«جبل شمنصير» سياحة التراث
بقلم : عبدالله عويقل السلمي …. منذ اثنين وعشرين عاما كنت في مدينة نواكشوط بموريتانيا أرتاد صاحب نوق خارج العاصمة مساء كل يوم لأحظى بالغبوق، ومسامرته بالأشعار والأخبار، وبعد أن عرفني قال: هل تعرف جبل «شمنصير» الواقع بين مكة والمدينة؟ تمتمت بكلمات نهايتها أنني أعرفه ولا أعرفه، فاسمه في ذاكرتي وأجهل كنهه وتاريخه، وبعدها بسنوات التقيت أستاذا وأديبا مشهورا استدعي من الجماهيرية الليبية للمشاركة في البرامج التي أقيمت بمناسبة اختيار الرياض عاصمة الثقافة العربية.
فوجه إلي السؤال نفسه عن جبل «شمنصير»، وقبل أشهر حدثني الدكتور ناصر الرشيد عن مغامراته لاقتحام هذا الجبل والوصول إلى قمته وتناوشت حينها تنيضب الفايدي الخبير بالمواقع الأثرية بين المدينتين ولكن كان حضور (أجا وسلمى) طاغيا على الركب في مرابع الطائي، إن تلك الأسئلة ومغامرة (الرشيد) أثارت عندي الرغبة في معرفة المزيد عن الجبل الذي شاع ذكره وذاع وهو بين ظهرانينا معلما سياحيا ومكانا تأريخيا، فكانت رحلتي في التراث رحلة سائح أمتعه ما كتب عن هذا الجبل الأشم تراثيا ومنه ما يأتي: يقول الحموي: «جبل بساية، وساية: واد عظيم به أكثر من سبعين عينا، ويصل بين ديار سليم وهذيل، قال فيه ابن جؤية الهذلي:
مستأرضا بين بطن الليث أيمنه إلى شمنصير غيثا مرسلا معجا
ويقول الأزهري في التهذيب: وشمنصير: جبل معروف قال عنه عرام :جبل يتصل بضرعاء، وهي قرية قرب ذرة من حرة شمنصير، ثم تابع ــ وهو بيت القصيد ــ هو جبل ململم لم يعله أحد قط، ولا أدري ما على ذروته، فأعلاه الفهود والأسود والمياه تتحول إلى ينابيع لا يتوقف تدفقها، جنوبه قرية رهاط ووادي غران، وغربه وادي ساية وأكثر نباته النبع والشوحط». ويقول البكري: هو جبل ململم من جبال تهامة لم يعله قط أحد، ولا يدرى ما ذروته، وبأعلاه الينابيع تنساب، ويطل على ساية وهي واد عظيم به أكثر من سبعين عينا. ذاك بعض ما قالته كتب التراث عن (شمنصير)، وتلك أسئلة قابلتني حديثا، عندها عقدت العزم ألا أضع عصا ترحالي إلا على قمته، وتوقعت أن موقعا كهذا قد امتدت إليه يد الاهتمام كيف لا؟
ونحن لدينا هيئة للسياحة والآثار تتلمس الأماكن السياحية والتراثية لتعتني بها، عموما توجهت إلى الجبل وفي الذهن ما ذكره المؤرخون، وإذا به شامخ يعلن التحدي، والطريق إليه قطعت أوصاله السيول، وقبلت التحدي فقطعت بعض الطريق بالراحلة وبعضها بالأقدام حتى علوته. فإذا بي أمام منتجع سياحي لم تلوثه يد التمدن، على قمته أشجار (القرض والشث) المخضرة، وعلى شرفته الغربية واد منبسط يسمى (نخب) تتناثر فيه مبان عتيقة كحبات بيض، درجة الحرارة متدنية، وشمس الأصيل تنفض تبرها على حواشي الأفق والجبل بشموخه يرسم صورة لما خطته القرون الغابرة. تمنيت لو رافقني الموريتاني أو الليبي أو رافقت الرشيد، وتمنيت لو أدركت الهيئات المختصة لدينا قيمة الأماكن التراثية والمنتجعات السياحية لتقف عليها يوما، وألقاكم.