مضى أكثر من ثلاثة أشهر على صدور القرار الصدمة بإعادة “الإقرار الجمركي” إلى الوجود بعد أن دفن منذ سنوات واعتقدنا أنه لن يعود.
كتبت وكتب غيري أن عودة هذا الإقرار هو عودة إلى الوراء.. هو صخرة جديدة في طريق مسيرة السياحة، خاصة وأن صخرات عديدة تواجه هذه المسيرة وتعطل انطلاقتها.. فالاستثمار في مجال السياحة هو اختيار للصعب.. لحرق الأعصاب حيث تتكالب كثير من الجهات والهيئات والمتطفلين لنهب السياحة ظناً منهم أن هؤلاء المستثمرين قراصنة يمسكون مياه البحر فتتحول في أيديهم إلى دولارات وسبائك ذهب!..
إن الارتفاع المستمر في تكلفة إقامة المنشآت السياحية بصرف النظر عن ارتفاع أسعار مواد البناء كالحديد والأسمنت وغيرها والتي شملت مختلف القطاعات، لكن الاستثمار السياحي اختص بأسعار خاصة جداً في تكلفة المرافق ومن بينها على سبيل المثال مقايسات الكهرباء وقيمة الاستهلاك وأسعار المياه التي التهبت في بعض المناطق السياحية مثل الغردقة التي وصل سعر متر المياه بها إلى “25 جنيهاً” إضافة إلى عدم توفر الكميات المطلوبة!! وإضافة رسوم ـ لا أنزل الله بها من سلطان ـ على الفنادق والمنشآت السياحية؛ رسوم محلية وضرائب مبيعات وتأمينات وإكراميات.. كثيرة هي البنود حتى أن أحد المستثمرين قام بإحصائها فوجدها قد تجاوزت “30” نوعاً من الرسوم والضرائب والإتاوات وغيرها فإذا أضيف إلى ذلك ما يعانيه المستثمرون من عذابات البيروقراطية عند إنهاء معاملاتهم في الدوائر والهيئات الحكومية والتي يضيع خلالها كثير من الوقت والجهد وهناك أيضاً حزمة القوانين المتشابكة التي يصطدم بها المستثمر خاصة إذا ساقه قدره لموظف من إياهم ـ وما أكثرهم – هؤلاء لديهم عشرات التفسيرات الملتوية لنصوص القوانين والقرارات وكثير منها يخضع إلى مزاج هذا الإمبراطور الذي بين يديه عقدة الحل والربط فيفسر القانون وفقاً لسخاء المستثمر أو خفة دمه أو حجم التوصية التي أتى بها أو أشياء طويلة يطول شرحها.
ويكتشف المستثمر أنه وقع في فخ حقيقي عندما تقوده قدماه لأحد البنوك لدعم قدراته من خلال قرض يكمل به مشروعه ويفاجأ بالفوائد المجحفة والمركبة ويفاجأ أكثر بتحجر عقل مسئول الائتمان إذا ما صادف المسئولَ ظروفٌ صعبة أو عقبات تحول دون استمراره في تسديد الأقساط.. أما الصدمة الحقيقية والكبيرة فهي عندما يحاول تصفية ديونه التي اقترضها وقتما كان سعر الدولار دون الثلاثة جنيهات وأن عليه أن يسدده بعد أن تجاوز سعره الخمسة جنيهات الآن والسبعة جنيهات قبل سنوات قليلة.. ويا للمصيبة.. فالعشرة ملايين التي اقترضها قد تجاوزت المائة مليون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد يشاء الله أن ينجو البعض من هذا التيه ، وأن يصادف البعض تيارات وأنواء تغرقه ولا أحد يسمى عليه أو يلتمس له العذر، فالمستثمر الذي يتعثر هو قرصان.. لص أساء استخدام أموال البنوك.. فيه كل العبر والنقائص على الرغم من أنه ذات الرجل الذي كان بالأمس القريب نجماً لامعاً.. وهذا حال الدنيا.
وكثيراً ما تدهشني طبيعة المستثمرين في مجال السياحة.. فعلى ما يبدو أنهم قد أدمنوا ” كيف” الاستثمار أو أصابهم فيروسه اللعين.. فرغم أنهم يتعرضون لكوارث مثل تغيير القوانين واللوائح ، ورغم عذاباتهم مع الإرث البيروقراطي لموظفين بعضهم أغبياء وقوانين أكثر غباءً – رغم ذلك وغيره ـ لكنهم يكررون نفس الفعلة ويعودون إلى الاستثمار بعد كل مطب يخرجون منه ، وأحياناً يبدءون رحلة مشروع جديد بينما إحدى أقدامهم لا تزال متعثرة في المشروع الأول.. في كل الأحوال علينا أن نشجع من يستثمر في بلده، رغم كل ما في الاستثمار في مصر من عذاب.. إن هذا المستثمر يستحق وسام الصمود لأنه يضع أمواله وأعصابه ومستقبل أسرته على كفه ليفتح فرص عمل ليس لشخصه ولكن لمئات وآلاف الشباب.. إنه يساهم في تنمية بلده رغم أن فيها من يسعى لتعذيبه.. أقول ذلك لمن اخترع الإقرار الجمركي ولكل من يضع العراقيل أمام هذا القطاع الذي يمثل الأمل لمستقبل هذا البلد.
والله من وراء القصد.