أدب الحزن..!
بقلم : محمود كامل
تطوف بنا هذه الأيام «مواكب الحزن» متتابعة بما يسمح بتسمية ما نحن فيه بزمن الأحزان، وهو الزمن الذي حاولنا بثورة التحرير أن نهرب منه بفرصة نجاح أيامها الأولى التي أسقطت نظام مبارك العنيد، إلا أن الأحداث التالية – ولشهور طويلة- علمتنا حقيقة شعبية تقول : (جت الحزينة تفرح.. ما لقتش لها مطرح) ليبدو الأمر وكأن الحزن المكتوب علينا لا مهرب منه مما أفقد المصريين بشاشة وجوههم، وخفة دمهم الشهيرة التي استبدلت بغضب في الشوارع لا مبرر له، أدى إلى اشتباك الجميع مع الجميع فيما يمكن تسميته بـ»لعنة الغضب».
ولقد طالت تلك اللعنة أماكن لم يكن من المعقول وصولها إليها، خاصة «مواقع العزاء» بمساجد لها حرمة تعلمناها منذ الصغر لنفاجأ باشتباك معزين مع معزين آخرين بينهم رجال دولة قدموا للعزاء في شهداء للوطن من جنود قواته المسلحة فيما يمثل دهشة شديدة للعديد من الحاضرين بانعدام قدسية المكان عند بعض الحاضرين المشتبكين في خناق مع آخرين، وهو ما لا يليق خاصة عندما تطغى أصوات الاشتباكات على صوت مقرئ القرآن الذي تربينا على الإنصات لما يقول احتراما وتنفيذا لقول الله تعالى: «وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون» وهو ما نسميه «أدب الاستماع للقرآن»!
إن التردي الأخلاقي الذي نعانيه الآن في مواقع كثيرة حيث يسيطر «الغضب على الغضب» يستحق وقفة جادة لإنقاذ ما تبقى من أخلاقيات مصرية أصيلة إذا كان ما زال لدينا ما يستحق الإنقاذ ذلك أن من سوف يدفع ثمن التردي غير المسبوق هم المصريون وحدهم، ومن ثم فإن إنقاذ ما تبقي يصبح ضرورة حيث احتمال أن يعاد إعادة البناء من جديد على ذلك الذي تبقى حتى لا تتوه عنا قواعد البناء الجميل الذي كان، لنعد جميعا إلى صحراء الضحالة والجهالة والانتهازية التي ساد فيها مبدأ مهلك «أنا وبعدي الطوفان» مع أن الطوفان القادم –لا قدر الله- سوف يكتسح مع أولى موجاته كل الذين تصوروا –خطأ- أن مواقعهم العالية سوف تحميهم من مياه الطوفان وإلا كان ابن نوح أولى بالنجاة، حيث تصور الابن العاق أن هناك جبل يحميه من الطوفان الذي جاء بأمر إلهي عندما انتشر الفساد !!