرفة بشريط من الكتابات النسخية على أرضية نباتية بحيث ينتهى كل فرع منها برؤوس حيوانية مثل الأسد وشكل للأرنب البري وبعض الطيور على أرضية باللون البني. ويبلغ عرضها ٢١.٥ سم وطولها ١٩ سم.
إلى جانب إناء من الفخار مغطى ببطانة بيضاء أسفل الطلاء الزجاجي الشفاف، وهو عبارة عن وعاء منتفخ مزخرف من الحافة العليا بشريط من الزخارف الهندسية التي تشبه الصنجات المعشقة على هيئة قوس، يليها شريط زخرفي آخر من الكتابات النسخية.
بالإضافة إلى شريط آخر من الزخارف المشابهة للضفائر وكانت هذه الأواني من أهم المستلزمات المستعملة بالبيوت بالعصور الوسطى.
أكبر عملية تطوير
طبقاً لقانون الآثار رقم 117 لسنة 1983، يعتبر مبنى المتحف الإسلامي بالقاهرة من المباني الأثرية ذات القيمة الفنية والتاريخية، إذ يقضي القانون بتحويل المباني التاريخية التي يمر على إنشائها 100 عام إلى مبان أثرية.
ويشهد هذا المتحف منذ سنوات أكبر عملية تطوير وترميم مع إعادة عرض القطع الأثرية وفقا لسيناريو عرض عالمي شاركت في تخطيطه مؤسسة أغاخان، حيث بدأت أعمال الترميم في عام 2001 واستمرت حتى أواخر 2009.
كما تمت عمليات الترميم بمساعدة خبراء من فرنسا متخصصين بترميم قطع الفسيفساء والنافورات الرخامية، حيث تم ترميم النافورة الأثرية المملوكية الموجودة ضمن مقتنيات المتحف الإسلامي والتي تم نقلها إلى معمل الترميم في القلعة، وذلك على يد فريق من المرممين الإسبان والمصريين.
وشملت أعمال الترميم أرضيات المتحف وحوائطه وتم استحداث ما يسمى "بالأدوار المسروقة" للاستفادة من ارتفاع الأسقف واستخدامها كمخازن للقطع الفنية، كما تضمنت أعمال التطوير إنشاء مدرسة متحفية للأطفال وأخرى للكبار لتنظيم دورات تدريبية تنشر الثقافة المتحفية.
وتم تخصيص قاعات نوعية لكل فن من الفنون الإسلامية، تعرض القطع الأثرية حسب التسلسل التاريخي مع تطوير قسم الترميم والمكتبة، وتزويد المتحف بشبكة جديدة للإنذار والإطفاء واستخدام التقنيات الحديثة في إدارته.
إلى جانب إنشاء مبنى إداري بجوار المتحف على قطعة أرض تبلغ مساحتها 270 مترا، يشغل الطابق الأول من المبنى الذي يقع في ميدان "باب الخلق"، بينما تشغل "دار الكتب " الطابق الثاني من المتحف، وقد شيد المبنى على طراز العمارة المملوكي الشهير بالطراز المصري الإسلامي.
وينتهي مبنى التحف من أعلى بمجموعة من الشرفات التي تزين سطحه، وتزدان معظم واجهاته بمجموعة من الأعمدة وفقا لطراز واجهات العمارة الإسلامية، وهناك واجهات مزدانة بتيجان من "ورق الأكانتس"، ومجموعة من الزخارف الجصية.
وصف المتحف
يوجد مدخلان للمتحف، أحدهما بالناحية الشمالية الشرقية، والآخر (المستخدم الآن) بالجهة الجنوبية الشرقية. ويتكون المتحف من طابقين، الأول به قاعات العرض المختلفة والثاني به المخازن وقسم لترميم الآثار.
أقسام المتحف
يقسم المتحف الإسلامي تبعا للعصور التاريخية بين (الأموي والعباسي والأيوبي والمملوكي والعثماني،…).
كما يضم المتحف 10 أقسام تشمل عناصر الفنون الإسلامية من العصر الإسلامي المبكر إلى أسرة محمد علي، وهي المعادن والعملات والأخشاب والنسيج والسجاد والزجاج والزخرف والحلي والسلاح والأحجار والرخام.
ومن أبرز محتويات بعض هذه الأقسام:
1. قسم الخزف والفخار
يضم أنواع الخزف والفخار منذ العصر الأموي، ونتائج حفائر الفسطاط، وما اشتهر به العصران الفاطمي والمملوكي في مصر من الخزف ذي البريق المعدني، والخزف والفخار العثماني، وخزف إيران طراز سلطان آباد والبورسلين الصيني.
2. الأخشاب
ويضم أنواع التحف الخشبية الأموية، وطراز سامراء العباسي في حفائر العصر الطولوني في مصر، والمنابر الأثرية من العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي، والأحجبة الخشبية، وكراسي المقرئين بالمساجد والجوامع الأثرية، والصناديق الخشبية الخاصة بالسلاطين والأمراء المسلمين، وكلها منفذة بطرق الحشوات المجمعة والتجليد والتذهيب والحفر والتجسيم.
3. المعادن
وتتصدر الشمعدانات المملوكية قائمة المعادن الإسلامية النفيسة بالمتحف، علاوة على "اسطرلاب" وهو من أدوات الفلك الشبيهة بالمنظار، و"الطسوت" وهو من أواني الغسيل القديمة، والثريات الكريستال، والكراسي المنسوبة إلى السلاطين والأمراء، وكلها محلاة بالذهب والفضة ومزينة بالكتابات والزخارف الإسلامية.
4. الزجاج
يحتوي المتحف على نماذج من الزجاج الإسلامي الذي انتشر في مصر والشام خاصة في العصرين المملوكي والأيوبي، ومنها كؤوس ومشكاوات مموهة بالمينا.
5.النسيج
ومن أشهرأنواع النسيج بالمتحف، نسيج الفيوم، والطراز الطولوني من العصرين الأموي والعباسي، ونسيج الحرير والديباج، ونسيج الإضافة من العصر المملوكي.
و يتم تقسيم العرض داخل المتحف حسب المخططات الجديدة إلى قسمين، الأول يمثل نماذج الفن الإسلامي في مصر، والثاني للتحف التي تمثل تاريخ الفن الإسلامي في الأناضول وإسبانيا (الأندلس).
وأضيفت قاعات لبيع الهدايا التذكارية، وقاعة لكبار الزوار مصممة وفق طراز إسلامي.
يذكر أن العمارة الإسلامية تشمل الخصائص البنائية التي طبقها المهندسون المسلمون لتكوين هوية معمارية متميزة. ونشأت هذه العمارة بفضل الإسلام في المناطق التي وصلها كشبه الجزيرة العربية والشام والمغرب العربي وتركيا ومصر وإيران وغيرها بالإضافة إلى المناطق التي حكمها لمدد طويلة مثل الأندلس (إسبانيا حاليا) والهند. وتختلف من منطقة لأخرى تبعا للطقس وللإرث المعماري والحضاري السابق في المنطقة.
و بدأ الفن الإسلامي في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي)، وبلغ أوج عظمته في القرنين (7، و8 هـ الموافقين 13، و14م)، وارتكز هذا الفن في نشأته على كل من الفن البيزنطي، والفن الساساني، لكنه تميز عن سائرالفنون بكونه فنا زخرفيا، اعتمد على مجموعة من الزخارف الأساسية كالزخارف الكتابية والهندسية والنباتية ورسوم الكائنات الحية.