أصابتني دهشة كبيرة عندما حاولت تلبية رغبة أحد الأصدقاء في حجز غرفتين له وعائلته في الغردقة وشرم الشيخ .. فقد فوجئت بأسعار جنونية للفنادق .. الحجرة الواحدة لفردين تبدأ من ستمائة جنيه لليلة الواحدة ، وعبثاً حاولت أن أجد أسعاراً تناسب الظروف المادية لصديقي وهو بالمناسبة موظف كبير ـ يعني وكيل وزارة ـ لكن على ما يبدو أن الأسعار قد تجاوزت إمكانيات رئيس الوزارة نفسه .. فإذا كان سعر الغرفة المزدوجة سبعمائة جنيه في الليلة فإن تذكرة السفر بالطائرة لا تقل أيضاً عن سبعمائة جنيه ، وقد يقول قائل : إن تذكرة السفر للغردقة وشرم الشيخ لا تزيد عن مائتي وخمسين جنيهاً للفرد ، فأرد عليه : دلني على مكتب واحد لمصر للطيران ـ وهي بالمناسبة الشركة الوحيدة الناقلة للسياحة الداخلية ـ دلني على هذا المكتب الذي يمكن أن يوفر تذاكر بهذا السعر المنخفض والذي يختفي دائماً في ظروف غامضة ومريبة لتظهر هذه التذاكر في مكاتب شركات السياحة لتباع لمن يرغب بأعلى سعر لأعلى فئة بل وأكثر من الثمن بدعوى مصاريف الإصدار .
*****
نعود للفنادق وأسعارها الملتهبة ـ وهي للأسف تشتعل في وجه السائح المصري ـ لنجد أن تكلفة رحلة لأسرة من أربعة أشخاص ولمدة ثلاثة أيام تحتاج لبضعة آلاف من الجنيهات وهي تبتعد بالطبع عن إمكانيات العائلات فوق المتوسطة فما بالك بالأسر المتوسطة وما دونها ، وأكثر ما يصيب المواطن المصري بالحنق هو ما يشاهده على مواقع الإنترنت من عروض شركات السياحة المصرية التي تقدم مصر للسياحة الدولية بربع تكلفة المواطن المصري ، وقد يقول قائل إن هذا الفارق الكبير في السعر سببه أن السياح الأجانب يأتون في أفواج وليسوا فراداً كما يحدث مع السياح المصريين ، وهذا القول مردود عليه بسؤال بسيط : لماذا لا يتم تنظيم أفواج من المواطنين المصريين عبر الهيئات والوزارات والمؤسسات التي يعملون فيها ؟ ولماذا لا يتم تنظيم رحلات في شكل مجموعات يتم الإعلان عنها ، بحيث يعلن عن رحلة تضم 50 شخصاً على سبيل المثال مرة أو أكثر كل شهر تقوم على تنظيمها إحدى الشركات ؟ وقد يتحجج أصحاب المشروعات السياحية المصرية بأن السياحة الداخلية ( موسمية ) يختار فيها الناس الاتجاه للمقاصد السياحية في مواسم محددة ، وهنا نقول إن مواسم السياح المصريين تختلف عن مواسم الأشغال العالمية للسياحة الدولية .. وأود هنا أن أذكر أصحاب المشروعات السياحية وشركاتها بأن السياحة الداخلية كانت هي الملاذ والمنقذ عندما تعرضت المقاصد المصرية لتداعيات الإرهاب الأحمق الذي تسبب في الانحسار .. لقد قامت السياحة الداخلية ـ بتدفقاتها ـ بإنقاذ تلك المنشآت والمقاصد من الكساد وساهمت بإيجابية في عبورها لتلك الظروف الصعبة ..
نحن جميعاً مع التسويق السياحي الذي يجلب كل الخير لمصر وللمستثمرين في هذا القطاع الحيوي والهام ، لكن علينا أن نفكر في أبناء الوطن وحقهم في أن ينعموا ببلدهم ومراعاة ظروفهم المادية .. وهنا لا أطالب أن يكون ذلك على حساب المصلحة العليا أو أصحاب المنشآت والمشروعات السياحية ، ولكني أطالب بتحقيق الحد الأدنى بالمساواة بين الأسعار التي يحصل عليها الأجانب والتي تنتشر على مواقع الإنترنت وفي الصحف الأجنبية والتي يقدمها أصحاب القرى السياحية والفنادق في المعارض التي يشاركون بها في الخارج ، وبين الأسعار التي يطرحونها على أبناء هذا الشعب الطيب .. والله من وراء القصد …
محمد مصطفى
[email protected]