القاهرة " المسلة" تحليل مالى ل " باتريك ور" رويترز – لا تمتلك مصر خيارات عديدة غير العودة الى صندوق النقد الدولي ليساعدها في الحصول على ما يصل الى 15 مليار دولار لتفادي أزمة مالية شاملة لكن يبدو أن المجلس العسكري الحاكم يحاول تأجيل الامر لتجنب اللوم على طلب أموال من مؤسسة أجنبية أثناء ادارته لشؤون البلاد.
ويقول اقتصاديون ان برنامج تمويل قيمته ثلاثة مليارات دولار كانت مصر قد تفاوضت بشأنه مع صندوق النقد الدولي ثم رفضته في يونيو حزيران قد لا يكون كافيا الان لادارة خفض محكوم في قيمة العملة والسيطرة على عجز الميزانية.
ومما يضيف الى متاعب الاقتصاد الذي أنهكته أشهر من الاضطرابات والعنف أن مؤسسة موديز خفضت التصنيف الائتماني لمصر درجة واحدة هذا الاسبوع وحذرت من أن البلاد قد تكون مقبلة على خفض اخر بسبب الضبابية السياسية.
وقال سيد هيرش الخبير الاقتصادي لدى كابيتال ايكونوميكس "هذا لا يكفي لانه حين جرى التفاوض على ثلاثة مليارات دولار في يونيو كان الوضع مختلفا جدا."
وأشار وزيران تسلما حقيبة المالية أثناء العملية الانتقالية في مصر وكلاهما الان خارج المنصب بالاضافة الى وزيرة التخطيط والتعاون الدولي التي مازالت في منصبها ورئيس الوزراء الجديد جميعا الى أن مصر تدرس أو تحتاج مساعدة من صندوق النقد الدولي.
لكن في أغلب المرات حين يبدو أن المسؤولين الحكوميين يقتربون من التوقيع يبدي الجيش تردده.
وقال اللواء مختار الملا عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة للصحفيين هذا الشهر ان الاسهل على المجلس العسكري أن يقبل قروضا من الخارج ويوزعها على الشعب المصري ليعيش حياة أفضل ثم يسلم السلطة ويتحمل الشعب المصري سداد هذه الديون.
ويرتبط صندوق النقد الدولي في أذهان كثير من المصريين الذين يتابعون الوضع المالي للبلاد بشروط صارمة أضرت جزءا كبيرا من المجتمع رغم أن اقتصاديين يقولون ويعترف مسؤولون في أحاديث خاصة بأن هذه الاجراءات ساعدت الاقتصاد ككل.
واعترف مسؤولون أيضا فيما بينهم بأن التمويل الاخير لم يتضمن شروطا كثيرة وهو ما قالته أيضا مصادر مطلعة على محادثات مع مؤسسات في واشنطن.
وقال رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري -الذي عينه الجيش وكان رئيسا للوزراء أيضا في التسعينات حين كانت مصر تنفذ برنامجا لصندوق النقد الدولي- الاسبوع الماضي ان الحكومة لن توافق على قرض من صندوق النقد حتى تصبح صورة الميزانية أكثر وضوحا.
لكنه قال ان الضرورة قد تقتضي ذلك وحذر من أن البلاد تحتاج بعض اجراءات التقشف لتصحيح وضعها المالي مع حماية المواطنين الاشد احتياجا.
لكن المجلس العسكري الحاكم وحكومته يخشون من خفض الانفاق نظرا لان الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك في فبراير شباط ترجع جزئيا الى غضب شديد لدى كثير من المصريين الذين شعروا أنهم يزدادون فقرا بينما تزداد النخبة المرتبطة بالسلطة ثراء.
ويترنح الاقتصاد المصري منذ أن تسببت الانتفاضة في خروج السائحين والمستثمرين ويقول بعض الاقتصاديين انه اذا لم تحصل مصر على تمويل خارجي قريبا فقد تواجه أزمة عملة وأزمة ميزانية في الربع الاول من 2012.
ويقول اقتصاديون ان المشكلات السياسية والاقتصادية تفاقمت منذ أن رفضت مصر قرض صندوق النقد الدولي في يونيو.
ولقي عشرات المحتجين حتفهم في اشتباكات مع الجيش واتسع العجز في الميزانية وزادت تكلفة الاقتراض المحلية وتراجعت احتياطيات النقد الاجنبي وانخفض الطلب على الصادرات المصرية مع ضعف الاقتصاد العالمي.
وقال اقتصاديون انه يجب اعادة التفاوض بشأن أي تمويل من صندوق النقد وزيادته وان أي تأخيرات ستؤدي الى تفاقم الازمة.
ومن المرجح أن تتزايد خسائر الجنيه المصري وهو ما سيرفع التضخم وأسعار الفائدة على الاوراق المالية الحكومية وقد يسبب مزيدا من الاضطرابات مع سقوط عدد أكبر من المواطنين في براثن الفقر كما سيؤدي الى تراجع الاستثمار الاجنبي المباشر بشكل أكبر.
وقال عدد من الاقتصاديين ان أي برنامج تمويل من صندوق النقد يجب أن يتراوح بين عشرة مليارات دولار و15 مليار دولار.
وقال هيرش "أعتقد أن الحكومة كانت تأمل أن تكون الاوضاع الاقتصادية الان مختلفة عما هي عليه."
وقد يستخدم جزء من تمويل الصندوق لمساعدة الحكومة على تمويل عجز الميزانية الذي يبلغ حاليا نحو 11 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي وذلك بأسعار فائدة أقل.
وبسبب اعتماد الحكومة على السوق المحلية فقط لجمع التمويل ارتفعت في الاسابيع الاخيرة أسعار الفائدة على بعض أوراقها المالية الى أكثر من 15 بالمئة مقارنة مع 1.5 بالمئة كانت ستدفعها مقابل قروض صندوق النقد.
وارتفاع تكلفة الدين يؤدي بدوره الى اتساع العجز ويجبر الحكومة على اقتراض المزيد.
وقد يستخدم جزء اخر من تمويل صندوق النقد في مساعدة البنك المركزي على اجراء خفض محكوم في قيمة الجنيه المصري.
وساعد البنك المركزي على المحافظة على قوة الجنيه منذ الانتفاضة عن طريق سحب نحو 16 مليار دولار من الاحتياطيات الاجنبية التي بلغت بنهاية نوفمبر تشرين الثاني 20 مليار دولار فقط. وتراجعت الاحتياطيات بمقدار نحو أربعة مليارات دولار خلال الشهرين الماضيين وحدهما.
وهذا التراجع السريع يجعل سياسة العملة لدى البنك المركزي غير قابلة للاستمرار ويقول اقتصاديون انه قد تحدث أزمة عملة خلال الربع الاول وهو وقت حرج سياسيا للمجلس العسكري حيث من المقرر أن يقود البلاد الى الحكم المدني.
وقال اقتصادي في سفارة دولة غربية "هذا خطير لانه سيكون قبل تسلم البرلمان لصلاحياته وقبل الانتخابات الرئاسية."
وبحسب الجدول الذي حدده المجلس العسكري سيبدأ انعقاد البرلمان في ابريل نيسان وتعقبه عملية سياسية شائكة لكتابة دستور جديد ثم اجراء انتخابات رئاسية في نهاية يونيو.
وقال هيرش انه اذا نفذت الحكومة خفضا محكوما لقيمة الجنيه بدعم من تمويل صندوق النقد فان الجنيه سيتراجع الى 6.50 جنيه للدولار بنهاية يونيو من 6.01 جنيه في الوقت الراهن لكن اذا كان الانخفاض خارج السيطرة فقد يصل الى ثمانية جنيهات للدولار.
وسينعكس ضعف الجنيه في ارتفاع التضخم بما في ذلك ارتفاع أسعار واردات المواد الغذائية الاساسية مثل الشاي والسكر والذي سيؤثر بشدة على محدودي الدخل.
وقال دبلوماسي "الوضع السياسي لن يكون مواتيا لاصلاح الاقتصاد ومن المحتمل أن يعود الناس الى الشوارع ثانية. سيكون من الصعب القيام باجراءت تقشف.". وأضاف "التأثير السياسي لاي تقشف في الاشهر الستة المقبلة سيكون شديدا جدا.