بقلم: د. آمل الكردفاني
تتميز مصر بالمواقع الأثرية الكثيرة عبر العصور المختلفة من فراعنة نوبيين ويونانيين مرورا بالحضارة الفارسية والعربية والتركية وخلافه ، أي أن الفرق بين مصر والسودان أن تاريخ مصر لم يشهد انقطاعات كبيرة بل ظل متواصلا في حين أننا لا نعرف في السودان العديد من الحقب وتاريخها ثقافيا واقتصاديا وسياسيا ، كذلك لا زالت اللغة القديمة في السودان غير مكتشفة وللأسف لم يجد علماء الآثار حجر رشيد ليفكوا به الطلاسم التاريخية الهامة . لست متخصصا في السياحة ولكنني سأطرح بعض مشاهداتي للفروقات الجوهرية بين مصر والسودان في هذا المجال ، ويمكنني ابتداء أن أشير إلى إشكاليات عديدة تواجه مصر في مجال السياحة وهي في الواقع مشكلات ثقافة عامة مصرية ، تبتدئ من تناقضات الشعب المصري نفسه ، فهو مجتمع محافظ ، وتقليدي جدا ، فوجود سائحة تسير بالشورت يثير حفيظة المجتمع ويؤدي بشكل عكسي إلى احتمالات التحرش بها جنسيا..
نجد أن المجتمع المصري نفسه يفتقد إلى ثقافة السياحة ، فهو يعمد إلى استنزاف السائح منذ دخوله إلى صالة الوصول بالمطار وانتهاء بدخوله إلى صالة المغادرة ، فيعامل السائح كأحمق يجب عصر جيبه لتجفيفه من المال ، فالفهلوة هي داء كبير أصاب المجتمع المصري وهو يظن أنه يحسن صنعا ، لأن السائح يحتاج أول ما يحتاج إلى الثقة ، والاطمئنان على نفسه وليس أن يعامل كأحمق ، كذلك فإن المجتمع المصري مجتمع عنيف ومن المعتاد أن ترى توترات ومشاجرات في الشوارع ترتفع فيها الأصوات بالشتائم البذيئة ، وربما ترتفع فيها المطاوي والسيوف أيضا ، لذلك فقد صنفت القاهرة بأنها من أكثر المدن التي تصيب بالتوتر النفسي ، وهذا حقيقي ، فالجميع ينظر إلى جيب السائح فقط دون مراعاة لأهميته بالنسبة للاقتصاد القومي ولذلك فإن السائح يزور مصر مرة واحدة فقط ولا يعود لها مرة أخرى.
عكس هذا في السودان ، فالمجتمع السوداني أكثر هدوءا ولا يميل إلى الفهلوة كثيرا ، رغم أنها بدأت تجد لنفسها موطئ قدم بعد الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد ، ولكن رغم ذلك فهو مجتمع يفتقر إلى ثقافة السياحة ، بل ولا يعتبرها شيئا خطيرا أو ذا قيمة ولا يعتبرها إيرادا قوميا هاما رغم ما يذخر به السودان من آثار كالأهرامات والجبانات والمناطق المحمية وخلافه ، ولا أدل على عدم الاهتمام بالسياحة أن من تم تقليده منصب وزير السياحة سلفي يمسك المسواك بيمينه ليخلل به أسنانه كل هنيهة ، فكيف لسلفي يرى الآثار أصناما والسائحات عاهرات أن يطور السياحة أو يطور ثقافة السياحة، فالسياحة لا تحتاج إلى متعلم بل تحتاج إلى متنور وفنان ؛ متنور أي منفتح على فنون العالم وآدابه وثقافاته ، وفنان أي أن يملك عين الإبداع بنفسه ويستطيع التمييز بين درجات الفن وولوج أعماقه ، لا يكفي أن يكون المجتمع متقبلا للسياحة والسياح بل يجب أن يكون منفتحا هو أيضا تجاههم ، وأن يعرف أسرار التعامل السياحي الراقي ، وأن يعرف المجتمع كيف يغض طرفه عن الثقافات الأخرى التي لا تجد لها شبيها في السودان ، تماما كما كان الحال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، يجب أن يرتاح السائح لوجوده في السودان وألا يشعر بأي توتر بل على العكس يجب منح السائح الأمان بمعناه الضيق اي الأمان على ممتلكاته ونفسه والأمان بمعناه الواسع أي عدم خضوعه لأي ابتزاز أو عنف ثقافي، وهذا يتطلب أن نحترم فكرة الحرية الفردية ، فالشعوب التي عرفت قيمة الحرية الفردية يتميز أفرادها بعدم الالتفات إلى نقائص الثقافات الأخرى أو عيوبها ، ونحن للأسف مجتمعات قطيعية ، لم نفهم الفكر الليبرالي بعد ولم نهضمه بل هو بالنسبة لنا مجرد كلمة قد لا يفهم معناها الكثير من الناس.
إن السياحة تعني مزيدا من العملة الصعبة ، ورخاء اقتصاديا ، وعولمة ثقافية، ومرونة سياسية وتطورا معرفيا .
لذلك فإن الاهتمام بالسياحة يجب أن يبدأ بالبنية التحتية ، للأسف يفتقر السودان إلى بنية تحتية للسياحة فلا توجد وسائل مواصلات واسعة الانتشار ولا حتى فنادق جيدة في المناطق الاثرية بل محاولات فردية غير مدعومة من الحكومة ، فالحكومة يجب أن تدعم الانشطة المجاورة للسياحة من عمليات الفندق والمواصلات وتبديل العملة وتدريب المرشدين السياحيين وتهذيب صغار العاملين بالسياحة والاهتمام بنظافتهم الشخصية وضمان أمانتهم حتى لا يتم تنفير السائح ، بل يجب جذبه للعودة مرة أخرى بعد ان يجد من التوقير والاحترام ما يثلج صدره ويسعد قلبه.