Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

الاسلام فى نيبال … بقلم الكاتب الصحفى منير الفيشاوى

 

كتب : منير الفيشاوي

 

 

 

من العادي أن يحلم عشاق السفر والترحال بزيارة الهند والصين.. حيث عبق التاريخ وأمجاد الحضارات وتنوع الثقافات وتعدد اللغات وأصالة الشعوب وشموخ الجبال واعتدال المناخ، ولكني اخترت في نفس السياق أن أزور دولة تحتضنها كلتا الدولتين وتجمع بين مناقبهما، بلد برائحة الهند ونكهة الصين، إنها نيبال.. بلد الجبال والجمال.

 

 

 

 

 

 

 


 تقع نيبال في جنوب وسط آسيا، حيث تغطي سلاسل جبال الهيمالايا والتلال والوديان 80% من هذه الدولة، كما يغطي وادي التيراي المنبسط الخصيب -الواقع على طول حدودها مع الهند- باقي المساحة المتبقية، فيحد نيبال من جهة الشمال إقليم التبت التابع للصين، وتحيط بها الهند من الشرق والجنوب والغرب،علاوة على كون نيبال دولة داخلية لاتطل على أي بحر، وأقرب الموانئ بالنسبة إليها هو ميناء "كلكتا" الهندي المطل على المحيط الهندي.

 


والسفر من القاهرة إلى العاصمة النيبالية لابد وأن يمر عبر إحدى دول الخليج العربي، فعن طريق دبي وصلت إلى كتمندو.. التي تشتهر باسم مدينة "الشانجري لا".. أي الأرض ذات الجمال العذري، وفي اليوم التالي توجهت إلى أكبر مساجد العاصمة واسمه "كشميري جامع مسجد"، ويعدّ هذا المسجد الذي يفترش مساحة مترامية الأطراف من وسط مدينة كتمندو بمثابة مجمّع إسلامي ضخم، حيث يشتمل على ضريح الصوفيين اللذين حضرا من كشمير قبل حوالي ستمائة عام وشيداه بموقعه هذا، وكان بمثابة أول مسجد يتم تشييده بنيبال، ويتبع هذا المسجد ملاحق تتكون من طابقين وتتسع لمئات المصلين من الجنسين، كما يضم هذا المجمع الإسلامي الكبير مدرسة تدعى "مدرسة أحسن البركات" والتي تقوم بمهمة تدريس المواد الدينية وغير الدينية، علاوة على تحفيظ القرآن لطلابها، حسبما أخبرني الشيخ محمد علي منظر.. أحد أئمة المسجد.

 


وأثناء زيارتي للمجمع الإسلامي الكبير بالعاصمة كتمندو، تحاورت مع العديد من المسئولين به، ومعظمهم من خريجي الأزهر الشريف، حيث قصّوا على مسامعي الخلفية التاريخية لدخول الإسلام إلى بلدهم، والذي جاءها عبر محورين؛ الأول غربي من جهة كشمير، والثاني جنوبي عن طريق شبه القارة الهندية الباكستانية، ففي العام 1324 م شن "غياث الدين تغلق" ملك الهند حربا على بعض المناطق في نيبال، إلا أنه لم يسجل آنذاك أي إنجازات لصالح المسلمين، وإن ترك وراءه الكثير من أفواجه هناك، وفي العام 1349 م غزا السلطان شمس الدين حاكم البنغال.. كتمندو وبعض الدويلات الصغيرة فيها، ثم عاد من حيث أتى بسبب الشتاء القارس، إلّا أنه من الثابت والمؤكد تاريخيا أن صلة المسلمين بنيبال قد زادت وتطورت بشكل ملحوظ في عهد الإمبراطور المغولي "أكبر" الذي أرسل البعثات الإسلامية إليها في عام 1491.

 


وقد كان لجهود تجار كشمير أيضا أثر كبير في نشر الإسلام في نيبال، حين جعلوا من كتمندو مركزا لتجارتهم في البرد الصوفية والسجاد والشالات مع الهند والتبت، وبنوا مجمّعهم الإسلامي الكبيرهذا الذي يديره القبوريون والبريلوية، والذي كنت في رحابه أثناء تلقيّ هذه الخلفية التاريخية.

 


من ناحية أخرى فقد استقر عدد كبير من المسلمين بالمناطق المتاخمة على حدود الهند، بحكم أن معظم هذه المناطق السهلية انتقلت السلطة بها لحكام دلهي المسلمين، وحين فتح الملك "ناراين شاه" هذه المناطق في عهد الاحتلال البريطاني للهند، استقر المسلمون في أماكنهم كمواطنين نيباليين، وهكذا وصل الإسلام إلى أعلى مناطق العالم ارتفاعا، حيث تضم نيبال عشرة قمم من بين أعلى أربعة عشر قمة في العالم، وبالتالي فقد صعد الإسلام إلى جبال الهيمالايا وارتقى قممها، بل ومن الجدير بالذكر أن المغامر المصري الشاب عمر سمرة قد صعد إلى قمة افرست بنيبال في مايو من العام 2007، وقد التقيته وحكى لي تفاصيل صعوده كأول مصري عربي أفريقي – وربما- مسلم لأعلى قمة في العالم والتي تبلغ 8848 مترا فوق سطح البحر.

 


وبشأن عدد المسلمين في نيبال ؛ ذكر لي الشيخ محمد فاروق (أحد خريجي الأزهر الشريف) أن نسبة المسلمين في نيبال تبلغ حوالي 4,2 % من التعداد السكاني للدولة والذي يناهزحاليا قرابة الثلاثين مليونا، أي أنه من الجائز تخطّي تعداد المسلمين النيباليين لحاجز المليون نسمة.

 


كما أعلمني الداعية الإسلامي محمد عارف الثقافي مسئول عام المدارس الإسلامية بالمناطق الجبلية في نيبال؛ أن مدينة "جنكفور" القريبة من مدينة بوخارا السياحية (والتي استمتعت بزيارتها فيما بعد)، تضم المدرسة الحنفية الغوثية والتي تقوم بتخريج العلماء والدعاة والأئمة، والتي يعدونها بمثابة نموذج مصغر للأزهر الشريف، وإن كانت تقتدي به فهي لا تُقارن به.

 


من ناحية أخرى؛ تنقسم نيبال  إداريا إلى أربعة أقاليم (الشرقي، الأوسط، الغربي، الغربي الأقصى)، ويتفرّع عنها 14 مقاطعة تشمل 75 ناحية تفترش كامل مساحة الدولة البالغة 147,181 كيلو مترا مربعا، وتتوزع التجمعات الإسلامية على أقاليم نيبال الأربعة – مرتبة حسب الكثافة- بالإقليم الأوسط ثم الغربي ثم الشرقي وأخيرا بالإقليم الغربي الأقصى، مما يشير إلى أن الكثافة الكبرى منهم تقترب من مناطق تجمعات المسلمين بالهند وبنجلاديش.

 


ويعود المسلمون في نيبال إلى عدة أصول، فإلى جانب المسلمين من أهل نيبال توجد عناصر مسلمة من الخارج استوطنت البلاد، من بينها الكشميريين والأفغان والمغول (الترك)، وهناك مسلمون من أصل بيهاري من الهند، ومن أصل بنغالي نسبة إلى بنجلاديش، علاوة على جالية عربية قديمة استوطنت البلاد منذ قرون.

 


وتنتشر المدارس الإبتدائية في القرى والمدن النيبالية، إلا أنها تبدو قليلة ومحدودة وغير كافية، وذلك بسبب ضعف التمويل لاعتمادها على الجهود الذاتية، وبالتالي لاتقدر على شراء الكتب أو دفع رواتب المدرسين، علاوة على شيوع تحفيظ القرآن الكريم هناك دون ترجمة معانيه، وبالتالي لا يستوعب أبناء المسلمين ما يحفظون، وينعكس هذا سلبا على المستوى الثقافي الإسلامي للطلاب والمدرسين على حد سواء، هذا بالإضافة إلى انتشار الأمية عند النسوة المسلمات بدرجة أعلى من نظرائهم من الرجال، وإن انتشرت بعض المدارس والكتاتيب والمعاهد، ففي غرب نيبال تقع سراج العلوم السلفية، وفي الوسط توجد مدرسة إسلامية وجامعة السلفية، وفي الشرق مدرسة شمس الهدى والمدرسة العربية في موهوليا، ومدرستي مفتاح العلوم السلفية ونور الإسلام في الشرق، ومدرسة إسلامية في نيبال الوسطى.

 


وتنتشر المساجد بالقرى حيث مناطق التجمعات الإسلامية، وهناك لجنة للحج ترسل سنويا 50 حاجا لأداء الفريضة، وبشأن حرية ممارسة الشعائر الدينية في نيبال؛ فقد أكدت لي ساهانا برادهان وزيرة الخارجية (آنذاك) حين استقبلتني بمقر الوزارة بالعاصمة كتمندو، بأن حرية ممارسة الشعائر الدينية مكفولة للجميع في نيبال ومن بينهم المسلمين، حيث يعدّ الدين الإسلامي هو الديانة الثالثة بالبلاد من حيث أعداد المنتمين، بعد الهندوسية والبوذية، ويشهد على ذلك انتشار أكثر من خمسمائة مسجد موزعين على كافة مقاطعات ونواحي الدولة، وهناك عدد من النواب المسلمين في البرلمان النيبالي، وإن كان معظمهم ممن ينتمون ل"الماديش" الذين يسكون المناطق الحدودية مع الهند، وأشارت برادهان إلى وجود "الجمعية الإصلاحية لشعب نيبال" والتي تقوم برعاية مصالح المسلمين وحل مشاكلهم، وقد استطاعت هذه الجمعية الإصلاحية إقناع وزارة التربية والتعليم بفتح المعاهد الإسلامية في نيبال، والحصول فيما بعد على حصة من برامج إذاعة نيبال للبث الإسلامي، والإصلاح مابين الجماعات الإسلامية، ومساعدة فقراء المسلمين، وإنشاء المدارس الإسلامية.

 


وعلى جانب آخر؛ فقد ذكّرتني كلمات ساهانا برادهان وزيرة الخارجية النيبالية، بلقائي بممثليّ مجلس السياحة النيبالي.. سوباش نيرولا والسيدة/نانديني لاهي تابا، واللذين أكدا على اهتمام مجلس السياحة بجذب السياح العرب والمسلمين لزيارة نيبال، وأنهم من أجل ذلك يعملون على تطوير وتوفير الشقق والشقق الفندقية وكذلك التوسع في افتتاح المطاعم التي تقدم لروادها اللحم الحلال، وبما يتوافق مع المزاج الخاص للسائحين العرب والمسلمين.

 


ومع اقتراب نهاية زيارتي لنيبال والتي صادفت يوم جمعة، توجهت بالعاصمة كتمندو إلى "نيبالي جامع مسجد" والذي يكتسي باللون الأخضر المماثل للون عموم جبال وسهول ووديان نيبال.. لأداء صلاة الجمعة، والذي وإن كان يبعد عن سابقه "كشميري جامع مسجد" بحوالي مائة متر فقط ويصغره من حيث الحجم، إلا أن كلا المسجدين كانا مكتظين عن آخرهما بالمصلين، فكان هذا المشهد هو حسن ومسك ختام زيارتي لمدينة "الشانجري لا" وهذا البلد الجميل، الذي غادرت مطاره الصغير وفي آذاني طنين رجاء المسلمين النيباليين للأزهر الشريف وأهل الخير، بوضعهم في دائرة الإهتمام بدلا من غياهب النسيان التي تهدد مستقبلهم.

 

 

 

 

 

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله