حل عقدة الطيران
بقلم : علي الجحلي … تتحرك الهيئة العامة للطيران المدني بخطى واثقة وواعدة في عملها على توفير البدائل المناسبة للمواطن في مجال الطيران. وفت الهيئة بوعودها وأعلنت اسمَي المتنافسَين اللذين فازا برخصتي تسيير رحلات محلية وعالمية من مطارات المملكة. حقق هذا مطالب كثيرة وسيلغي معاناة كانت الهاجس الشاغل لكل المسافرين.
هاتان الشركتان مطالبتان بتقديم خدماتهما من خلال توفير الفرص لكل المسافرين من كل المناطق. خبرة وكفاءة الشركتين الإدارية والتشغيلية يمكن أن تحقق مطلبًا مهمًا لعدد كبير من المطارات التي لا تشغل بكامل طاقتها بعذر الربحية من المشغلين السابقين.
تحدثت شركة قطر للطيران عن أسلوب عملها في المملكة، وأنه لن يكون بطريقة الطيران الاقتصادي، وهذا قد يكون من المعلوم؛ لما للشركة من خبرة في مجال الطيران التجاري الذي حقق لها جوائز عالمية. أما تحالف طيران الخليج فلم أسمع عن توجهاته في عملية تشغيل رحلاته، مع أنني أتمنى أن يكون بنمط الطيران الاقتصادي، حتى يتوافر للمواطن بديلان في كل مجال. فـ”السعودية” تعمل بنظام الطيران التجاري ومثلها ”القطرية”، وعليه فستنافس طيران الخليج شركة ناس.
تعتبر السوق السعودية مربحة في هذا المجال، متى ما أدارت الشركتان رخصتيهما بالطريقة الصحيحة. فشركة ناس حققت أرباحًا بعدما كانت تواجه شبح الإفلاس، وأعادتها الإدارة السليمة لحلبة المنافسة، بل الربحية في وقت تعانيه كثير من شركات الطيران العالمية مشكلة الخسائر. أهم عناصر تنافسية السوق السعودية هي:
– المسافات الشاسعة التي تفصل المدن والمناطق عن بعضها بعضًا. هذا يجعل السفر بالبَر مزعجًا، ولعدم توافر السكك الحديدية يصبح الطيران الخيار الأفضل والأضمن للوصول بسرعة وسهولة. على أنه لا بد أن تعيد وزارة التجارة النظر في الرسوم التي تفرضها شركات نقل السيارات بين المدن والتي ارتفعت بنسبة 100 في المائة فجأة ودون مبرر معقول.
– يميل الشعب السعودي إلى السفر والسياحة، بل يمكن أن أعتبره أكثر الشعوب العربية سفرًا ”عدديًا”. يأتي هذا الشغف بالسفر لأسباب كثيرة ليس هذا مجال نقاشها، إلا أن من المناسب القول إنه يمكن – بوجود خدمة طيران ملائمة – أن يتضاعف عدد المسافرين السعوديين، سواء في الوجهات الداخلية أو الدولية.
– يصل إلى المملكة أعداد كبيرة من الحجاج والمعتمرين طوال العام. هذا يستدعي أن تكون هناك وسائط مواصلات توفر العدد الكافي من المقاعد بأسعار منطقية، وهو ما سيعطي الشركتين الفرصة للحصول على شريحة أكبر من الركاب.
– يمكن أن تتضاعف أعداد المسافرين إذا توافرت الضمانات بوجود عدد كاف من الرحلات، خصوصًا للمناطق السياحية الداخلية – صيفًا وشتاءً – وبأسعار معقولة، وللمسافرين في أثناء الإجازات والعطل الأسبوعية والسنوية على وجه الخصوص؛ لأن كثيرًا من الموظفين والطلبة يلغون خطط سفرهم بسبب عدم توافر المقاعد.
يجب أن تسهم الهيئة في إنجاح الشركتين الجديدتين من خلال تطبيق قوانين المنافسة الشريفة بين جميع الشركات العاملة في المملكة. إن إلزام جميع الشركات بالقوانين والتعرفة نفسها دون محاباة، سيحقق النتائج الإيجابية للمستفيد النهائي، وهو المواطن الذي تستهدف الهيئة خدمته. تطبيق القوانين، والعمل على دعم التنافس مهم في دفع الشركات نحو الإبداع في تقديم الخدمة ونشرها بالطريقة التي توصلها لجميع المواطنين. يمكن أن نرى خدمات الطيران تصل مواقع لم تصلها، أو كانت ضمن خطط طويلة الأجل بسبب دعم التنافس.
معلوم أن الطيران يمكن أن يوجد نمطًا اجتماعيًا، ويسمح بتطوير مناطق كثيرة بحكم توافر الاتصال بينها وبين مناطق الكثافة السكانية. بل إن كثيرًا ممن يعيشون في دول تتوافر فيها وسائل مواصلات دقيقة ومرنة، يفضلون الحياة في المناطق البعيدة عن الزحام والضوضاء ما دامت وسائل النقل العام توصل للمناطق التي يعملون فيها بسهولة. وجود هذه النوعية من السكان أسهم في إنشاء المدارس الراقية والجامعات في مدن صغيرة، وبالتالي أوجد الخدمات الأخرى التي يحتاج إليها السكان كالمستشفيات ومراكز التسوق وغيرها. هذا يمنح شركات الطيران الفرصة لردم الهوة القائمة بسبب عدم وجود السكك الحديدية.
كنت شكوت قبل فترة من عدم وجود مطارات صغيرة، وهي شبه معدومة لدينا رغم انتشارها في أغلبية دول العالم. تقع بعض المحافظات والتجمعات السكانية على مسافات تبعد أكثر من 300 كيلومتر عن أقرب مطار، وهذا أدى إلى حصر وسائل المواصلات فيها على السيارات، رغم إمكانية تشغيل خدمات طيران صغيرة بطائرات لا تتجاوز 20 راكبًا في مسارات متعددة منها وإليها. تلك المشكلة كانت وستظل من أكثر عوائق التوازن التنموي بين مناطق المملكة، وبالتالي عزوف رؤوس الأموال والمشاريع.
نحتاج إلى أن تشجع الهيئة الشركات العاملة في المملكة على تطوير أساطيل من الطائرات الصغيرة التي يمكن أن تحقق التوازن المطلوب وتسهم في توفير خدمة النقل الجوي للمدن التي لم تحصل عليها، ولنا في تجربة ”أرامكو السعودية” والقوات الجوية الملكية السعودية دلائل على أن هناك سوقًا لا تزال مفتوحة للنقل الجوي. وفّرت الجهتان عمليات النقل لمنسوبيهما بسبب عدم وجود البديل الملائم الذي يمكن الاعتماد عليه وبتكاليف عالية عليهما.
أختم بتهنئة الجميع بهذا الإنجاز المميز الذي تم خلال مرحلة مهمة تنتشر فيها المشاريع التنموية في المملكة، كما أرجو أن يكون فاتحة لوصول خدمة الطيران إلى كل مدن ومحافظات المملكة، وأن تنتهي مشكلة انعدام المقاعد التي يعانيها كل من يريد السفر، خصوصًا أوقات الإجازات.