وادى فيران وحكاية البشر والحجر والشجر
القاهرة – المحرر الاثرى – أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء ووجه بحرى أن وادى فيران كنز أثرى وسياحى وبيئى غير مستغل حتى الآن وهو الوادى الذى حظى بزيارات الرحالة الأوربيون منذ القرن السادس الميلادى، وقد سجلت مواطن الجمال فى هذه الوادى لوحات الفنانة التشكيلية اليونانية إيلينى باولو التى جمعت فى لوحاتها الخالدة بين الأثر والشجر والبشر والطبيعة الخلابة.
ويضيف د. ريحان أن وادى فيران يقع على بعد 60 كم شمال غرب دير سانت كاترين طوله 5 كم وعرضه ما بين 250 إلى 375 م ،وكان يتميز بغزارة المياه من الآبار والعيون التى تغذى حدائق الوادى وقد نضبت بعض آبار الوادى مما أدى لقلة المياه، وقد أخذ الوادى شهرته من وجوده فى سفح جبل سربال العظيم الذى يبلغ ارتفاعه 2070 م فوق مستوى سطح البحر واسم سربال ارتبط بشجر النخيل عند سفح الجبل، وكان الجبل محل تقديس قبل رحلة خروج بنى إسرائيل إلى سيناء.
ويشير د. ريحان إلى أن الوادى يحتضن مدينة مسيحية متكاملة مكتشفة بسيناء تحوى آثار عمرها أكثر من 1500 عام من القرن الرابع إلى السادس الميلادى شهدت قدوم المسيحيين إليها من أوربا آمنين، مطمئنين على أرض الفيروز فى رحلتهم إلى القدس عبر سيناء ومنهم الراهب كوزماس عام 535 م.
والراهب أنطونيوس عام 565 م وكان الوادى ملجأ للمتوحدين الأوائل بسيناء الذين لجئوا إليه هربا من اضطهاد الرومان فى القرن الرابع الميلادى وبنوا قلايا (مكان تعبد الراهب) من أحجار الوادى ما زالت باقية حتى الآن ،كما يضم الوادى الجبل التاريخى الشهير وهو جبل البنات الذى يحتضن دير البنات الذى يعود للقرن الخامس الميلادى، وقيل فى تسميته بهذا الاسم أن فتاتان من المنطقة عشقا شابين ورفضا أهلهما تزويجهما بالشابين فربطتا ضفائرهما معا وقفزتا من اعلى ذلك الجبل.
وينوه د. ريحان إلى أن المنطقة الأثرية بوادى فيران تضم مدينة بيزنطية متكاملة بتل محرض الأثرى وتبلغ مساحته 400 م طول 200 م عرض له سور من القرن السادس الميلادى أساساته من الحجر والجزء العلوى من الطوب اللبن ،وتضم المدينة منازل واضحة التخطيط ومقابر على أطراف المدينة ،وأربعة كنائس منهم الكنيسة الأسقفية الخاصة بالكرسى البابوى ،وكنيسة المدينة وقد خصص جزء منها كمستشفى ،وتعتبر مطرانية فيران هى أقدم مطرانية بسيناء منذ عام 451 م وكان بها مقعد الباباوية.
ويؤكد د. ريحان أن مطرانية فيران انتقلت إلى طور سيناء (منطقة سانت كاترين الحالية) بعد بناء دير طور سيناء الذى أطلق عليه دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادى للقصة الشهيرة لسانت كاترين والعثور على رفاتها فوق قمة الجبل الذى عرف باسمها بعد ذلك ،وقد انتقل مركز مطرانية سيناء من وادى فيران إلى دير طور سيناء بعد بنائه بتسعون عاما ،وأصبح دير سانت كاترين مركزا لأبرشية سيناء ، وأصبح المطران يلقب "مطران دير طور سيناء وفيران وراية" وراية مقصود بها مدينة طور سيناء الحالية.
وينوه د. ريحان إلى أن وادى فيران يحوى جبل الطاحونة المواجه لتل محرض الأثرى ويتميز بجمال غير عادى ويرتفع 886 م فوق مستوى سطح البحر ،ويضم قلايا مسيحية من القرن الرابع الميلادى نوكنائس من القرن الخامس والسادس الميلادى بنيت بالأحجار الرملية الحمراء المأخوذة من نفس الجبل دليل على التفاعل بين الإنسان والبيئة، واستخدموا مونة من الحيب الناتج عن كثرة السيول بالمنطقة التى تجلب هذه المونة إلى سفح الجبلن كما تكشف قمة جبل الطاحونة جمال الوادى وتدرج جباله وجمال المنطقة كلها.
ويشير د. ريحان إلى الدور الحضارى لهذا الوادى مازال مستمرا حتى الآن فلقد حصل دير سانت كاترينعلى حديقة كبيرة عام 1898 م يسقيها خزان كبير بجوار تل محرض الأثرى ،وقام راهبان من دير سانت كاترين ببناء كنيسة بهذه الحديقة عام 1970 م تسمى كنيسة سيدنا موسى، وتم بناء دير حول هذه الكنيسة عام 1979 م يتميز بأشجار السرو الباسقة رمزا للخلود ،وخصص للراهبات التابعين لدير سانت كاترين ويسمى دير البنات الحديث.
ويطالب د.ريحان بالاستفادة من وادى فيران الكنز الأثرى والطبيعى بتحويله لمتحف حضارى طبيعى مكشوف يضم الكنوز الأثرية التى تؤكد التعايش الحضارى والتسامح على أرض مصر لتنشيط السياحة الثقافية والدينية بالوادى، واستغلال مجارى السيول بالوادى بعمل سدود وخزانات لتوفير المياه وإعادة اللون الأخضر لأشجار الوادى التاريخية ،واستغلال الطبيعة المتفردة من جبال لها سحر خاص يجمع بين البشر والحجر والشجر فى مكان واحد وذلك لتنشيط السياحة البيئية بالوادى.