بقلم : فاضل العماني
حينما تجد مسؤولاً يرصد الأخطاء والسلبيات والإخفاقات وكل نواحي القصور والخلل ويُقدمها على مجمل الإيجابيات والإنجازات والنجاحات التي تحققت، فأنت أمام عملة نادرة من المسؤولين لا تُقدر بثمن ولا تُحد بزمن.
اللقاء الذي جمع بعض كتّاب الرأي بالأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على هامش ملتقى السفر والاستثمار السياحي في نسخته التاسعة والذي أقيم في العاصمة الرياض قبل عدة أيام، كان أشبه بمراجعة دقيقة وشفافة وصريحة لمسيرة هذه الهيئة الوطنية المثيرة التي أكملت عامها ال ١٥، خاصة بعد "الكلمة الصادمة" التي ألقاها الأمير سلطان بن سلمان في افتتاح ملتقى السفر والاستثمار السياحي والتي كانت بكائية على أطلال الفرص الضائعة الكثيرة التي أهدرت خلال العقود الماضية نتيجة ترددنا وتأخرنا وخوفنا من "توطين" السياحة في وطننا الذي يمتلك كل المقومات والملامح والمصادر السياحية والتراثية والثقافية والاقتصادية التي تضعه في واجهة الخارطة السياحة العالمية.
لقد استطاعت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والتي تأسست في العام ١٤٢١ه أن تُحقق الكثير من الإنجازات والتطورات والتحولات في قطاع السياحة خاصة في إنشاء قاعدة البيانات والمعلومات وتأسيس اللوائح والتنظيمات المتعلقة بالبنية الهيكلية لهذا القطاع الحيوي الهام، وأصبحت الهيئة بما تملكه من خبرات وقدرات وعلاقات وشراكات هي "بيت الخبرة" الأول لقطاع السياحة بكل تعقيداته وتشابكاته وتحدياته.
نعم، الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تُمثل الآن رأس الحربة الذي يحمل كل الملفات والأزمات والتعقيدات التي تواجه السياحة الوطنية، وتعمل بكل جد واجتهاد وحرفية، وتُحقق الكثير من الإنجازات والنجاحات، ولكن كل ذلك لم يشفع لها أمام المواطن البسيط الذي فقد الرغبة والقناعة والرضا بسياحته الوطنية!
يبدو أن الأرقام والنسب والإحصائيات التي تُوردها الهيئة بين الفينة والأخرى لم ولن تجد لها آذاناً صاغية أو عيوناً راضية لمواطن بسيط لا يجد دورات مياه نظيفة في محطات واستراحات طرق السفر، ويحتاج لنفس طويل جداً لكي يحصل على تذكرة سفر باهظة الثمن لزيارة حائل أو أبها أو العلا، ويضطر لدفع مبالغ كبيرة لشقق بائسة ليس بها أدنى معايير النظافة والخدمة والسلامة، ويُصاب بالغثيان بسبب كآبة وبؤس المهرجانات والفعاليات والبرامج السياحية، في حين أنه وبمجرد "ضغطة زر" سيحصل على رحلة سياحية متكاملة ومريحة وبتكلفة أقل بكثير في دول الجوار أو الدول البعيدة.
ولكن في المقابل، لا يجب إلقاء اللوم وتعليق الأخطاء فقط على هذا الجهاز الوطني الذي يتعرض للكثير من الترصدات والهجمات والجبهات، فالسياحة الوطنية لن تنجح إلا بتضافر الجهود وتشارك المسؤولية وتوحيد الأهداف، فيكفي ضياع الفرص وهدر الطاقات ونزف المليارات. السياحة منظومة صناعية كبرى آن لها أن تحظى بمشاركة ودعم وقناعة الدولة والحكومة والقطاع الخاص والمواطن والمقيم باعتبارها المفتاح السحري الذي سيُدشن دخولنا إلى عوالم التنمية والنهضة والرفاه.
لقد تأخرنا كثيراً، وأضعنا الكثير من الفرص، وأهدرنا الكثير من المال، وتركنا الآخرين يجنون ثمار ترددنا غير المبرر، فهل حان الوقت الآن لأن نُبدد كل تلك الهواجس والمخاوف، ونجعل من سياحتنا الوطنية المحرك الأكبر والأهم لعجلة الاقتصاد الوطني الذي يحتاج لبدائل وخيارات وسلع أخرى غير النفط الذي لا يمكن الرهان عليه دائماً.
السياحة لم تعد مجرد ترفيه أو احتفالية أو مسابقة، ولكنها صناعة كبرى لها أدواتها وآلياتها ومقوماتها، وتحتاج إلى بيئة جاذبة ومتسامحة ومفتوحة، بعيدة عن التعقيد والتزمت والتردد.
نقلا عن الرياض