صناعة السياحة تحتاج «أفعالاً» وليس «كلاماً»!
جدة "ادارة التحرير" …. على الرغم من أن المملكة تزخر بالعديد من الأماكن الأثرية والتاريخية التي يعود تاريخها إلى أكثر من (2000) عام، بل إن بعضاً منها يعود إلى ما قبل الميلاد بقرن وقرنين، إلاّ أن معظم المواقع الأثرية تفتقر إلى الحد الأدنى من العناية والاهتمام؛ إذ يفتقر بعضها إلى طرق مُعبّدة، ويحتاج السائح من أجل الوصول إليها إلى السير في طرق صحراوية خطرة لا يوجد فيها استراحات يتوفّر بها على الأقل الماء والطعام، وكأن تلك المواقع الأثرية لا تزال تعيش عصرها القديم، ولم تهيأ من أجل تيسير زيارتها، في وقت تبذل فيه «هيئة السياحة والآثار» جهوداً مضنية من أجل إبراز تلك المواقع لكي تجذب السائح السعودي فضلاً عن الأجنبي، بيد أن إمكاناتها أقل من الاحتياجات، لا سيما في ظل اتساع المملكة وتعدد المواقع التراثية والتاريخية، إلى جانب المواقع الخلابة ذات الطبيعة الرائعة، كما تفتقر تلك المواقع إلى تسويق سياحي ومعلومات كافية على مواقع «النت».
«الرياض» وجّهت تساؤلاتها ل»الهيئة العامة للسياحة والآثار – فرع مكة المكرمة»، متضمنةً محاور هذا التحقيق، وتم الاتصال بالمدير العام هاتفياً، وتم إحالة الإجابة إلى المتحدث الإعلامي باسم الهيئة في منطقة مكة المكرمة، وتم الاتصال ذات مرة، منذ أكثر من شهر، ولم يأت الرد حتى تحرير هذا التحقيق.
تسويق سياحي غائب
في البداية، أكد «د.حبيب الله تركستاني» على أن المواقع الأثرية جزء من السياحة الداخلية، حيث إن مفهوم السياحة الداخلية يشمل المواقع الأثرية والأماكن ذات المناظر الجميلة والأجواء الجاذبة في كل مناطق المملكة، فكل منطقة لدينا تتميز بمناخ وتضاريس تختلف عن بقية المناطق وفيها أرض خصبة للسياحة لكنها تفتقر للتسويق السياحي، مبيناً أن لدينا كل مقومات السياحة، خاصة في المناظر الخلابة، ولكن معظم المجتمع لا يعلمون عنها شيئاً، دون أن تجد تسويقاً مناسباً من قبل «الهيئة العامة للسياحة والآثار»، والسياحة صناعة تحتاج إلى تسويق، حتى يصبح كل مواطن قبل السائح مُلمّاً بالمواقع السياحية وما تتميز به، وذلك من مسؤوليات «هيئة السياحة والآثار»؛ لذلك يتوجب عليها أن تنشئ إدارةً للتسويق السياحي في كل منطقة من مناطق المملكة، دون أن تترك مهمة التسويق السياحي للغرف التجارية مثلما هو حاصل الآن؛ لأن الغرف التجارية تبحث عن الكسب المادي من وراء أي تسويق تنفذه.
وعن الحاجة إلى وجود مرشدين سياحيين في المملكة؟، قال إن من الأفضل أن نهتم بالأصول قبل الفروع، فمسألة المرشدين السياحيين ليست معضلة، حيث إن الأهم من ذلك أن نهتم بأساسيات ومقومات السياحة، ومتى ما وجدت سيأتي المرشدون السياحيون بأنفسهم للعمل بحثاً عن الكسب، وبالتالي تكون السياحة الداخلية قد ساهمت في توظيف العديد من الشباب العاطل في مجال الإرشاد السياحي ودعمت اقتصاد البلد.
وأضاف أن أهم مقومات السياحة الداخلية هو الاهتمام بالمواقع السياحية والأثرية، وتقديم الخدمات الأساسية لها من سفلتة شوارع وإضاءة وتوفير أماكن للسكن والأكل في تلك المناطق بدعم المستثمرين، وتسهيل أمورهم في البناء لخدمة البلد، وكذلك تسهيل وسائل التنقل إلى الأماكن السياحية والأثرية من طائرات بأسعار مناسبة، أو حافلات حسب برامج ميسرة تعلن عبر الصحف لتستقطب العديد من الأسر السعودية المهتمة بالسياحة ولا تجد تلك البرامج إلاّ خارج المملكة، منوّهاً أن مسؤوليات تفعيل مقومات السياحة بيد «الهيئة العامة للسياحة والآثار» التي تحتاج إلى إعادة نظر في جدوى خططها السنوية تجاه رفع مستوى السياحة الداخلية.
وأشار إلى أنه بإمكاننا استقطاب سياح من خارج المملكة فضلاً عن السائح السعودي لوجود مناطق سياحية رائعة ترتقي لذوق السائح الأجنبي مثل الآثار التي يعود عُمر بعضها إلى ما قبل البعثة النبوية، وكذلك الصحراء التي تُعد ميزة ولها عشاقها متى ما وجدت برامج وخططا استراتيجية للإفادة منها، مشيراً إلى أن السياحة رافد اقتصادي مهم للدولة وتعتمد ميزانية بعض البلدان بالعالم عليها، متمنياً أن يكون القادم أفضل سياحياً.
تخطيط أفضل
وقال «م.جمال برهان» إن المواقع السياحية والأثرية لدينا بحاجة إلى اهتمام أكبر؛ لكي تنافس المصائف العالمية، مبيناً أن التخطيط السليم هو أساس النجاح لأي عمل، مبيناً أن هيئة السياحة والآثار لدينا تحتاج إلى إعادة النظر في خططها وبرامجها التي لم تؤتي ثمارها بشكل وافٍ حتى الآن، فمازلنا نسمع ونقرأ عن مئات المليارات ينفقها السواح السعوديون خارج المملكة سنوياً بل في كل إجازة، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة جادة من قِبل كل الجهات ذات العلاقة، إلى جانب إجراء بحوث ودراسات للحد من هجرة مليارات الريال خارج أرض الوطن، بينما لدينا مناطق جميلة وأجواء متنوعة.وقال إننا بحاجة إلى العناية بالسياحة البيئية، إذ إن لدينا قصوراً واضحاً في التعاون بين الأمانات و»الهيئة العامة للسياحة والآثار» و»الهيئة العامة لحماية الحياة الفطرية»، علماً أن عملهم جميعا في إطار المحافظة على البيئة وخدمتها، وننتظر تنسيقاً أكبر بين هذه القطاعات، لكي تتضافر جهودها جميعاً في خدمة السائح السعودي وتشجيعه على السياحة الداخلية.
أماكن أثرية
تزخر المملكة بالعديد من الأماكن الأثرية والتاريخية التي يعود تاريخها لأكثر من (2000) عام، ومن أبرز تلك المواقع الأثرية «الحجر» -مدائن صالح- الواقعة في محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، و»الأخدود» بمنطقة نجران، و»سوق عكاظ»، و»سد سيسد» بالطائف، و»جزيرة تاروت» القريبة من مدينة القطيف، ومدينة الجهوة الأثرية بمحافظة النماص، إلى جانب «قصر مارد بالأسياح، و»قرية ذي عين» الأثرية التابعة لمنطقة الباحة، و»قصر حاتم الطائي» في «قرية توران» على سفح «جبل أجا»، و»تيماء» في الجنوب الشرقي من مدينة تبوك بحوالي (264كم)، وهي من الواحات القديمة التي تضم العديد من الآثار التي يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام، حيث عُثر فيها على آثار ونقوش ترجع إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وآثار أخرى يعود تاريخها إلى الفترة الإسلامية المبكرة، ومن أهم الآثار بها «روافة» وهو معبد يقع إلى الجنوب الغربي من مدينة تبوك على بعد (115كم) في قلب منطقة حسمى.
ويمثل هذا المعبد أحد المعابد الرومانية النبطية، ويعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وهذا المعبد شبيه بمعبد روماني موجود في «وادي رم» بالأردن، وكلاهما على الطريق التجاري الغربي القديم، و»الديسة» تقع إلى الشمال الغربي من مدينة تبوك وتنتشر على الواجهات الصخرية نقوش نبطية وإسلامية، إضافة إلى بقايا أسس لجدران مبان سكنية، و»قلعة الأزلم» تقع إلى الجنوب من مدينة ضبا على بعد (45كم) وهي من محطات طريق الحج المصري خلال العصرين المملوكي والعثماني، «الخلف والخليف» التابع لمحافظة «قلوة» بمنطقة الباحة، و»العنتريات» بالقصيباء وتقع غرب «قصيباء»، «قو» على بعد (94كم) شمال بريدة ويرجع تاريخها للفارس العربي «عنترة بن شداد»، «ثاج» وتقع على بعد (80كم) غربي مدينة الجبيل، و»كهف برمة» ويقع على مسافة (66كم) شمال شرق الرياض.
طبيعة خلابة
كما تزخر المملكة بالعديد من المواقع السياحية الخلابة التي تحتاج إلى تسويق سياحي أكبر؛ لأن كثيراً من المواطنين يجهلونها، أو ربما طرأ عليها تغيير حديث، وأبرزها كورنيش مدينة الملك عبدالله الاقتصادية شمال جدة، ويمتلك مسطحات خضراء شاسعة المساحة، إلى جانب أنها مُشجّرة، ويضم ممشى، وشاطئاً رملياً جميلاً ونظيفاً، ويحتوي على فنادق ومطاعم ودورات مياه على أرقى مستوى، ولكن معظم سكان جدة لا يعلمون شيئاً عنه على الرغم من أنه شاطئ جميل وقريب، كما هو حال «كورنيش ثول» الجديد الذي أنشأته «شركة أرامكو» بثول ومعظم سكان جدة لم يسمعوا عنه شيئا مع الأسف على الرغم من جماله المتناهي وتوفر كل الخدمات فيه.
كما تضم المملكة «وادي لجب» بجازان ويتوافد إليه مئات السواح الأجانب من خارج المملكة، ومع الأسف الشديد كل الطرق المؤدية إليه وعرة ولم تصله شبكة الكهرباء إلى الآن!، بينما توجد أودية في دول أخرى تجعل من مواقع كهذه أسطورة سياحية بإيجاد فنادق وملاه وخدمات كاملة، كونه يتمتع بمياة جارية، وأشجار جميلة، وجبال خلابة المنظر، كما هي حال «جبال غيث» بجازان حيث تتمتع بطبيعة خلابة، ولكن ليس لديها أي طريق معبّد فضلاً عن شقق مفروشة، ناهيك عن «جبل فيفا» في عسير، حيث يعتبر أعلى قمة في الجزيرة العربية ويمتلك مناظر طبيعية جذابة ويكتسي كل شبر منه باللون الأخضر ومازال يفتقر إلى طريق واسع، حيث إن طريقه مُعبّد لكنه وعر جداً وطلوعه صعب ولا يمكن لأي سيارة أن تصل إليه، ومن وصل إلى قمته يجد أنه يفتقر إلى الفنادق وإلى المطاعم والشقق المفروشة والملاهي، حيث يصطدم السائح بأن الحياة تنتهى في الجبل بمجرد غروب الشمس!، كما يوجد في المملكة «وادي الديسة» الواقع جنوب مدينة تبوك، ويحتوي على نهر جارٍ، وجبال خلابة، وطبيعة جميلة، ولم تصل إليه الخدمات والفنادق إلى الآن، وغيرها الكثير من المناظر والأماكن الجميلة لكنها لن تصل إلى ملء عين السائح، إذا لم تتوفر بها الخدمات الأساسية مثل المأكل والمشرب والمسكن، فضلاً عن وسائل الترفية المكملة، ويذهب إليها المواطنون خلف البحار والمحيطات.