Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل
جانبى طويل

الطيارة فوق فوق والطيار تحت تحت … بقلم : جميل مطر

الطيارة فوق فوق والطيار تحت تحت

 

بقلم : جميل مطر… قررت شركة طيران محلية أن تقوم طائرة صغيرة بنقل ركاب من مطار فى مقاطعة لانكشاير بإنجلترا إلى أحد مطارات سكوتلنده فى رحلة تستغرق عادة حوالى الساعة فى جو متقلب. الطائرة كغيرها من الطائرات مزودة بأجهزة كمبيوتر ووسائل اتصال حديثة، وسوف تتبادل المعلومات عن الطقس خلال الرحلة وتسلك الممرات الجوية المتعارف عليها تفاديا للاصطدام بطائرات أخرى.

 

الخبر بهذه التفاصيل لا جديد فيه، فالطائرات جميعا تطير من مطار وتهبط فى مطار آخر، والطائرات جميعا وحسب قوانين الطيران الدولى مزودة بأحدث أجهزة قيادة واتصال، والطائرات جميعا تلتزم خطوط السير والأوامر الصادرة من أبراج المراقبة على طول هذه الخطوط. الجديد فى تفاصيل الخبر أن الطائرة تفتقر إلى كابينة قيادة، وبالتالى ستطير الطائرة بركابها ولكن بدو ن طاقم طيران، لا قبطان ولا مساعد طيار ولا ملاحين.

 

 الطائرة بدون طيار، وبدون ركاب، صارت أمرا مألوفا. فطائرات الدرون تجوب منذ سنين سماوات أفغانستان وباكستان وتقتل المئات من أهل القرى والجبال بدون سابق انذار أو إعلان حرب، وتجوب سماوات اليمن وتحتشد فى دولة أو أكثر من دول شمال أفريقيا استعدادا لقصف مواقع « القاعدة» ومخيمات المتمردين من الطوارق فى شمال مالى ودول أخرى فى الساحل الإفريقى. تنتج إسرائيل منها العشرات وتستوردها تركيا لتقصف منها مواقع الأكراد، وتقوم إيران بتجارب لانتاجها وربما كانت من صنعها الطائرة التى أرسلها حزب الله لتجوب أجواء فى شمال إسرائيل.

 

لم يعد أمر الطائرة بدون طيار محل نقاش أو خلاف فى الرأى حول سلامة تشغيلها، فقد تعاقدت هيئات الشرطة فى عدد من المدن الأمريكية الكبرى على شراء عدد منها لتستخدمه فى مراقبة الأشخاص ومطاردة المشتبه فيهم. جهات أخرى أعلنت نيتها فى استخدامها لمراقبة الأحوال الجوية والتنبؤ بها وتصوير مناطق الحرائق كالغابات حين يصعب على رجال المطافئ الوصول إليها، ونعرف ان شركة جوجيل تستخدمها لخدمة زبائنها الباحثين عن عناوين، وربما لخدمة أجهزة استخبارات ومباحث تتابع التحركات اليومية لمسئولين بهدف حمايتهم أو اغتيالهم.

 

 الجديد الوحيد فى الخبر المنشور عن طائرة لانكشاير هو أنها ستنقل ركابا من البشر . هؤلاء الركاب يستقلون الطائرة وهم على علم كامل بأنها ستطير بدون طيار. بمعنى آخر، يعلمون أن كابينة القيادة لن يوجد فيها شخص من لحم ودم يقرأ لوحات القيادة، ويراقب عبر زجاج الطائرة وشاشة الرادار ان كانت هناك طائرات أخرى تجاوزت الخطوط المرسومة لها ودخلت فى حارة مخصصة لغيرها أو فى موعد غير محدد لها.

 

لا أعرف ان كان يوما سيأتى أقرر فيه بحرية كاملة وإرادة مطلقة ركوب طائرة متوجهة من القاهرة إلى موسكو أو واشنطن أو برازيليا وانا أعلم مسبقا أنها تطير بدون طيار. لا استبق الأمور حين أقول أننى لن أتردد وبالتأكيد لن أرفض، وهو الموقف الذى سمعت الكثيرين يقررونه كلما أثير احتمال قد يواجهونه مرة أو أكثر خلال السنوات الخمس المقبلة. لن أرفض لاننى أذكر جيدا المرات الأولى التى ركبت فيها طائرة فى رحلات طويلة مثل رحلتى الأولى إلى بومباى، قبل أن يصبح اسمها مومباى، ورحلتى إلى سيدنى والرحلة الكارثية من هونج كونج إلى روما والرحلة من جنيف إلى سنتياجو دى شيلى. فى كل هذه الرحلات كنت بدافع الفضول أطلب من قائد الطائرة بين الحين والآخر دخول كابينة القيادة ولو لثوان معدودة ساعيا للاطمئنان. هناك كنت أشعر أننى، كراكب، أطير فى عهدة طاقم لا يقل عن أربعة رجال، اثنان منهما يسيطران على مقودى الطائرة ومهندس اتصالات يبعث ويستلم رسائل ومهندس ملاحة مزود بخرائط وآلات حاسبة. وفى غالب الأحوال وعلى الخطوط الأطول كان يوجد فى الكابينة وأحيانا متنقلا بينها وبين مقاعد الركاب طيار احتياطى أو إثنان. كان الوضع مهيبا، وكما قلت باعثا على الراحة ومثيرا للاعجاب والطمأنينة.

 

 ومع ذلك، كنت أتساءل كيف يتحمل الطيار أن يقضى معظم وقت طيرانه محملقا فى لا شىء، أو هكذا كنت أتخيل.. سحاب فوق سحاب، أو ليل حالك، وفى الحالتين، الطيار ومساعده بلا عمل حقيقى يؤديانه. كنا دون أن ندرى نتوقع أن يأتى يوم تستغنى فيه الشركة عن خدماتهما. هذا السؤال طرح نفسه مرات عديدة، فى رحلات جوية قصيرة المسافة بطائرات تتسع لعشرين راكبا أو أكثر قليلا حين كان الطيار يترك مقعده ليزور دورة المياه فيراه الركاب ويمسكون أنفاسهم حتى ينتهى ويعود إلى كابينة القيادة.

 

 حدث معى كثيرا خلال رحلات داخل الصين وفى إفريقيا أن كان الطيار مكانه ليجالسنا ويتسامر معنا. فى إحدى هذه الرحلات تعدد خروجه من كابينة القيادة ليقوم بتوزيع ثمار التفاح على الركاب، وفى رحلة أخرى جلس بجانبى وطلب منا تسليته بالحديث عن مصر والأهرامات و النيل خشية أن يغلبه النعاس. فى المرتين، فوجئت قبل مغادرة الطائرة بأن كابينة القيادة لم يكن بها مساعد طيار أو مهندس. كانت خالية إلا من الطيار.

 

 انعقد فى لندن فى الاسبوع الماضى مؤتمر حضره ممثلون عن الحكومة البريطانية وشركات الطيران وشركات صناعة الطائرات ومركبات الفضاء لإقرار الخطوات الضرورية لتشغيل طائرات ركاب بدون طيار على متنها والاكتفاء بطيار يحرك الطائرة ويراقبها من موقعه على الأرض على ضوء ما يصله من معلومات ترسلها كاميرات وأجهزة رصد مثبتة على جسم الطائرة من الخارج.. فى الوقت نفسه كانت الحكومة فى واشنطن تنظر فى إدماج الطيران بدون طيار فى منظومة الرقابة الجوية، بمعنى آخر صدر أخيرا الإذن لطيارات بدون طيار بالحق فى استخدام ممرات الطيران والقيام بمهام النقل الجوى المعتاد.

 

لم يصل بعد إلى مسامعى تعليق شيخ وقور ينهانا كل يوم عن تقليد المبدعين فى مجتمعات كافرة، أو صوت شيخ آخر لا يكف عن تسليط لعناته على  كل جديد، فالجديد فى رأيه بدعة والبدعة حرام لمجرد الظن أنها قد تخالف شرع الله. ربما لم يصل إليهما الخبر. خبر طائرة الركاب التى سوف تطير بعد أيام من مطار وارتون فى لانكشاير وليس على متنها طيار.
 

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله