ليس جديدا ان نقول ان الأمن الاجتماعي الذي يوفر فرص العمل الشريف ولقمة العيش الكريمة للقاعدة الشعبية التي تمثل قلب وعمق المجتمع.. هو عامل أساسي في تحقيق الأمن والاستقرار اللازمين لتحقيق النمو الاقتصادي، الذي يقود إلي الرخاء والتقدم في كل المجالات. وفقا لهذه القاعدة الموثقة بالخبرة والتجارب فإن الخروج من دائرة التطرف مرهون بالتصدي لمشكلة البطالة وهذا لا يتأتي إلا من خلال اقامة المشروعات سواء كان بتمويل من الدولة أو بتمويل من القطاع الخاص. وفي هذا المجال فإن استثمار البيئة المحيطة بالمكان والإمكانات المتوافرة في كل المجالات يساهم بشكل فعال في التشجيع علي اقامة هذه المشروعات المطلوبة والتوسع فيما هو موجود بالفعل.
***
انطلاقا من هذه الحقيقة فقد اسعدني جدا هذه المعلومات الطيبة التي بشرتنا باستعادة الاقصر الخالدة.. متحف العالم المفتوح الذي يضم ثلث آثار الحضارة الإنسانية .. لانطلاقتها السياحية من جديد. تمثل ذلك في ارتفاع معدلات التدفق السياحي الذي وصل بحجم الاشغال في فنادقها ولأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات إلي ما يقرب من 100 % . هذا يعني العودة الي تشغيل هذه الفنادق بكل طاقتها وهو ما ينعكس ايجابا علي زيادة في عدد العاملين . من ناحية أخري فإنه يتولد عن ذلك ارتفاع في الاستهلاك الذي يتجسد في احتياجات المقيمين والذي تستفيد منه عشرات من المهن الأخري ومواقع الانتاج في العديد من المجالات المختلفة . اذن فإن هذا الرواج السياحي الذي تشهده الأقصر العتيدة سوف تمتد مظلته إلي كل محافظات الصعيد المجاورة لينعم بخيره الذي هو رزق من عند الله مئات الآلاف من الباحثين عن لقمة عيش كريمة وشريفة.
***
هذه الطفرة السياحية التي تستعيد بها الأقصر مكانتها وبريقها الذي تنفرد به عن أي مكان في هذا العالم يعود الفضل فيه إلي جهود قطاع السياحة الرسمي والخاص الذي استطاع من خلال الدعاية والاتصالات مع شركات السياحة العالمية اقناعهم بالعودة إلي تنظيم رحلاتهم من جديد إلي هذه المدينة الرائعة. ولا جدال ان توافر الأمن والاستقرار وإيمان القاعدة الشعبية بأهمية صناعة السياحة اقتصاديا واجتماعيا يأتيان علي رأس العوامل التي ساعدت علي نجاح الجهود التسويقية. ظهر ذلك جليا خلال اللقاءات التي جرت اخيرا في المؤتمرات والمناسبات السياحية الدولية مع زهير جرانة وزير السياحة ومع أعضاء الوفود السياحية المصرية . ومن المؤكد ان حالة من الانبهار سوف تغمر السياح الذين اتيحت لهم زيارة الأقصر في الأونة الأخيرة بعد موجة التجديدات والتطورات التي شهدتها لتجعلها أكثر جاذبية وراحة وجمالا.
***
لا جدال ان استمرار هذا التدفق السياحي وما يحمله من خير للأقصر ولكل أبناء الصعيد سوف يجعل البسمة الغائبة منذ سنوات ترتسم علي وجوههم. وإذا كانت الوفود السياحية قد أعادت الحياة إلي فنادقها الحالية ذات ال22 ألف غرفة فإن هذا المشهد يمثل عنصرا مشجعا للمستثمرين لسرعة استكمال 18 مشروعا فندقيا جديدا تحت الإنشاء لمواجهة زيادة الطلب السياحي بالاضافة إلي انهاء أربعة منتجعات سياحية متكاملة علي أطراف المدينة قرب الكوبري المؤدي إلي البر الغربي حيث وادي الملوك.
***
ولا يمكن الحديث عن الأحداث التي غيرت وجه الأقصر دون الاشارة إلي مطارها الذي أصبح واجهة حضارية ومعمارية فريدة ساهمت في تشجيع الشركات السياحية علي اختيارها مقصدا لزبائنها من هواة ورواد السياحة الثقافية والباحثين عن الاستمتاع بإجازاتهم. تشجيع هذه النوعية من السياحة أصبح مطلبا ضروريا يجب ان يعمل من أجله قطاع السياحة.. حيث انه يحقق استثمار إمكانات مصر في هذا المجال الي جانب من زيادة في حجم سياحة الكيف ذات العائد العالي، علي كل حال فليس هناك ما يقال في هذه المناسبة سوي.. هنيئا للأقصر وهنيئا لمصر.