Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

حكايات من زمن الفن الجميل .. عبد الحَليم حَافِظْ

كم مرة كتب الصحافيون، والكتاب عن “عبد الحليم حافظ”؟ .. لا أحد يعرف، ولا يمكن إحصاء حجم ما أثاره هذا النجم الراحل من موجات متتالية ومتناقضة من الجدل، أَحَب هذه.. وتَزَوّج تلك .. إلى آخر رحلات الغوص في أعماقه الإنسانية، وسَبْر أغوار هذا الفتى الذي كان يحيطه الغموض، وفضول الآخرين، لكن الشيء الوحيد الذي اتفق عليه الجميع هو موهبته، هو صوته الدافئ الحنون، وإحساسه المرهف، وتفانيه في إتقان أغانيه وأعماله. وبعد أن رحل العندليب تاركاً ثروة فنية لا تزال ملايين الآذان العربية تستمتع بها، ولا تزال العديد من الأجيال تعيش على ضفاف حُنجُرته، ولا يزال صوت “حليم” أحد أهم رموز “الزمن الجميل”.. فإن رحيل العندليب قد أطلق العنان للبعض أن يختلق لنفسه أدواراً، وأسراراً لا يعرفها سواه، واقتراباً من الحدث وأطرافه بأكثر مما اقترب منه الآخرون، وأصبحت سيرة، ومسيرة “عبد الحليم حافظ””سبوبة” يلجأ إليها مجموعة من “الأرزُقيّة” والطُفَيْليين، وهذا أمر كثيراً ما يحدث عندما يموت أحد المشاهير فيظهر بعده “الكومبارس” يُسهبون في شرح أدوارهم معه، وتتحول تلك الحكايات إلى صفحات في الصحف، والمجلات ويُضاف إليها كلَّ عام المزيد، والمزيد عند الاحتفال بذكرى رحيل هذا المشهور وهو ما يتكرر كل عام في ذكرى العندليب، ولكن كل هذا لا ينفي أن هناك كتابات جادة، وموضوعية لكتاب وأشخاص اقتربوا بالفعل من العندليب الراحل، وعايشوا الأحداث مثل “مفيد فوزي”، و”مجدي العمروسي”، و”محمود عوض”، و”عصام بصيلة”، و”نبيل عصمت”، و”فوميل لبيب”، وآخرين غيرهم. وعندما أخذت أُقلِّب في أرشيف صوري الزاخر جداً بلقطات نادرة للعندليب الأسمر، وكذلك ما كتبته مجموعة من كبار الكتاب، أدركت أن إضافة شيء جديد أمر صعب للغاية، وأن أقصى ما يمكن تقديمه هو عمل “فلاش باك” على الكثير مما قيل، ونشر مع سؤال الأحياء من بين من عاشوا معه، واقتربوا منه ومعظمهم لحسن الحظ أساتذة وأصدقاء لي، لكن المشكلة التي واجهتني أن حياة “عبد الحليم حافظ” سواء الفنية أو الشخصية زاخرة بمئات المواقف، والأحداث التي يصعب أن يتضمنها كتاب، فأرشيف صور العندليب الأسمر قد سجَّل كثيراً من مراحل حياته خاصة المرحلة التي رافقه خلالها المصور الفنان “فاروق إبراهيم”، والذي يزخر بالآلاف من الصور النادرة. العندليبُ الأسْمَرْ الناقد الفني “جليل البنداري” كان أول من أطلق على “عبد الحليم حافظ” لقب “العندليب الأسمر”، وكان من أحب الألقاب على قلب “حليم” .. وبين “عبد الحليم” و”جليل البنداري” حكاية طريفة يرويها “مجدي العمروسي” صديق عمره، ويقول: لقد علم “عبد الحليم” أن “البنداري” كان يسب ويلعن كل من يجري معه حواراً صحفياً إضافة لكونه حاد الطبع، سليط اللسان، من أجل ذلك كان يتجنب أن يقع تحت يديه في حوار صحفي فيسمع منه ما لا يرضاه أو يقبله؛ في نفس الوقت كان “عبد الحليم” يعرف أن إجراء مثل هذا الحديث سوف يُضيف إليه الكثير، فذهب لصديقه “محمد حسنين هيكل” – وكان وقتها رئيس تحرير مجلة “آخر ساعة” – والتي كانت ستنشر الحديث وشرح له مخاوفه من لسان “البنداري” وشتائمه، وبعد أن استمع إليه “هيكل” باهتمام – قال له اسمع يا حليم .. بصراحة حديثك مع جليل البنداري مهم جداً لك وسيعطيك دفعة قوية. – قال عبد الحليم.. أعرف ولكن ماذا عن شتائمه وهجومه. – فرد عليه هيكل – بالعكس هو اللي بيشتكي منك وبيقول انك بتتهرب منه وبترفض إجراء الحديث معاه.. واعترف “عبد الحليم” بأن ذلك حدث بالفعل ولكن بسبب الخوف من الشتائم. وفكر “هيكل” قليلاً ثم رفع سماعة التليفون متحدثاً مع “جليل البنداري” وقال: يا أخ جليل أنا عندي عبد الحليم حافظ وهو مرحب جداً بالحديث وسعيد جداً بيه.. رد عليه جليل :”ابعتهولي” .قال “هيكل”: يا ريت يا أستاذ جليل تيجي تعمل معاه الحديث في مكتبي لأني عايز استمتع معاكم بالحوار، وبالطبع فهم “جليل” الهدف من مكالمة “هيكل” .. وجلس “البنداري” وأمامه “عبد الحليم”، وبدأ في طرح أسئلته، وكان أول سؤال ـ مكتوباً وليس مقروءاً – بحيث يراه “عبد الحليم”، ولا يراه “هيكل”. ” انت جايبني قدام هيكل عشان ما اشتمكش يا بن الـ “………”؟ لكن “عبد الحليم” بذكائه كان يتظاهر بعدم رؤيته للشتيمة المكتوبة، وأخذ يجيب.. أنا مولود بقرية الحلوات في 21/6/1929م مركز “فاقوس”، “الزقازيق”، وواصل “عبد الحليم” الإجابة في وقار وجدية. وظل “جليل البنداري” على هذا الحال يكتب في نهاية كل سؤال شتيمة قاسية – يابن كذا وكذا.. لكن “عبد الحليم” أيضاً ظل رابط الجأش، ولم تفارقه الابتسامة خلال الحوار، وكانت النتيجة أن قام “جليل” في نهاية الحديث يعانق “عبد الحليم” معجباً بذكائه وردوده الواثقة، وبعدها أصبح الكاتب، والناقد “جليل البنداري” واحداً من عشاق “عبد الحليم”، وأصدقائه المقربين، وقام بنشر كتاب عنه بعنوان “جسر التنهدات”. “اشمعنى” المغرب ويقدم لي الفنان “فاروق إبراهيم” صورة نادرة من أرشيفه الذي يضم عشرات الآلاف من الصور؛ الصورة لـ”عبد الحليم” وهو يسقط على الأرض بعد خروجه من السيارة مغشياً عليه، وكان ذلك في تونس، كما يروي قصصاً كثيرة عن حب شعب المغرب لحليم، ويجيب صديق عمره “مجدي العمروسي” عن سؤال مهم “لماذا المغرب بالذات؟” فقد حفل المغرب بكثير من ذكريات حليم وسفرياته.. فيقول كانت مرحلة الخمسينات والستينات هي مرحلة التأسيس والكفاح في مسيرة عبد الحليم وكذلك شهدت بعض سنواتها شهرته وتألقه.. وراح “عبد الحليم” يجوب الأقطار العربية ويملأ سماءها بالغناء محلقاً في آفاق الشهرة والمجد، لكنه توقف ذات ليلة وهو يتأمل فيما حوله فوجد أنه لم يدع أو يغن في المغرب ولا مرة واحدة، فكان السؤال الذي ألح عليه “اشمعنى المغرب”؟.. ولماذا “فريد الأطرش” هو الذي يكتسح هذه الساحة وحده؟.. وبالفعل طلب حليم من العمروسي أن يذهب إلى هناك؛ إلى المغرب.. فكانت المفاجأة .. بل مفاجآت عديدة واجهها العمروسي وهو يسأل “إيه الحكاية”، وعلم أن جميع أفلام وأغنيات “عبد الحليم” ممنوعة من ست سنوات، وأن هذا المنع جاء من جهات عُليا، وهو ما يرمز إلى أن الملك نفسه هو سبب المنع شخصياً، وبعد محاولاته علم “مجدي العمروسي” سفير “عبد الحليم” أن وشاية خبيثة كانت وراء هذا التوجُّه “الملكي” عندما أبلغ بأن “عبد الحليم” أثناء خلاف الجزائر والمغرب غنى أغنية ناصَرَ فيها الجزائر ضد المغرب، وأن الملك صدق القصة دون أن يسمع الأغنية؛ أما الأغنية فكانت “قضبان حديد اتكسرت” والواقع أن هذه الأغنية أنشدها “عبد الحليم” بمناسبة الإفراج عن الخمسة الذين كانوا معتقلين في الجزائر، وعلى رأسهم “بن بيلا”، ونصحت شخصية مرموقة مجدي أن يكتب “عبد الحليم” خطاباً للملك “الحسن الثاني” يشرح فيه كل الملابسات، وتعهدت هذه الشخصية بتسليم الخطاب للملك بنفسه، وبالفعل كتب “عبد الحليم” رسالته للملك وشرح له حقيقة الأمر، واختتمها باستعداده للمحاكمة باعتباره مغربياً إذا ما ثبتت إدانته. أُرسِل الخطاب للرباط، ومرت الأيام وفوجئ “عبد الحليم” بمدير الإذاعة المغربية يحضر للقاهرة لدعوته للغناء في عيد ميلاد الملك “الحسن”، فسارع “حليم” بتكليف “مرسي جميل عزيز” بكتابة أغنية للمناسبة، ويلحنها “بليغ حمدي” ليغنيها حليم في عيد ميلاد الملك فكانت : الماء والخضرة والوجه الحسن عرائس تختال في عيد الحسن وانتشرت هذه الأغنية انتشاراً كبيراً في المغرب التي كانت تبثُّها من إذاعتها عشرات المرات، وتتردد في كل مكان، ومن يومها شهدت علاقة “عبد الحليم حافظ” بالمغرب، ومليكها تميزاً خاصاً، وأصبح “حليم” مسئولاً عن تنظيم حفلات القصر يدعو فيها من يشاء من فنانين. الجزء الثانى من حلقة عبدالحليم …مع الموجى والطويل وبليغ بحث متقدم

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله