باحث يكشف أسرار الفيروز فى مؤتمر سرابيت الخادم
كتب : د عبدالرحيم ريحان
تحت رعاية الدكتور خالد العنانى وزير الآثار واللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء نظمت منطقة آثار سرابيت الخادم للآثار المصرية القديمة دورة تدريبية ومؤتمر علمى بمنطقة أثار سرابيط الخادم فى الفترة من 26 إلى 28 أبريل.
وقدم الدكتور أحمد منصور نائب مدير مركز دراسات الكتابات والخطوط بمكتبة الإسكندرية والباحث فى الآثار والحضارة المصرية القديمة وتاريخ الكتابة بحثا عن الفيروز الذى يطلق عليه فى مصر القديمة "مفكات" وهو معدن يتكون من فوسفات الألومنيوم والنحاس فهو معدن فى التركيب الكيميائى لكنه حجر في الشكل ،وهو حجر سهل الخدش وخفيف الوزن ضعيف جدا تتخلله مسام كثيرة لذلك فهو عرضة للكسر والتهشيم سريعا، خاصة وأن الفيروز السيناوى وهو الموجود فى مصر يتميز بكثرة العروق البنية اللون فيه ويمكن المحافظة على شكل الحجر عبر طبعه على مادة الراتينج الصمغية أو على الشمع.
شهرة الفيروز
ويوضح الدكتور أحمد منصور أن سبب شهرة الفيروز فى مصر القديمة لاستخدامه فى الحياة اليومية، وخاصة فى صناعة المجوهرات حيث عثر عالم الآثار فلندرز بيتري عام 1902 على أربع أسوار ذهبية مطعمة بأربع خرزات من حجر الفيروز بمقبرة الملك دن من عصر الأسرة الأولى ،وهو ما يوضح اهتمام المصريين القدماء في فترة مبكرة من التاريخ المصري بتعدين الفيروز كذلك استخدم الفيروز فى تطعيم الأساور الذهبية للملكة حتب-حرس زوجة الملك سنفرو وأم الملك خوفو من الأسرة الرابعة ،كما استخدم الفيروز فى صناعة التمائم الصغيرة والتي كانت تلضم مع بعضها البعض، وتزين الصدريات أو العقد بالنسبة للنساء واستخدم فى صناعة أقراط الأذن.
وتذكر المصادر الأدبية أن الملك سنفرو أراد التنزه فى يوم من الأيام فأشار عليه كبير الكهنة بإرسال مجموعة من عشرين فتاة يجدفون به في بحيرة القصر، وفى أثناء الإبحار فقدت إحداهن قرط أذنها المصنوع من الفيروز العالى الجودة ،وحزنت حزنا شديدا وأصرت على العثور على هذا القرط وإلا لن تجدف هى وزميلاتها ،وبالفعل أمر الملك سنفرو بالبحث على هذا القرط حتى تم العثور عليه والشاهد من هذه القصة هو الفيروز عالى الجودة كان من المعادن النفيسة في مصر القديمة.
والسبب الثانى لشهرة الفيروز هو الاستخدام الدينى له حيث يدخل فى كثير من الطقوس الدينية مثل طقسة تأسيس المعبد ودور الفيروز في بيت الولادة (الماميزى) ،وعلاقتها بإعادة الولادة الجديدة وحمياته للأم من مخاطر الوضع ودور الفيروز بالاحتفال بالسنة الجديدة، وكذلك ارتباط الفيروز بفيضان النيل من ناحية يتلازم ذكر كل من الفيروز واللازورد فى كثير من النصوص المصرية القديمة حيث شبه الأخير بالشمس والأول بالقمر ،ومن ناحية أخرى يرتبط الفيروز في مصر القديمة ببعض المظاهر الكونية مثل ارتباط الفيروز بالأفق من خلال خاصية اللون الأزرق الفاتح التي يتمتع بها الفيروز ،وعلى الجانب الآخر ورد ذكر الفيروز فى النصوص الدينية فى مصر القديمة نصوص الأهرامات ،ونصوص التوابيت وكتاب الموتى حيث ورد فى نصوص مرتبطة بتعاويذ تحمى الملك المتوفى أو الشخص المتوفى من الجوع والعطش ،وتعاويذ أخرى مرتبطة بالصعود إلى السماء (خروج الروح).
تعدين الفيروز
ويشير الدكتور أحمد منصور إلى أن ملوك مصر القديمة لم يدخروا جهدا في إرسال البعثات التعدينية لمناطق تعدين الفيروز فقد أرسل الملك أمنمحات الثالث من الأسرة الثانية عشر من 18 إلى 20 بعثة تعدينية إلى منطقة سرابيت الخادم فقط لتعدين الفيروز، وأرسل الملك أمنمحات الرابع 4 بعثات لسرابيت الخادم ،بإلاضافة إلى البعثات التعدينية في عصر الدولة الحديثة فى زمن كل من أحمس ،وأمنحتب الأول، وتحتمس الأول ،وتحمتس الثالث، وتحتمس الرابع، وسيتي الأول ،ورمسيس الأول، ورمسيسي الثانى ،ويعتبر الملك رمسيس السادس هو آخر من عثر على اسمه في معبد حتحور، وهذا يشير إلى نقطيتين الأولى هى احتمال توقف أعمال تعدين الفيروز، والثانية أن تكون أعمال التعدين قد استمرت بعد هذا التاريخ لكن لم يعثر حتى الآن على شواهد آثرية تؤكد هذا الزعم وهو الاحتمال الأرجح خاصة وأن الفيروز استخدم في عصر البطالمة بكثافة شديدة في الطقوس الدينية، إلا إذا البطالمة قد حصلوا على هذا الفيروز من بلاد فارس، وكذلك أفغانستان حيث تعتبر أكبر مستودع لحجر الفيروز على مستوى العالم…
وتم تعدين الفيروز بسيناء من سرابيت الخادم والمغارة ووادى خريج ،وكان فصل الصيف هو الفصل المفضل لبعثات تعدين الفيروز حيث عثر على عشرة تواريخ تحدد مواعيد انطلاق البعثات جاء ست منها فى فصل الصيف، وتعتبر حرارة الشمس والرطوبة العالية من أكثر عوامل إتلاف الفيروز وتحول لونه إلى الأزرق الباهت أو الأخضر الباهت، لذلك كان رئيس البعثة وهو من موظفى الإدارة المالية عادة ما يكون حذرا في تجميع الفيروز المستخرج من الجبل أولا بأول وحفظه فى الخزانة الخاصة بمقتنيات البعثة، وعلى الناحية الأخرى انطلقت بعض البعثات فى فصل الشتاء، ومن المحتمل أنها اتخذت الطريق البري تجنبا للعواصف البحرية عند الابحار فى البحر الأحمر.
تنظيم البعثة
يؤكد الدكتور أحمد منصور أن البناء الوظيفى لبعثات تعدين الفيروز يتمثل فى التقسيم الوظيفى، أو توزيع المهام على أعضاء البعثة مثل المهام القيادية ومهام الإشراف على كافة المستويات العليا والدنيا (مثل مجموعات العمل الصغيرة المؤلفة من 10 افراد) والمهام المساعدة مثل فئة الأطباء والنحاسين المسئولين عن إصلاح أدوات التعدين والخبازين، وكذلك فئة الكهنة المصاحبين للبعثة سواءا لترتيل الصلوات اليومية لبدء عمليات التعدين أو الخاصة بتقديم الفيروز إلى حتحور ربة الفيروز.
وأما المكافآت والأجور في عمليات تعدين الفيروز فكانت تتم مقابل الخبز والبيرة ،وفي بعض الأحيان قطعة من اللحم كمكافأة إضافية للإجادة علما بأن كميات الخبز والبيرة كانت توزع على جميع العاملين، لكن هناك كميات إضافية تصرف للعمال الذين يقومون بتعدين كميات أكثر من الفيروز، وقد حملت المعبودة حتحور العديد من الألقاب المرتبطة بالفيروز منها سيدة الفيروز ،وسيدة الفيروز واللازورد، وسيدة اللون الجميل، وسيدة أرض الفيروز، وسيدة مدينة الفيروزز