بقلم : جلال دويدار
علي ضوء تجربة الحج منذ سبع سنوات لم اكن اتصور ابدا هذا التطور الايجابي في التنظيم والانشاءات التي قامت بها السلطات السعودية لتسهيل المناسك. رغم ان عدد الحجاج خلال السنتين الاخيرتين قد تضاعف ليصل إلي اكثر من ثلاثة ملايين حاج هذا العام إلا ان اداءهم للمناسك قد تم بيسر وسيولة دون اي مشاكل باستثناء العادي منها، ولقد كانت مشكلة المشاكل تنحصر خلال سنوات ما قبل موجة التطوير في مواقع المناسك تنحصر بصورة رئيسية في عملية رمي الجمرات لم يكن يمر اداء هذا الركن دون سقوط ضحايا نتيجة الزحام وكان اخرها الحادث الذي ادي إلي مصرع عدة مئات وهو الذي دعا السلطات السعودية إلي تنفيذ اكبر مشروع انشائي في هذه المنطقة لانهاء هذه المشكلة من جذورها.
>>>
لقد فوجئت عندما ذهبنا للحج هذا العام بكباري وجسور مغطاة مكيفة الهواء ترتفع لاكثر من ثلاثة ادوار وبعرض يصل إلي ٠٠١ متر في الاتجاه الواحد تمتد من خيام »مني« وحتي نصب رمي الجمرات. استغرق انجاز هذا العمل الهندسي الضخم الثلاث سنوات الماضية وبلغت تكلفته اكثر من ٥ مليارات ريال سعودي (٥.٧ مليار جنيه مصري).
ورغم التشغيل فمازالت اجزاء منه تحت التشطيب. لمساعدة كبار السن من حجاج بيت الله فقد تم ربط ادوار الكباري بسلالم كهربائية متحركة. كما تم نشر ثلاجات المياه علي طول الطريق من الخيام وحتي الكوبري الذي يقود إلي موقع رمي الجمرات.
وفيما يتعلق بالسعي بين الصفا والمروة فقد انتهت عملية التوسعة التي ضاعفت من عرضه في الدور الارضي وذلك علاوة علي مسار السعي في الدور الثاني. وهو الامر الذي خفف من مشكلة الزحام.
>>>
لم تقتصر عمليات التطوير علي اقامة المنشآت ولكنها شملت ايضا مجموعة من الطرق التي تربط بين عرفات و المزدلفة ومني ومكة والمدينة ساهمت هذه المسارات بشكل كبير في انسياب حركة انتقال الحجاج بين هذه المواقع المقدسة والتي تشملها مناسك الحج.
وخلال الرحلة بالسيارة أو الاوتوبيس من عرفات إلي المزدلفة ومني ثم إلي مكة لابد وان يثير الانتباه الحجاج المرتجلين الذين يقطعون هذه المسافات سيرا علي الاقدام علي نفس منوال السلف. ان عدد هؤلاء الحجاج يصل إلي عشرات الآلاف تجدهم علي الطرق الممهدة وعلي امتداد سفوح الجبال وهم لا يمثلون جنسية بعينها ولكنهم من كل الجنسيات ومن كل القارات.. وتنظيما لتحركات اوتوبيسات الحجاج التي يتجاوز عددها الآلاف فقد خصصت لهم مواقف خاصة خارج مناطق تجمعات الحجاج علي ان تقوم اتوبيسات النقل الجماعي الحكومية بنقلهم مجانا إليها في رحلات مكوكية علي مدي ال ٤٢ ساعة وهو ما ساهم في انسياب حركة المرور.
وتشهد مكة حيث الكعبة المشرفة زحاما غير عادي في طواف الافاضة الذي يتم بعد رمي جمرة العقبة الكبري ثم بعد ذلك في طواف الوداع. ولتجنب هذا الزحام يتسابق الحجاج في الوصول إلي مكة بعد وقفة عرفات وبعد انتهاء المناسك ولكن ورغم ذلك فان احدا لا ينجو منه.
>>>
واذا كان هذا هو حال اداء المناسك فانه يأتي ضمن ذلك ايضا زيارة المدينة المنورة. ان جانبا كبيرا من الحجاج خاصة المصريين يفضلون التوجه اليها قبل بدء مناسك الحج حيث يمضون عدة ايام ولكن كثيرا منهم ايضا يذهبون إلي المدينة بعد الانتهاء من المناسك.
وبعد القدوم إلي مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام لزيارة قبره في الايام الاخيرة قبل الذهاب إلي مكة لاداء طواف القدوم فرصة رائعة للاستمتاع بالاقامة بها بعد ان يكون الزحام قد خف نتيجة تحرك الحجاج إلي مكة ثم إلي عرفات.
ولعل ما ساهم في راحة زوار المدينة من الحجاج السماح بفتح مسجد الرسول علي مدي ال ٤٢ ساعة مما اتاح لمئات الآلاف من المتشوقين للصلاة في الروضة الشريفة وتحقيق املهم وحلمهم. وتستحوذ المدينة المنورة علي جاذبية خاصة حيث يستشعر الحاج فيها بالراحة النفسية التي يزيد منها حسن معاملة اهلها. لا جدال ان رحلة الحج لبيت الله هي بكل المقاييس تجربة روحية رائعة تذكر القائمين بها بكل القيم الانسانية والروحية التي لو التزموا بها لعاشت البشرية دون مشاكل أو ازمات.