الحج على ظهر جمل
بقلم : علي يحيى الزهراني
المسافة كبيرة جداً ما بين الحج على ظهر الجمل و الحج على المرسيدس ..ويظل ( الأهم ) هو في من يستوعب هذه الفوارق و يقدرها !!.
*- نوى الجد»حامد»أن يحج..
ليست المرة الأولى التي ينوي فيها الحج ..
وكذلك غيره من أبناء قريته و القرى المجاورة ..!!..
… أكثر من مرة ينوون .. و يتوقون .. و لكن !!.
القضية ليست لها علاقيتها المطلقة ( بالقدرة المالية ) ..
فهؤلاء حتى و إن كانوا بسطاء و عاميين و أحوالهم المادية (مستورة)
إلا أن لديهم من الوازع الديني الفطري
ما يجعلهم يبيعون من (مواشيهم) كي يجمعوا ثمن تكاليف رحلة الحج.!!.
وبعضهم لا يهتم بتكاليف الرحلة .. كما نفعل نحن اليوم من تذاكر و حجوزات وفنادق و .. و .. و ..
المسألة عنده لا تتجاوز (بعض ) الزاد .. و ( راحلة )..
و في الطريق قد يجد مايسد الرمق عند أهل العشش و بيوت الطين و الحجر التي تتأثر على السفوح و بطون الشعاب !!
… المقصد .. لو نوى أحد الحج فليس ( بطنه ) هو أكبر همه ..!!
هناك أشياء أخرى تشكل هواجيس عند الجد حامد و (ربعه) .. و ربما عند الكثير !
(الأمن) يأتي في طليعتها !
* أعود إلى حكاية حج الجد حامد ..
ذات مساء انبعث من حلق الوادي صوت شجي ..
..( لبيك اللهم لبيك )… ذلك صوت الجد حامد .. نوى الحج .. تجاوبت معه كل الأصوات الراغبة في رحلة العمر ..
اهتزت جنبات الوادي و تحول ليل الريف الهادئ إلى وهج من الشعور المثير!!
… (هنا) حالة متشابكهة متداخلة لا تكاد تستبينها بالضبط..!!
هل هي حالة فرح ؟
هل هي حالة حزن ؟
لا تدري تحديداً .. لكنها حالة مختلطة من الدعاء و الدموع و الفرح و التوديع الباكي !!..
.. أهالي القرى يتجمعون .. يودعون حجاجهم بحرارة و كأنه الوداع الأخير ..
الحجاج يوصون الأهل و الجيران و الأبناء …
وكأنها وصايا أناس قد لا يعودون !!
* الجد (حامد) يحج على ظهر جمل ، و كذلك رفاقه ..
… الرحلة شاقة .. يضربون أكباد الإبل قرابة الشهر ..
يقطعون الفيافي و القفار .. تتقطع بهم السبل .. يسيرون قوافل متقاطرة كي لا يقطعها أحد و لا يخترقها أحد !!
و حين يبيتون ..يتراصون إلى جوار بعضهم !!..
… قطّاع الطرق يعتدون على من ضل به بعيره .. يأخذون ما معه من المال و يأخذون البعير ثم يلقون به في الصحراء !!
أحياناً قطّاع الطرق يكونون أكثر تهذيباً فيطلقون رصاصة الرحمة عليه كي لا يتعذب في القفار ..
و عند قطّاع الطرق قد تكون قيمة الرصاصة و حمل بعير أغلى من دماء البشر!!
الجد (حامد) و رفاقه يتنفسون الصعداء و يهللون و يكبرون و هم على مشارف مكة !!..
* بعد الحج .. فرحُ العودة إلى الأهل لا يشرخه إلا الخوف من المجهول ..ومن القفار ومن قطّاع الطرق !!
أهالي القرى يحتفلون بعودة الحجاج .. يترقبون .. فجأة يبدأ ظهور القوافل .. تعلو الصيحات و الزغاريد .. و أصوات البنادق ..
أحمد و سعيد و سالم لم يعودوا في قوافل الحجيج
و لم يستطع الجد «حامد» أن يواجه أسئلة أهاليهم !!
إنهم ضحايا الأمن الغائب !!.
.**-.. عمّر الجد «حامد» طويلاً .. شاهد بدايات عهد النهضة ..
وكان يردد (الأمن نعمة .. أنتم في خير ..
سيارات و محطات و استراحات و تلفونات ..
ماذا تريدون أكثر من هذا )؟!
* (يا سادة ) .. الحج على ظهر جمل ليس حكاية من العصر الحجري .. إنها حكاية قريبة جداً منا ..
ربما بعض من عاشها لا زالوا شواهد فينا ..
لكن المسافة كبيرة جداً ما بين الحج على ظهر الجمل و الحج على المرسيدس ..
و يظل ( الأهم ) هو في من يستوعب هذه الفوارق و يقدرها !!.