كيف استطاعت »ماليزيا« اكتساب مكانتها السياحية المتميزة؟
بقلم : جلال دويدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين
لأنني كنت في ماليزيا مع نهاية عام ٢١٠٢ بكل ذكرياته وآلامه وأحزانه. ولأن هذا البلد الإسلامي يسبقنا في التوقيت.. فقد أتاح لي ذلك ان أشاركها احتفالاتها ببداية عام ٣١٠٢ قبل مصر بست ساعات. ورغم التزام قواعد هذا البلد بالقيم الدينية الإسلامية بحكم أغلبيته. فإن ذلك لا يمثل أي نوع من القيود علي الاحتفال بهذه المناسبة التي يشارك فيها كل أبناء ماليزيا مع زوارها.
ومع الاحتفالات التي تقام في الفنادق والنوادي إلا أن أجملها هي تلك التي تقام في الميادين العامة الكبري في شكل حفلات موسيقية غنائية يستمتع بها عامة الشعب. وعند منتصف الليل تطلق الألعاب النارية في سماء العاصمة كوالامبور وكل المدن الماليزية بالرسومات المضيئة الرائعة الجمال وترتفع الصيحات بالغناء استقبالا للسنة الجديدة. ويسهر الماليزيون والسياح في هذه الميادين حتي الصباح حيث المطاعم المتنقلة التي تقدم لهم الأكلات والمشروبات الشعبية ليعيشوا في سعادة بالغة مع التمنيات والترحيب بالعام الجديد.
وتعد هذه المناسبة فرصة لاستقبال مئات الآلاف من السياح الذين يفدون إلي ماليزيا للاحتفال بقدوم السنة الجديدة ومشاهدة معالمها الطبيعية وممارسة هواية التسوق إلي جانب الاستمتاع بكرم ودماثة خلق الماليزيين وسط مناخ من الأمن والاستقرار والاحترام والانضباط. وتعد نظافة الشوارع وخلوها من المتسولين وانتظام حركة المرور رغم كثافتها من بين عوامل جذب السياح إلي هذا البلد الذي استطاع ان يؤمن لنفسه مكانة بين الدول المتقدمة. شمل هذا التقدم كل مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والبشرية والأمنية.
انعكست كل هذه العوامل مجتمعة ايجابا علي النمو السياحي حيث جعلت من هذه الدولة مقصدا سياحيا لشعوب جيرانها وكل شعوب العالم مما أتاح لها استقبال ما يزيد علي ٥٢ مليون سائح عام ٢١٠٢. إن أجمل ما في ماليزيا عنصر الطبيعة الذي جعل منها بسهولها وجبالها واحة خضراء رائعة الجمال تتخللها شبكة طرق حديثة. كما تتوافر فيها كل أنواع المواصلات وتضم السيارات الفارهة والقطارات وأنظمة التلفريك لمشاهدة قمم الجبال الخضراء وحيواناتها المختلفة بما في ذلك ممارسة اللعب والتسلية مع القرود المستأنسة والطليقة في الغابات.
إن ما يلفت النظر ويثير إعجاب الزوار منذ اللحظة الأولي من الوصول إلي كوالامبور سيطرة روح الانضباط التي تستهدف احترام حقوق السائح وتجنيبه التعرض لعمليات الاستغلال من سائقي سيارات الأجرة في المطار. إن علي هذا السائح ولكي يستأجر تاكسيا ينقله إلي الفندق الذي سيقيم فيه التوجه إلي مكتب بالمطار ليقوم بدفع أجرة محددة يحصل مقابلها علي كوبون وبعد ذلك يذهب به إلي موقف السيارات حيث يقوم أحد الموظفين التابعين للمكتب بالإشراف علي ركوبه التاكسي والاطمئنان إلي وضع حقائبه به.
ذكرتني هذه الواقعة بما يحدث للسياح القادمين إلي مصرنا الغالية سواء في مطار القاهرة أو أي مطار بمدننا السياحية حيث تجري عملية النصب عليه واستغلاله بأبشع الطرق علي مشهد من رجال الشرطة. ونفس هذا الذي يحدث في مطاراتنا يتكرر بصورة أبشع في مواقعنا السياحية خاصة عند أهرامات الجيزة حيث تتصاعد عمليات التحرش بالسياح إلي درجة الإرهاب والسرقة البشعة. تمنيت وأنا أشاهد هذا الانضباط والنظام وحُسن المعاملة في ماليزيا أن يتكرم المسئولون عن حكومتنا السنية بإرسال بعثات إلي هناك للتعلم والتدريب علي كيفية التعامل مع السياح.
ولعل ما يغري السياح علي التجول بين المدن الماليزية المختلفة شرقا وغربا. حملات الدعاية والترويج التي يشارك فيها الجميع وتدعمها الخرائط والبرامج المزودة بالأسعار المغرية في المطارات والفنادق مع انتشار الشعور القوي بتوافر الأمن والاطمئنان والراحة.
الشيء الذي يثير الإعجاب بهذا النجاح الماليزي ويزيد الشعور بالأسي علي حالنا بمصر في نفس الوقت.. أن هذه البرامج تشمل أيضا مناطق الشواطئ الماليزية التي تعد شيئا لا يذكر عل الإطلاق مقارنة بروعة وجمال شواطئنا المصرية التي تقع علي البحرين الأحمر والمتوسط.
ولا يمكن عند حديثنا عن تهيئة ماليزيا للظروف لجذب المزيد من السياح رغم جوها المداري الاستوائي. حيث تقضي درجة الرطوبة المرتفعة علي ميزة درجة حرارتها المنخفضة طوال العام والتي لا تتجاوز الـ ٠٣ درجة.. ما تمتاز به طرقها السياحية الآمنة من استعدادات حيث تنتشر علي جانبيها الاستراحات ودورات المياه والمطاعم النظيفة التي تقدم الأطعمة والمشروبات وأكياس الفاكهة المحلية اللذيذة بأسعار بعيدة عن الاستغلال.
كل هذه المؤهلات كانت جديرة بأن تجعل لماليزيا مكانا علي الخريطة السياحية العالمية