بقلم / الصحفى محمود موسى الجمل
لو كنتُ مذيعاً في قناة الجزيرة لطلبتُ من إدارتها علاوة "بدل بهدلة"، ولو استجابت، لأصبحتُ من ذوي الملايين في أيام، ولكن كيف؟ حين تستضيف القناة مسؤولين سوريين مدافعين عن نظام الأسد فإني أشفق كثيراً على المذيعين وهم يتلقون منهم دروساً يومية ممزوجة بالتوبيخ في الضرورات المهنية للعمل الصحفي وموجبات أخلاقياته. مشهد يتكرر يومياً منذ خروج السوريين إلى الشارع للمطالبة بإطلاق الحريات وإسقاط النظام.
يبدأ الدرس على النحو التالي: يُبثُ تقرير ميداني، يُسأل الضيف عما يحدث على الأرض، يبدأ حديثه بنسف ما جاء في التقرير أولاً، ثم يُلقي على المذيع درساً في توخي الدقة، وعدم المبالغة، ونقل الحقيقة بشقيها، مستلهماً بعض أشياء من نظرية المؤامرة. بعضهم يغمز من الجزيرة تلميحاً، آخرون يقدحون في نزاهة نقلها للحدث تصريحاً. المذيع المسكين، الذي يقود كل المؤسسة لحظة وجوده على الهواء، لا يقوى بدوره على الرد إلا بكلمات بريئة عن حرص القناة على نقل جميع وجهات النظر، والتقوّي بالصور التي لا تكذب. رغم أن بعضهم يفقد أعصابه ويرتفع صوته، قبل أن يتدارك أنه على الهواء مباشرة.
وفي كل مرة تستضيف فيها الجزيرة أحد المؤيدين للنظام السوري نتحسب نقاشاً للديكة، يستبطن على ما يبدو مشكلة تواجهها القناة في إدانة نظام بشار الأسد، إلى الآن على الأقل. فالاحتجاجات ليست شعبية نقية كما يريد لها النظام أن تكون، والجيش تدخل مبكراً لقمع الشعب لا مناصرته. وهذا على خلاف ما شهدته مصر، فقد تعلم المسؤولون السوريون الدرس من رجالات مبارك الذين قاطعوا الجزيرة متذرّعين بعدم نزاهة تغطيتها للثورة المصرية، ففقدوا معركة الإعلام، وبدا معارضو النظام وشباب الثورة كمن يحتلون شاشتها حينذاك.
مازالت رواية السلطة تقاوم رؤية المعارضة السورية حول الأحداث عبر شاشة الجزيرة، ولم تنجح القناة في تقويض كل أعمدة نظام الأسد، كما فعلت مع مبارك وأركانه، إذ مازال بعضها صامداً وينطق بقوة ليعبر عن وجهة نظره – بغض النظر عن فحواها – في درجة توازي وجهة نظر الشارع، في كثير من الأحيان. وإذ لم يترك المحللون والسياسيون والمقربون من النظام هواء الجزيرة ليسرح ويمرح فيه المعاضون كيف ما شاءوا، تولت القناة ذاتها هذه المهمة عبر تصعيد لهجة اللغة في تقاريرها، وحدة انتقادات تحليلاتها، التي تمزج بوضوح بين الرأي والمعلومة، وفي ذلك مقال.
يُحسب للقناة، رغم كل ما يكال لها من تشويه ودروس و"بهدلة" على الهواء مباشرة من قِبل رجال النظام السوري، أنها لم تمتنع عن استضافة من ينقلون وجهة النظر الرسمية. ولكن، إلى أي مدى يمكن أن تصمد قناة أو يصبر مذيع، وكثير منهم مخضرمون، أمام كل هذه المحاضرات في أخلاقيات العمل التلفزيوني؟
أتمنى ألا يكون عزائنا الوحيد في أن تتحقق أمنيتي لهم في السطر الأول من هذا المقال.