مكتبة الإسكندرية روح بطلمية قديمة في صرح ثقافي حديث
لكل مكان على مستوى بقاع الأرض، أسطورته الشخصية النادرة، وحكايته الجمالية الخاصة به. لكننا قليلاً ما نجد موقعاً عالمياً يجمع روح التاريخ ونسيم الحاضر المُشرق، ويحمل داخل أعماقه، أكبر أمانة إنسانية أوكلت إلى بني البشر على مستوى العالم.. إنها باختصار، حكاية عنوانها مكتبة الإسكندرية، أكبر صروح الثقافة العالمية التي حملت جميع الكتب والمخطوطات النادرة العالمية بين أحضانها، منذ نشأتها في عصر البطالمة في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، حتى تاريخ إعادة إحيائها مرة أخرى، عقب تدميرها في العصر الحديث.
تعد مكتبة الإسكندرية في مدينة الإسكندرية المصرية، المطلة مباشرة على ساحل البحر المتوسط، من أكبر المكتبات الرقمية التي بنيت في القرن الحادي والعشرين، بدعم من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، على مستوى العالم، وبالتعاون مع مكتبة الكونغرس وجهات علمية أخرى. واستطاعت المكتبة، في فترة وجيزة، منافسة الأقسام العلمية داخل المكتبات العالمية، حتى أن الباحثين، على مستوى دول العالم، باتوا يأتون إليها للإطلاع على وثائق ومخطوطات عربية وأجنبية نادرة، انفردت المكتبة وحدها بالعثور عليها والاحتفاظ بها.
إعادة البناء:
طالما مثّل إعادة بناء مكتبة الإسكندرية، حلماً ظل يراود مثقفي ومفكري المدينة ودول العالم، وبقي الأمر هكذا إلى أن تولَّدَت الفكرة داخل أروقة جامعة الإسكندرية، وقدَّمَ الأساتذة مشروعات عديدة في هذا الشأن، إلى منظمة اليونسكو، التي أفادتْ أنها تتعامَل فقط مع الحكومات، فأعادوا صياغة المشروع مرة أخرى، وأعطوا له عنوان: إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة. وفي عام 1406هـ/1986م، وافقت اليونسكو على المشروع، وأبدت استعدادها للمساهمة فيه ودعمه ماديّاً ومعنويّاً وثقافيّاً، وعلى إثر ذلك خصَصت جامعة الإسكندرية أرض المشروع، وتبنَّى الرئيس السابق محمد حسني مبارك المشروع كمشروع قومي بقرار جمهوري.
وشارك مدير عام اليونسكو بالدعوة للمشروع عام 1407هـ/ 1987م، ونظمتْ مسابقة معمارية شاركَت فيها مئات من المكاتب المعمارية من عشرات الدول، حتى فازتْ به شركة نرويجية، واختارت الشركة أن يكون للمكتبة شكل مميز وفريد على شكْلِ دائرة غير مكتملة، مُواجهة للبحر، جزء منها مختفٍ تحت الأرض في إشارة إلى الماضي، والآخر يرتفع فوق الأرض ليرمزَ إلى المستقبل المشرق، ولتوحي بأنها شمس المعرفة، وكانت هكذا بالفعل.
وفي 12 (ذي القعدة) 1408هـ/ 26 يونيو 1988م وضع الرئيس السابق حسني مبارك، حجر الأساس للمشروع في موقع مكتبة الإسكندرية القديمة، نفسه، في منطقة السلسلة، على أرض الحي الملكي البطلمي (البركيوم).. وبذا تأكد للعالم أن مكتبة الإسكندرية القديمة تعيد إحياء نفسها، ولتخرج من أعماقها البطلمية القديمة إلى عصر الحداثة والتكنولوجية.
وفي العام ذاته، صدر قرارٌ جمهوري بإنشاء الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية؛ لتأخذ المشروع على عاتقها، وتحددتْ مُنطلقات العمل بمكتبة الإسكندرية ودورها الحضاري، في محاورَ أربعة أساسية، هي: أن تكونَ نافذة للعالم على مصر، وأن تكون نافذة مصر على العالم، وأن تكون مكتبة العصر الرقمي الجديد، وأن تكون مركزاً للتعليم والحوار.
وفي العام 1410هـ/ 1990م، صدر إعلان أسوان الذي حضره عديدٌ من رؤساء الدول، فطرحتْ فكرة إنشاء المكتبة بتبرُّعات من دول العالم، ودعم بعض الدول المشروع، وكذلك عدد من المنظمات الدولية، وبدأ تنفيذ المشروع عام 1415هـ/ 1995م. ونقلت تبعية المكتبة إلى رئاسة الجمهورية مباشرة.
وافتتحت المكتبة في 11 شعبان 1421هـ/ 17 أكتوبر 2002م، في احتفالية كبرى يشهد لها العالم أجمع، بما تضمنته من استعراضات فنية عالمية، وبحضور نحو ثلاثة آلاف مدعو أجنبي من رؤساء وملوك دول العالم، وعلى رأسهم: الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الملكة الإسبانية صوفيا، الملكة رانيا قرينة العاهل الأردني، الرئيس اليوناني كوستيس ستيفانوبوليس.
الموقع والشكل:
تتمتع المكتبة اليوم بموقع متميز، يطل على الميناء الشرقي التاريخي بالإسكندرية؛ حيث تشرف بِواجهتها الشمالية على البحر المتوسط، عند لسان السلسلة، بينما تقابل مجمع الكليات النظرية في جامعة الإسكندرية من جهة الجنوب، ويحيط بالمبنى سور من حجر الغرانيت الأصلي، على شكْل هلال نقشت عليه حروف من الأبجدية بمائة وعشرين لغة مختلفة، فضلاً عن النقوش على مبنى المكتبة بالحروف والرسومات الفرعونية التي تذكرك بالكتابة الفرعونية المصرية الأولى قبل الوصول إلى عصر الحداثة.
ويتكوَّن شعار المكتبة من ثلاثة عناصر: قرص شمس غير مكتمل، مياه البحر، الفنار. وكأنه يعبر عن روح المدينة الساحلية المشرقة والتاريخية. وخصص للمكتبة مساحة قدرها 45000 م2، وبنيت بعمق 40 متراً تحت الأرض، بارتفاع أحد عشر دوراً؛ منها أربعة تحت مستوى سطح البحر، وسبعة فوقه.
وأكد جيمس بيلينغتون مدير مكتبة الكونغرس في تصريح سابق له، أن إطلاق المكتبة، سبيل لتحفيز الناس على التفكير في تفاعل الثقافات، وهو ما نأمل أن يعزز التفاهم والرغبة بالاطلاع على المنجزات الثقافية على الصعيد الإنساني. كما أسهمت جهات كثيرة ضمن المكتبة الرقمية العالمية، في إذكاء مضمون ودور مكتبة الإسكندرية، منها مكتبة الكونغرس والمكتبة الوطنية العراقية ودار الكتب والمحفوظات المصرية.
بالإضافة إلى جهات ثقافية ومكتبات من السعودية وقطر والمغرب، ومن دول أخرى بينها: بريطانيا، فرنسا، روسيا، البرازيل، الصين. إذ قدم جميع تلك الجهات، دعماً شاملاً، وبذا غدا يتيح الأرشيف الإلكتروني الضخم للمكتبة لمستخدميه، الوصول إلى مجموعة مخطوطات ووثائق تاريخية وخرائط ومطبوعات وأرشيف موسيقي، وكذلك إلى أرشيف آخر للصور وملفات بسبع لغات هي اللغات المستخدمة في الأمم المتحدة، ومن الوثائق الأميركية التي توفرها المكتبة إعلان الاستقلال والدستور الأميركي وصور الحرب الأهلية وإعلان إلغاء العبودية، إضافة إلى وثائق الهجرة والتجنس لمشاهير أميركيين.
تأمل منظمة اليونسكو أن تسهم هذه المكتبة في إرساء الاهتمام بالثقافات الأخرى، ومد جسور أكثر بين الشعوب وتقريبها من بعضها، وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء عن طريق تسخير ثورة المعلومات والاتصالات لخدمة الإنسانية.
الكنوز الرقمية:
يتحدث مدير المكتبة، الدكتور إسماعيل سراج الدين، عن ميزاتها وجملة ما تنفرد بها في محتوياتها وآليات عملها فيقول: تعد مكتبة الإسكندرية، رائدة في رقمنة الكنوز الثقافية في العالم العربي. كما أنها أسهمت بإضافة كتاب وصف مصر إلى المكتبة الرقمية العالمية، والذي يرجع تاريخه إلى حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798. إذ حوّل صورة رقمية بمعرفة مكتبة الإسكندرية في عام 2007.
رؤى حيوية:
تشير مدير إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمعهد الدولي للدراسات المعلوماتية في المكتبة، الدكتورة نهى عدلي، إلى أن تدشين المكتبة الرقمية العالمية أنجز في إطار المفهوم العالمي الجديد للمكتبات، وامتداداً للاتجاه العالمي نحو إتاحة المعرفة للجميع. وتوضح أن الموقع الإلكتروني للمكتبة الرقمية يضم أعظم الأعمال التي وردت في تاريخ البشرية.
بالإضافة إلى الوثائق والمخطوطات النادرة والمواد الفريدة الأخرى، من الشرق والغرب، لتشمل الثقافات المتعددة في العالم كله. وتختم مؤكدة أن هذا المشروع يهدف إلى تضييق الفجوة الواسعة بين الثقافات والشعوب، وتعزيز التفاهم الدولي من خلال التواصل الثقافي والمعرفي عبر الإنترنت، لغة العصر.
البحث العلمي:
تضم مكتبة الإسكندرية قاعات الإطلاع البحثي الرئيسية التي تتسع لنحو ألفي باحث، وتحتوي القاعة على نحو ثمانية ملايين كتاب وكذا وثائق ومخطوطات معاصرة ونادرة، متخصصة في حقول العلوم الإنسانية والعلمية، كافة، ذلك على غرار المكتبات العالمية، إذ تعد المكتبة منظومة ثقافية متكاملة يجد فيها جميع الباحثين وطلاب الجامعات ضالتهم.ويستفيدون معها من كنوز معلومات وأبحاث علمية ومعرفية، بمقدورهم العثور عليها بطريقة التوثيق الإلكتروني للكتب المزودة في داخل قاعات البحث والإطلاع، ما يسهل على الباحثين سرعة الحصول على الكتاب.
ويوجد في جانب قاعات الإطلاع والبحث، ضمنها، ست مكتبات فرعية متخصصة، حيث تتميز مكتبة للأطفال والنشء، مزودة بالكتب وشاشات العرض الخاصة بالأفلام الكرتونية، وكذلك تحتوي مرسماً فنياً فيه لوح وأدوات للرسم، بالإضافة إلى قاعات حديثة للمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تقدم إليهم الكتب بطريقة سهلة ومتخصصة، تتكيف مع طبيعة ظروفهم الخاصة، ما يدل على أن التخطيط العلمي العالمي لمكتبة الإسكندرية، استوجب التفكير في المكفوفين، وإتاحة الفرص العلمية الكافية لهم، من دون تمييز.
وتضم مكتبة الإسكندرية قاعات للميكروفيلم والكتب النادرة والمجموعات الخاصة، وقاعات خاصة للفنون والوسائط المتعددة والمواد السمعية والبصرية. كما تشتمل على مركز القبة السماوية: هي عبارة عن مبنى مستطيل ترتكز عليها كرة نصفها مختفٍ تحت الأرض. وتعرض في القبة أفلام خاصة بالمجموعة الشمسية والأجرام السماوية، عن طريق بروجيكتور على شاشة دائرية تمثل قبة السماء، والنصف الآخر فوقها؛ ليكون مركزاً لمراقبة النجوم والدراسات الفلكية والدراسات الكونية.
براءات اختراع:
تجد المكتبة تدخل الزائر في القبة السماوية، إلى العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد، لتطلعه على أحدث ما توصلت إليه علوم التكنولوجيا، حيث تضم أيضاً قاعة بانوراما حضارية بداخلها ليعرض من خلالها نماذج وثائقية للتراث المصري القديم، والتراث القبطي والإسلامي، منذ 5000 عام وحتى الوقت الحالي، وهو عرض تفاعلي أعده مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، ويقدم من خلال تسع شاشات رقمية هي الأولى من نوعها في العالم. وحصلت البانوراما الحضارية على براءة الاختراع، كما نالت العديد من الجوائز.
كما تضم القبة السماوية المتطورة ذات السمعة التكنولوجية العالمية، نظام فيستا (نظام التفاعل الافتراضي في تطبيقات العلوم والتكنولوجيا فهي بيئة افتراضية تفاعلية تسمح للباحثين بتحويل البيانات ثنائية الأبعاد إلى نماذج محاكاة ثلاثية الأبعاد يمكن الدخول فيها. حيث إنها تساعد الباحثين على معايشة نماذج محاكاة للظواهر الطبيعية أو الاصطناعية، بدلاً من مجرد مشاهدة نظام أو بناء لنموذج طبيعي.
تقدم المكتبة إلى زائريها، بجانب قاعات البحث العلمي والإطلاع، أربعة متاحف خاصة للآثار، تضم 1700 قطعة أثرية من العصر البطلمي والروماني القديم. وكذلك: متحف المخطوطات الذي يحوي مائة مخطوط، التاريخ العلوم، متحف خاص للرئيس الراحل أنور السادات – تعرض به صوره الشخصية منذ الطفولة وحتى فترة توليه منصب رئيس الجمهورية (وأيضاً أهم مقتنياته الشخصية مثل: البايب، الخطابات التي أرسلها إلى رؤساء العالم). ويشتهر متحف السادات بعرض البدلة العسكرية الذي استشهد وهو يرتديها في يوم حادثة المنصة.
تتضمن المكتبة في داخل ساحاتها الواسعة وأدوارها متعددة الطوابق، المعارض الفنية الدائمة التي ترصد جماليات الإسكندرية عبر العصور: مجموعة محمد عوض، عالم شادي عبدالسلام، روائع الخط العربي، تاريخ الطباعة، الآلات الفلكية والعلمية عند العرب في القرون الوسطى (فرسان السماء). وكذلك هناك مجموعة المعارض الدائمة لمختارات من الفن المصري المعاصر، وهي: كتاب الفنان محيي الدين حسين: مشوار إبداعي، أعمال الفنان عبدالسلام عيد: مجموعة رعاية النمر، إبداعات عبدالغني أبو العينين: الفن الشعبي العربي، سيف وأدهم وانلي: الحركة والفن، مختارات آدم حنين، مختارات أحمد عبدالوهاب، مختارات حامد سعيد، مختارات حسن سليمان، بعض أعمال النحت.
يقابل مبنى الإطلاع العلمي والبحثي الحديث في مكتبة الإسكندرية، المبنى الخاص بقاعة المؤتمرات الذي يستضاف به العلماء والباحثون العالميون من مختلف أنحاء العالم، وكذلك رجال الفن والسياسة والأدب والفنون، بالإضافة إلى الفرق الموسيقية العالمية التي تأتي إلى الإسكندرية، وتشهد قاعات المؤتمرات بالمكتبة حضوراً جماهيرياً عالياً لأي كان من زائريها سواء لرجال العلم أو الفن، حيث تشبع مكتبة الإسكندرية كل ألوان واتجاهات الجماهير بأعمارهم المختلفة. وهي تعد في نظر أبناء الإسكندرية، المكتبة، القبلة التي تجمع محبي الفن بالأدب والعلم.
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بكونها مركزاً للإشعاع الثقافي والتنويري، داخل المدينة وعلى المستوى الدولي، بل إنها تسهم في خلق ودعم مشروعات ثقافية وتوثيقية واسعة النطاق، وذات أهمية وطنية خاصة، إذ أطلقت، مثلاً، مشروعها الرقمي والإلكتروني الضخم ذاكرة مصر المعاصرة، إذ توثق عبره الذاكرة المصرية القديمة، من خلال أرشفة وجمع كل أعداد مؤسسة دار الهلال الصحافية والثقافية في أقراص مدمجة، تحتوي على توثيق كامل لأعداد مجلة الهلال، من خلال تعاون مشترك يجمع بين مكتبة الإسكندرية والمؤسسة.
كما يجري في المراحل الأخرى للمشروع بتوثيق الصحافة المصرية ـ إلكترونياً، مثل الأعداد الأولى للمؤسسات الصحافية: روز اليوسف، أخبار اليوم، الأهرام، الجمهورية. وذلك بما تحتويه هذه الأعداد من صورة وثائقية قديمة، وشواهد وشهادات عصرية.
وكذا توثق الصحافة التي اندثرت، منها: المصري، أبو نظارة. ويستعرض الموقع الإلكتروني الضخم، أهم حكام زعماء مصر وإنجازاتهم الوطنية، والصور الوثائقية الخاصة بهم، والصحف الصادرة في عصرهم. وهو ما يؤكد الدور النوعي الذي تلعبه مكتبة الإسكندرية في الحفاظ على الهوية التاريخية والوطنية للدولة. وبهذا، كما يرى متخصصون كثر، سيشهد التاريخ لها بأنها وقفت بجانب الهوية المصرية، بدلاً من الدعوات الغامضة نحو العولمة العالمية.
موقع إلكتروني:
أطلقت مكتبة الإسكندرية، أخيراً، موقعاً إلكترونياً مهماً لإعادة إصدار مختارات من التراث الإسلامي الحديث، في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين (التاسع عشر والعشرين الميلاديين). وتهدف منه إلى إحياء التراث الإسلامي الحديث والمحافظة عليه والإسهام في نقله إلى الأجيال المتعاقبة؛ تأكيداً لأهمية التواصل بين الأفراد جميعاً في الأمة، عبر تاريخها الحضاري.
بالإضافة إلى تكوين مكتبة متكاملة ومتنوعة، تضم مختارات من أهم الأعمال الفكرية لرواد الإصلاح والتجديد الإسلامي خلال القرنين الأخيرين، حتى تكون متاحة للشباب بصفة خاصة وللأجيال الجديدة، بصفة عامة لتمكينهم من الإطلاع على التراث الديني والإسلامي بشكل إلكتروني حديث يواكب تطورات العصر.
ويقدم الموقع نسخة إلكترونية تضم هذه المختارات، مقسمة تحت ستة موضوعات رئيسية؛ هي: الشريعة الإسلامية، السياسة، النهوض الحضاري، الفلسفة الإسلامية، التربية والدعوة الإسلامية، قضية المرأة. وتضاف كتب أخرى إليها تباعاً، حال مراجعتها وتنقيحها وكتابة مقدمة وافرة لها، تعرّف بالكتاب ومؤلفه. كما يوفر الموقع مدونة لتكون منبراً للتفاعل بين الجمهور والقائمين على المشروع.
الروح القديمة:
لا تزال مكتبة الإسكندرية الحديثة، محتفظة بروحها البطلمية القديمة، حيث كانت مكتبة الإسكندرية القديمة التي تأسست عام 259ق.م، على أيدي خلفاء الاسكندر الأكبر، والتي كانت بدورها، هي الأخرى، أكبر مكتبة في العالم في عصرها، وأطلق عليها اسم: مكتبة الإسكندرية الملَكية أو المكتبة العظمى. واقترنت أيضاً بالأبحاث العلمية، وتردد عليها العلماء من جميع أنحاء حوض البحر المتوسط.
واشتهرت مكتبة الإسكندرية القديمة: (ببلتيكا دي لي اكسندرينا)، أنها أقدم مكتبة حكومية عامة في العالم القديم، وليس فقط لأنها أول مكتبات العالم، حيث كانت مكتبات المعابد الفرعونية، معروفة عند قدماء المصريين، إلا أنها كانت خاصة بالكهنة فقط، فضلاً عن كونها حوت كتب وعلوم الحضارتين، الفرعونية والإغريقية، بنحو 700,000 مجلد. وفيها حدث المزج العلمي والالتقاء الثقافي الفكري بعلوم الشرق وعلوم الغرب. وبذا تمثل نموذجاً للعولمة الثقافية القديمة.
وكان منصب رئيس المكتبة من أكبر المناصب الرسمية في الدولة وأرفعها شأناً، لذا كان يعين من قبل الملك، ويختار عادة من بين كبار العلماء والأدباء، وكانوا هم أنفسهم ممن شاركوا في إثراء الحركة العلمية في الإسكندرية. وفرض قديماً، على كل عالم يدرس في المكتبة أن يودع بها نسخة من مؤلفاته، هكذا كانت معقلاً للعلم والثقافة، وجمعت بين طياتها أدوات الكتابة المصرية والإغريقية، وتعاقب على المكتبة العديد من العلماء الذين عملوا بها الساعات الطوال، منكبين على الدراسة والتمحيص.
كما شجعت المكتبة أيضاً حركة الترجمة، حيث أنجزت فيها، وللمرة الأولى، ترجمة العهد القديم من العبرية إلى اليونانية. وكذا أولى ملوك البطالمة اهتماماً خاصاً لإثراء المكتبة بكنوز المعرفة في كل المجالات. واعتنوا، أيضاً، في ضم أصول الأعمال الأدبية والعلمية لمقتنياتها.
وإلى جانب هذا، برز في شأنها استخدام البطالمة طرقاً متنوعة للاقتناء بخصوص مكتبة الإسكندرية، وكذا في عمليات الشراء والنسخ. وكانوا يفتشون السفن القادمة إلى الإسكندرية، فيعمدون إلى إرسال ما يعثر عليه بها من كتب، إليها، لتنسخ هناك ومن ثم تعاد النسخ الأصلية إلى أصحابها. وعندما عرف تجار الكتب أن هناك سوقاً للكتب في الإسكندرية، أسرعوا إلى مصر لبيع أندر المؤلفات، وأثمن الوثائق للبطالمة. كما كانت المكتبات الشخصية، مجالاً خصباً لتغذية مكتبة الإسكندرية بمجموعات كبيرة، كما الحال بالنسبة لمكتبة أرسطو ومكتبة تيوفراستوس.
ونجد أن من بين جملة العلماء الذين عملوا في مكتبة الإسكندرية، وحفظ التاريخ أسماءهم: إراتوسثينس، الذي ألّف كتباً جغرافيّة وأنجز خريطة على قدر كبير من الدقّة. وهيروفيلوس القلدوني، عالم الوظائف الذي استنتج أنّ مركز الذكاء هو الدماغ وليس القلب. كما كان من روّاد المكتبة، الفلكيون: طيمقريطس، أرسطيلو، أبولونيوس البرغامي (رياضي معروف)، هيرون الاسكندراني (مخترع العجلات المسنّنة والآلات البخارية ذاتية الحركة، وصاحب كتاب أفتوماتكا: وهو أول عمل معروف عن الروبوتات).
تاريخ نكبة ثقافية:
احترقت مكتبة الإسكندرية القديمة في عام48 ق.م. إذ أضرم يوليوس قيصر النار في 101 سفينة كانت موجودة على شاطئ البحر المتوسط، أمام مكتبة الإسكندرية، بعد أن حاصره بطليموس الصغير شقيق كليوباترا، الذي شعر أن قيصر يناصر كليوباترا عليه، فامتدت نيران حريق السفن إلى مكتبة الإسكندرية.
وثائق تاريخية:
يتيح الأرشيف الإلكتروني الضخم للمكتبة لمستخدميه، الوصول إلى مجموعة مخطوطات ووثائق تاريخية وخرائط ومطبوعات وأرشيف موسيقي، وكذلك إلى أرشيف آخر للصور وملفات بسبع لغات هي اللغات المستخدمة في الأمم المتحدة، ومن الوثائق الأميركية التي توفرها المكتبة، إعلان الاستقلال والدستور الأميركي وصور الحرب الأهلية وإعلان إلغاء العبودية، إضافة إلى وثائق الهجرة والتجنس لمشاهير أميركيين.
إنجازان نوعيان:
تشير مدير إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمعهد الدولي للدراسات المعلوماتية في المكتبة، الدكتورة نهى عدلي، إلى أن تدشين المكتبة الرقمية العالمية، في مكتبة الإسكندرية، أنجز في إطار المفهوم العالمي الجديد للمكتبات. وامتداد للاتجاه العالمي نحو إتاحة المعرفة للجميع. وتوضح أن الموقع الإلكتروني للمكتبة الرقمية يضم أعظم الأعمال التي وردت في تاريخ البشرية، بالإضافة إلى الوثائق والمخطوطات النادرة والمواد الفريدة الأخرى، من الشرق والغرب، لتشمل الثقافات المتعددة في العالم كله.
معقل للعلم:
فرض قديماً، على كل عالم يدرس في المكتبة أن يودع بها نسخة من مؤلفاته، هكذا كانت معقلاً للعلم والثقافة، وجمعت بين طياتها أدوات الكتابة المصرية والإغريقية، وتعاقب على المكتبة العديد من العلماء الذين عملوا بها الساعات الطوال، منكبين على الدراسة والتمحيص، كما شجعت المكتبة أيضاً حركة الترجمة، حيث أنجزت فيها، وللمرة الأولى، ترجمة العهد القديم من العبرية إلى اليونانية. وكذا أولى ملوك البطالمة اهتماماً خاصاً لإثراء المكتبة بكنوز المعرفة في كل المجالات. كما اهتموا أيضاً بضم أصول الأعمال الأدبية والعلمية لمقتنياتها واستخدم البطالمة العديد من طرق الاقتناء إلى جانب الشراء والنسخ.
المصدر : البيان