ابها "المسلة" … أعادت الأجواء المناخية المطيرة التي تعيشها مناطق جنوب السعودية جدولة السياحة الموسمية، بحسب مختصين في قطاع السياحة، معتبرين التحولات المناخية والطبيعة التي تعيشها المنطقة عادت بالذكرى إلى أكثر من 15 عاما مضت، كانت فيها الأمطار تتواصل على كثير من المناطق خاصة في محافظة النماص، حيث باتت المسطحات الخضراء مركز جذب رئيسي للزوار، مضافا إليها رائحة الأرض المشبعة بمياه الأمطار، مما ينبئ بموسم صيفي جاذب.
محافظة النماص الصغيرة، تقع في منطقة عسير، على سلسلة جبال السروات, وتتميز بالطبيعة الخاصة التي يكثر فيها الغطاء النباتي, واعتدال المناخ صيفا. وتقطن المحافظة قبائل بنو شهر وبني عمرو, وتتوفر فيها الكثير من الخدمات الحكومية.
وتقع النماص على الخط الإقليمي (الطائف – أبها) وتبعد عن مدينة الطائف جنوبا 450 كلم وعن مدينة أبها شمالا 150 كلم على قمم جبال السروات في الجنوب الغربي من الجزيرة العربية.
الانطلاقة الطبيعية التي تشهدها محافظة النماص تكاد تكون ركيزة أساسية ومهمة لتنمية السياحة لهذا العام، وعلى ذلك ذكر لـ«الشرق الأوسط» معدي الشهري، المؤرخ الجغرافي، أن الوضع المناخي الذي طرأ على محافظة النماص يفتح لنا ملف الطبيعة قبل ما يقارب الخمسة عشر عاما وربما أكثر.
وزاد: «محافظة النماص ومركز تنومة من المناطق التي تتمتع بجغرافية طبيعية خلابة؛ فالمدرجات الخضراء والجبال الشاهقة وتراص الحجار بين المرتفعات تعكس صورة إبداعية تقاس بروعة المناخ خلال هذا الموسم».
الزراعة لم تطوَ بعد عند أهالي تلك القرى التابعة لمحافظة النماص، إلا أن شح الأمطار أجبر أهالي المحافظة على الإدبار عن زراعة مزارعهم والاكتفاء بزراعة بعض القطع الزراعية الصغيرة، لجني قوت يومهم، ولكن التحول المناخي الحالي استقطب أهالي تلك القرى ورفع من معدل النشاط الزراعي وزاد من كمية المحاصيل الزراعية كإشارة إلى بدء مرحلة اقتصادية جديدة تعادل التحسن المناخي للمنطقة.
خلوفة الكلثمي، أحد أهالي المنطقة، يحكي لـ«الشرق الأوسط» بعض أوجه الاختلاف والتشابه بين اليوم وقبل عشرين عاما، حيث قال: «تأخذ درجة الحرارة في النماص خلال فصل الصيف صفة الاعتدال حيث لا تتجاوز 26 درجة مئوية, وذلك يعود لارتفاعها الكبير عن سطح البحر. أما في فصل الشتاء فتتدنى درجة الحرارة كثيرا, وتصل أحيانا إلى الصفر المئوي, ويغطيها الضباب بشكل كلي أو جزئي في أغلب أوقات السنة».
ويقول الكلثمي: «الضباب هو السمة المناخية التي تنفرد بها محافظة النماص، حيث سميت النماص بأرض الضباب، وذلك لانعدام الرؤية خلال مواسم محددة وأوقات معينة، إلا أن لتلك الظاهرة المناخية طقوسا خاصة من الذكريات لكل من عاش أوقاتها؛ فقديما كانت الزراعة الركيزة الأساسية والأولى لحياتنا، وبدأت تلك الركيزة بالتكسر جراء التغيرات المناخية المتواترة، وهذا كان سبب مساند للهجرة المحلية، ولكن ما نعيشه مناخيا اليوم سيسهم في إحقاق النقلة السياحية والزراعية التي حجمت مؤخرا بسبب اختلاف المناخ».
مقومات سياحية تزدان بها النماص وتكتلات أثرية تزيح الستار عن تراث وثقافة أزلية دفعت بالأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، إلى تكثيف دور هيئة السياحة في ترميم القلاع الأثرية وتكثيف الاهتمام بالأركان السياحية التابعة للمحافظة.
وهذا ما أكده حسن بن فراج، محافظ النماص، حيث قال: «تعد محافظة النماص ضمن أهم المحافظات السياحية التي توليها هيئة السياحة اهتماما خاصا، نظرا لما تتمتع به من مقومات سياحية وقرى تاريخية كبيرة تعد ثروة وطنية ومقصدا سياحيا مميزا على مستوى المدن السعودية، حتى إن الأمير سلطان وجه بتهيئة قصر ثربان وتوظيفه تراثيا، إضافة إلى المباني القديمة في الحي القديم، بجانب عمل مخطط عام للأخير، يشمل إعادة تأهيل المباني التراثية ومعالجة التشوه البصري وتأهيله استثماريا لما يخدم المحافظة سياحيا، بما فيه إعمال إدارات حكومية ذات علاقة بالمكان وهذا يضاف إلى الملف السياحي التاريخي والمناخي والجغرافي لمحافظة النماص».
التخطيط لرحلات الصيف هذا العام أصبح تحت بند إعادة جدولة الوجهات السياحية الخاصة بالسياح السعوديين؛ فالموسم الحالي من الأمطار المتواصلة على منطقة عسير وخاصة محافظة النماص دفعت البعض إلى استهداف النماص كوجهه سياحية جديدة.
وعلى ذلك، ذكر ظافر الخشرمي، أحد منسوبي القطاع التعليمي، أن منطقة عسير أو محافظة النماص بالتحديد، لم تكن ضمن الخيارات السياحية، معللا ذلك بأن المحافظة العام الماضي كان يبدو عليها الذبول المناخي، وانعكس بدوره على الطبيعة النماصية المتعارف عليها بين أبنائها وزوارها، إلا أن التكنولوجيا باتت الرابط القوي بين المتلقي والتحولات المناخية لتلك المرتفعات الجنوبية السعودية، فبعد أن سمعنا ورأينا ما آلت إليه تلك المحافظة بات من الضروري أن ندرج محافظة النماص ضمن قائمة الوجهات المستهدفة وربما تكون النماص على رأس القائمة.