رسالة من شهيد
بقلم : د. عبدالرحيم ريحان
عشت عامين باليونان أدرس العمارة والفنون البيزنطية بجامعة أثينا ورصدت عيوب ومميزات هذا البلد وجاءنى موضوع تعبير فى امتحان اللغة اليونانية أن أكتب عن عيوب ومميزات اليونان فصببت جام غضبى فى ورقة الإجابة عن عيب يؤرقنى أسبوعياً على الأقل ولم أهتم بأن هذا ربما يؤدى لرسوبى فى امتحان اللغة اليونانية وهذا العيب هو كثرة التظاهرات باليونان والتى كانت تصيب الحياة هناك بالشلل التام وتجبرنى شخصياً على السير 15كم للذهاب للجامعة نتيجة توقف الأتوبيس وكل وسائل المواصلات عند حدوث تظاهرات وسط العاصمة.
وكانت شبه أسبوعية وكتبت فى ورقة الإجابة أن هذه التظاهرات ستؤدى لإفلاس اليونان فى يوم ما وهذا ما حدث بعد عودتى لبلدى المحبوب بعدة سنوات وعندما ناقشنى أستاذى اليونانى فى الاختبار الشفوى عن سبب انتقادى لليونان بشدة أقنعته بأنهم يستخدمون حقهم فى التعبير بشكل مسرف دون مراعاة لحقوق الآخرين فى العمل والإنتاج وعدم تعطل مصالحهم هذا رغم أن تظاهراتهم سلمية صرف وكأنهم يتنزهون واقتنع الممتحن بذلك ونجحت فى هذا الامتحان صعب الاجتياز حتى على الأوروبيين أنفسهم.
وتذكرت كل هذا مع نشوء طائفة بمصر أطلق عليهم "تجار الدم" يلعبون بعواطف الشباب القليل الخبرة فى الحياة ويشعلون النار بالنار ويبنون أمجادهم على أشلاء الشهداء ولا يعبئون بالدم المصرى وهو أغلى من أى شئ يدعون للتظاهر وهم يعلمون أن هناك مندسين وأن هناك دماءاً جديدة ستسيل تحت دعوى التظاهر السلمى حق وأنا معهم هو حق ولكن أليس أمن المواطن حق ورزقه المعطّل حق؟ والقاطنين بمناطق التظاهر أليس من حقهم استنشاق هواءاً نقياً؟ أليس من حق أطفالهم أن لا تحرق مدارسهم وتقتل أحلامهم؟ أليس من حق رجل الشرطة أن يتفرغ لحفظ أمن المواطن بدلاً من حماية أمن منشئته؟ أليس من حق الجيش أن يتفرغ لمهمته الأسمى وهى الدفاع عن الوطن؟ إذاً فنحن أمام حق تهدر به عدة حقوق أليست طاولة المفاوضات هى الوسيلة الوحيدة لوقف نزيف الدم ونحن نحمل بين ضلوعنا حقوق الشهداء وأسرهم ولن تسقط حقوقهم أبداً فالقاتل سيقتل ولو بعد حين.
ولكن هل من المنطقى أن تسفك مزيد من الدماء من أجل الدماء؟ هل من المنطقى رفض التفاوض اليوم وعدد الشهداء مائة أو يزيد ونقبل المفاوضات بعد شهور وعدد الشهداء ألف أوبعد عام وعدد الشهداء آلاف أوبعد أعوام وعدد الشهداء مليون لو دخلنا فى حرب أهلية؟ أتمنى من الله عز وجل أن يحمى مصرنا وأهلنا من كل شر أم هى شهوة الانتقام؟ أم هى تجارة رخيصة بآلام الآخرين وهى تجارة الدم سلعتها غالية وتجارها لن يرحمهم التاريخ ولن ترحمهم الشعوب؟ من يبنى مجده على أشلاء الآخرين وعلى دماء الشهداء لن يرى يوماً سعيداً ستطارده هذه الدماء أينما ذهب ولن يستقر له كرسى أبداً وسيشرب مما أذاقه للآخرين.
وأسوق قصة نبى الله سليمان والطفل كمثال لكل من يريدون تمزيق أوصال هذا الوطن فذات يوم وفى عهد نبى الله سليمان عليه السلام جاءت أمرأتان متخاصمتان على ولد كل واحدة تدعى أنه إبنها فحكت كل واحدة بأنها أم للولد ففكر سيدنا سليمان بطريقة تجعل أم الولد تتضح أمام الجميع فأخذ الولد بين يديه وقال للمرأتان : كلاكما يريد الولد أليس كذلك؟ فقالتا نعم فقال حسناً أحضر لى أيها الحاجب سكيناً حتى أقسمه نصفين فتأخذ كل واحدة منكن نصفاً فأحضر الحاجب سكيناً وعندرفع السكين صرخت الأم الحقيقية للولد قائلة لا الولد ولدها هى وذلك حتى لا يقتل الطفل فعندها تبسم سيدنا سليمان وقال لها تعالى وخذى ولدك فأنت أمه الحقيقية أما المرأة الأخرى فهى كاذبة ومدعية لأن الأم التى ترضى أن يقتل ولدها بعلمها وبين عينيها مستحيل أن تكون أمه.
وهكذا يقتل شباب مصر بأيدى تجار الدم فهل هم بحق جديرون بأن يحملوا الجنسية المصرية قائلين " مصر هيا أمى" ومن هذا المنطلق أدعوا الجميع لطاولة المفاوضات من أجل حقن الدماء أولاً وهو أهم وأشرف المطالب وكل شئ بعد ذلك هين لأنه لا يوجد أغلى من دماء المصريين فهى أغلى من السلطة وشهوتها وأغلى من أى مبادئ مهما كانت هذه رسالة تخيلتها من شهيد قال لى " أرجوكم أحقنوا الدماء" رحم الله شهداء مصر وكل الشهداء وأسكنهم فسيح جناته وألحقنا منزلتهم فى الجنة.