تونس "المسلة" …. تهويل الإعلام لبعض الأحداث.. أثر على فهم الفاعلين السياحيين الأجانب لحقيقة الوضع ـ قال إلياس فخفاخ وزير السياحة أن الوقت مازال متوفرا لإنقاذ الموسم السياحي الحالي شرط مزيد تحسن الوضع الأمني والعمل على بعث رسائل طمأنة للأسواق السياحية. وأكد في حديثه مع "الصباح" أن الإعلام لعب دورا في تهويل بعض الأحداث مما ساهم في نقل صورة سلبية للخارج.. مما أثر على فهم الشركاء السياحيين الأجانب لحقيقة الوضع على أرض الواقع..
وأشار الوزير إلى أنه يتفهم الضغط المسلط على المهنيين في القطاع مؤكدا الانتهاء قريبا من دراسة بعض الملفات والمطالب العاجلة وفي مقدمتها اجراءات المساندة.
وفي ما يلي نص الحوار:
أجرت الحوار: منى اليحياوي
* السؤال الأول الذي يطرح نفسه هو الوضع الحالي للقطاع الذي يعتبره البعض "كارثيا" لا سيما بعد مرور شهر من السنة الجارية دون تحسن مؤشرات التدفق السياحي مما يلوح بموسم سياحي جديد في مهب الريح. فما صحة هذا التقييم؟
– صحيح تقييم الوضع الحالي للقطاع يبرز صعوبات كبيرة في ظل تواصل تراجع الأسواق الأوروبية بحوالي 45 بالمائة. وهو نتيجة منطقية للسنة الفارطة التي كانت استثنائية بسبب الثورة والانفلات الأمني الذي جعل قدوم السياح إلى تونس غير ممكن.
لكن مع بداية الموسم السياحي الحالي عمليا تغيرت الأمور بعد الانتخابات وتركيز السلطات الشرعية.. وهذا يجعلنا متفائلين للرجوع إلى السير العادي للقطاع السياحي والمطلوب الشروع في العمل الجاد في هذه الفترة من السنة والتركيز على الترويج للوجهة التونسية لا سيما وأن الثلاثية الأولى تعد الوقت المناسب للترويج لعطلة الربيع وموسم الصيف وهذا ما شرعنا في تجسيمه فعليا على 3 أصعدة. أولا جلب الفاعلين في الأسواق السياحية من صحفيين ومختصين في القطاع للإطلاع على تونس الجديدة بعد الثورة والتي تثير فضول الكثيرين عبر العالم للقدوم والإطلاع عن كثب عن تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس وثانيا من خلال الشروع في تنفيذ حملات الترويج الكلاسيكية مع محاولة التركيز دائما على الوجه الجديد لتونس.وثالثا عبر المشاركة في الصالونات السياحية وكان آخرها" الفيتور" باسبانيا الذي أثمر على هامشه الاتفاق مع المنظمة العالمية للسياحة على استضافة تونس للمؤتمر العالمي للسياحة الذي سيعقد في جربة أيام 16 و17 أفريل القادم بحضور حوالي 300 مشارك. وفي السياق ذاته ستنظم الوزارة ورشة عمل حول دفع التدفق السياحي على الوجهة التونسية بحضور رؤساء أكبر وكالات الأسفار الأجنبية ومتعهدي الرحلات من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبحضور أعضاء من السلك الديبلوماسي وأعضاء الحكومة والمهنيين لتقديم تصور الحكومة للقطاع وتنظيم زيارات ميدانية وعقد لقاءات ثنائية لضبط خطة عمل لانقاذ موسم 2012.
* نلمس في حديثك الكثير من التفاؤل الذي قد لا نجده لدى الكثيرين خاصة مع تواصل غياب الأمن.. فهل تعتبرون أنه بالإمكان عمليا وفي ظل الظروف الراهنة انقاذ الموسم السياحي الجاري؟
– مازلنا في الآجال ولم نهدر دقيقة واحدة منذ تركزت الحكومة الحالية التي لا يجب أن ننسى أنه لم يمض سوى شهر واحد على توليها مهامها.. وزيادة على المجهودات المبذولة التي ذكرتها آنفا سأقوم في القريب العاجل بزيارة إلى فرنسا التي تعد من أهم الأسواق للوجهة التونسية. وقريبا ننتظر قدوم عدد هام من الصحفيين الألمان للترويج للسياحة التونسية في السوق الألمانية..
لكن الأكيد أن كل هذه الجهود تظل رهينة توفر الأمن من جهة وتحسن آداء الإعلام الوطني ليكون أكثر مسؤولية وتوازنا في تغطية الأحداث الاجتماعية والإعتصامات والأحداث المتفرقة التي لا نختلف في ضرورة تغطيتها ومعالجتها لكن لا يجب اعتماد منهج التهويل في التغطية الإعلامية لبعض المظاهر السلبية وإغفال الحديث على النواحي الإيجابية.. لأن الإعلام الأجنبي يرتكز كثيرا على ما ينقله الإعلام الوطني وإن عدم إعطاء الأحداث حجمها الحقيقي يساهم في تشويه صورة تونس في الخارج.
* هل نفهم أنك تلوم الإعلام على تضخيم بعض الأحداث مما أثر سلبا على قدوم السياح إلى تونس؟
-..صحيح هناك تحسن في آداء وسائل الإعلام الوطنية في الآونة الأخيرة لكن مازلنا نلمس نوعا من عدم التوازن.. وهذا ليس من قبيل التدخل في الشأن الإعلامي لكن يجب أن لا ننسى أن الثورة قامت أيضا من أجل تحرير الإعلام ويتعين أن يعكس الإعلام حقيقة الأوضاع دون مبالغة ولا تحريف.. وشخصيا أشعر أن بعض ما ينقله الإعلام الوطني ليس له أثر بالحجم ذاته عندما نطلع عن كثب على حقيقة الوضع..
* لكن هناك وقائع قد لا يتحمل الإعلام مسؤولية نقل صورتها السلبية إلى الخارج على غرار ظاهرة السلفيين في الجامعات وما جد في سجنان وغيرها من الأحداث التي تطرق لها أيضا الإعلام الأجنبي وتساهم في تشويه صورة تونس كبلد سياحي معتدل ومتسامح.. فكيف ترون المسألة؟
-..لنتفق أولا أن كل دولة تخرج من ثورة وكل بلد ديمقراطي يبرز فيه عادة ما يسمي اليمين المتطرف وأي حزب أو توجه عندما ينخرط في الدولة المدنية ويحترم قانونها يمكن أن يكون له المذهب الذي يريده في إطار إحترام القانون، وهي أمور عادية. فقط ما يخيف هو تحولها إلى مظاهر عنف على المواطنين أوعلى السياح الأجانب..
وظاهرة السلفيين لم تبرز اليوم بل وجدت حتى أثناء الحملة الانتخابية ولم نتطرق لها حينها ولا نعرف لماذا نركز عليها الإهتمام اليوم؟ (وهذا لا يعني أيضا أنه لا يجب الحديث عنها) لكن إعتصاما في جامعة من الجامعات التونسية، وإن كان غير مقبول ويجب معالجته، فلا يجب إعطاؤه أكثر من حجمه وخلق مناخ من الخوف والرعب.
والصحفيون الأجانب والفاعلون السياحيون يسألوننا عن حقيقة الوضع في تونس وعندما نتحدث معهم وننقل لهم الواقع يتفهمون ويقتنعون.
* للتوضيح أكثر هل تشعرون أن ظاهرة السلفيين تخيف المتعاملين السياحيين الأجانب مع الوجهة التونسية أم لا؟
-..هم ليسوا متخوفين وليسوا مطمئنين أيضا.. لكنهم يريدون فهم حقيقة الوضع. وقد كان لي مؤخرا لقاء رفقة وزير الخارجية مع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وتحدثنا بكل شفافية وصراحة عن الوضع في تونس وتوجهات الحكومة ورؤية الأحزاب.. ولمسنا لديهم الكثير من عدم الفهم الذي يجب تداركه ببعث رسائل طمأنة.. وبتحسن الوضع الأمني أكثر وتقديم الإعلام الوطني صورة حقيقية للأحداث وتكثيف اتصالات المهنيين بشركائهم يمكن عمليا استرجاع الثقة في الوجهة التونسية.
* أطلقت مؤخرا جامعة وكالات الأسفار صيحة فزع حول مستقبل القطاع وقد تتلوها صيحات أخرى من القطاعات المرتبطة بالنشاط السياحي.. فهل وصلتكم هذه الصيحات خاصة وأن هناك اتهامات بعدم وجود آذان صاغية لدى الإدارة.. فما تعليقكم؟
– تضرر كثيرا قطاع وكالات الأسفار بعد الثورة حاله حال قطاع الفنادق والطيران.. والجميع يعانون ضغوطات في ظل انعدام الرؤية الواضحة وعدم عودة العجلة إلى الدوران بشكل طبيعي ونحن نتفهم ذلك..
لكن يجب التذكير دائما أنه لم يمض إلا شهر واحد على مباشرة المهام وقد استقبلت ممثلي جامعة النزل وجامعة وكالات الأسفار واستمعت لطلباتهم.. وسارعنا بوضع ملف تفعيل إجراءات مساندة القطاع والمهنيين ضمن قائمة الأولويات وفي غضون 10 أيام سننتهى من دراسة الملف مع وزارة الشؤون الاجتماعية مع إقرار مفعول رجعي لإجراءات المساندة من بداية شهر جانفي.
*ماذا عن الملفات الأخرى العاجلة التي انطلقتم في دراستها منذ توليكم مهام الوزارة؟
– من الأمور العاجلة التي ننكب حاليا على دراستها لا تدعيم النقل الجوي من خلال تحمل جزء من تكاليف "المجازفة" لمزيد تشجيع الحجز باتجاه الوجهة السياحية التونسية وهو تمش تم اعتماده السنة الفارطة وسيتواصل العمل به هذا الموسم..
وكخطوة نحو تنويع المنتوج وتشجيع الاستثمار في أنماط الإيواء الجديدة ستصدر قريبا النصوص التشريعية الخاصة بتنظيم مجال الإقامات الريفية ودور الضيافة والانتهاء قريبا من اعداد خارطة للمسالك السياحية ذات القيمة المضافة…
* وماذا عن معالجة مشكل مديونية القطاع الفندقي وإعادة هيكلة الإدارة لتجاوز مشكل التنسيق بين المتدخلين في القطاع وهي مشاكل أساسية في السياحة التونسية تطرقت لها الدراسة الاستراتيجية لتنمية القطاع في أفق 2016 والتي لا نعرف مصيرها اليوم؟
– بشأن الدراسة الاستراتيجية نحن نعمل حاليا على تحيينها باتجاه ترتيب الأوليات استنادا للوضع الراهن ووضع خارطة طريق لهذه السنة.. أما موضوع المديونية الذي أثر كثيرا على قطاع الفنادق والبنوك على حد السواء فهناك لجنة تعمل منذ شهرين تقريبا بالتنسيق مع البنك العالمي وبمشاركة وزارة السياحة ووزارة المالية والمهنيين في القطاع لتدراس المسألة اعتمادا على 10 خبراء من البنك الدولي قاموا بإعداد تقرير حول الوضع في تونس وسنجتمع قريبا لإقرار الحلول الممكنة استنادا لتجارب بعض البلدان الأخرى.
* موضوع آخر يكتسي أهمية ويتطلب قرارا عاجلا وواضحا وهو فتح السماوات أمام شركات النقل منخفضة الكلفة لتحسين مردود القطاع السياحي. لماذا يظل الأمر معطلا إلى اليوم ؟
طلبات السائح اليوم تحتم تفعيل قرار فتح السماوات في أقرب الآجال بالتوازي مع دعم الترويج السياحي عبر الأنترنات…لقد كانت كل الأمور "مسيسة" في السابق مع وجود بعض المصالح الشخصية.. لكن اليوم تغيرت الأمور ولا خيار اليوم سوى خيار الإنفتاح لا سيما وأن الدول التي اعتمدت سياسة "السماوات المفتوحة" نجحت في مضاعفة عدد السياح الوافدين عليها. لقد عقدنا اجتماعات للغرض لبحث الطريقة الأنجع لتفعيل القرار الذي سيتخذ في أقرب الآجال.
* تزامنا مع فوز النهضة وما برز من تقارب مع دول الخليج.. تحدث البعض عن تغيير الوجهة نحو جلب السياح الخليجيين.. وتحدث البعض عن التوجه نحو سياحة وفنادق "الحلال" رغم أن الكل يعلم أن تونس لا تقدم المنتوج الذي يستهوي الخليجي.
– الانفتاح على أسواق جديدة ليس توجه النهضة فقط أنا أمثل حزب التكتل ونحن ندعم التنويع والانفتاح على الأسواق الأخرى ذات القيمة المضافة العالية.
ولعل الخلفية في طرح موضوع التوجه نحو الخليجيين على حساب الأسواق الأخرى هو الادعاء اننا سنغير توجهات تونس لإرضائهم وهذا امر غير صحيح..
نحن لدينا أسواقنا التقليدية وسندعمها ونحرص عليها وسننفتح على أسواق جديدة بما فيها روسيا والصين ودول الخليج مع مزيد الانفتاح على أسواق الجوار والاستجابة لخصوصيات سياح هذه الأسواق.
والسائح الخليجي مرحب به في تونس وهذا ليس خاصا بالنهضة فتونس مفتوحة للجميع ونرغب في قدوم السياح من أمريكا والصين وقطر ودبي وتركيا أيضا.