-
العمليات الإرهابية أصبح لها أسباب طائفية ومذهبية
-
الوطن العربي يعاني من غياب العدالة الاجتماعية
-
الربيع العربي سببه حالة الاحباط وعدم الرضا والرغبة في التغيير
-
19 اتفاقية دولية وتصريح دولي صادر عن الأمم المتحدة لا يضع تعريفًا محددًا للإرهاب
-
لازلنا نستخدم النموذج القديم في التعامل مع المجموعات المتطرفة
الإسكندرية “المسلة” ….. شهد اليوم الثالث من مؤتمر “العالم ينتفض: متحدون في مواجهة التطرف”، والذي تنظمه مكتبة الإسكندرية في الفترة من 17 إلى 19 يناير 2017، جلسة بعنوان “التطرف: أساليب التجنيد وضرورات التحرير”، تحدث فيها كل من الدكتور عبد الحسين شعبان؛ الكاتب والمفكر والمؤلف العراقي، والدكتور مجدي عاشور؛ المستشار العلمي لفضيلة مفتي الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، والدكتورة بدرة قعلول؛ رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس، والدكتور عمرو الشوبكي؛ الكاتب والمفكر السياسي المصري ومدير تحرير مجلة أحوال مصرية.
أدار الجلسة الدكتور محمد أبو حمور؛ أمين عام منتدى الفكر العربي، والذي أشار إلى أن التطرف بدأ مع الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي ثم انهيار النظام الاشتراكي، ومن ثم تم التوجه للهدف الجديد وهو الإسلام، عن طريق تلاث موضوعات رئيسية هي الديمقراطية، حقوق الإنسان، والإصلاح الاقتصادي، مبينًا أن الإصلاح الاقتصادي سار باتجاه مصالح الدول المتقدمة على حساب الدول النامية وخاصة الدول العربية، كما أنه تم استخدام الديمقراطية وحقوق الإنسان كذريعة للتدخل في شئون المجتمعات النامية.
وأكد أن الربيع العربي جاء نتيجة حالة من الاحباط وعدم الرضا والرغبة في التغيير، وقد استجابت له بعض الدول بينما توجهت دول أخرى للصراع العنيف والدموي، لافتًا إلى أن الأسباب الرئيسية للربيع العربي هي أسباب اقتصادية، كما أن الفقر أيضًا أساس التطرف والإرهاب، فالعالم العربي يعاني من البطالة بنسبة 17.9%، وهي ثلاثة أضعاف متوسط العالم، كما أن شعور الشباب بالتهميش والفقر وعدم تحقيق الذات يولد الشعور بالإحباط ويعرضه لاعتناق الفكر المتطرف.
ولفت أبو حمور إلى أن الوطن العربي يعاني من غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الفرص، حيث فشلنا في إدارة الندرة والوفرة؛ سواء المادية أو البشرية، كما أن غربة المواطن في وطنه هي من أسباب التطرف، حيث إن المكاسب والمنافع تذهب إلى فئة معينة في المجتمع. وأضاف أن الاحصاءات الأخيرة تشير إلى نتائج كارثية للحروب والعمليات الإرهابية الأخيرة، التي أثرت بشكل كبير على الدخل القومي العربي، وأدت لخسارة واحد ونصف تريليون دولار، وأصبح هناك أكثر من 14 مليون لاجئ.
وتساءل أبو حمور عن مدى قدرة المجتمعات العربية في الحفاظ على الشباب ووقايتهم من الأفكار المتطرفة التي يدعو إليها تنظيم داعش من خلال أساليب التجنيد المتقدمة التي ينتهجها، وكيف نولد لدى الشباب المناعة ضد هذه الدعوات.
من جانبه، قال الدكتور عبد الحسين شعبان إننا يجب أن نطرح بعض الأسئلة حول قضية التطرف وأوضاع الحاضر والمستقبل في إطار الدراسات المستقبلية، فإننا نواجه ثلاثة سيناريوهات؛ إما سيبقى الحال كما أو عليه، أو يتحسن، أو يتدهور الحال من خلال إضعاف الدولة الوطنية وهدم مكوناتها ومقوماتها الأساسية.
وأكد أن الإرهاب أصبح يأخذ الآن طابعًا مختلفًا بسبب وسائل الاتصال والطفرة الرقمية، ولذا فإننا نحتاج استراتيجية مختلفة لمواجهته، بالإضافة إلى المزيد من الحوار على صعيد الحكومات والمجتمع المدني والإعلام. ولفت شعبان إلى إشكالية بالغة الأهمية، وهي عدم وجود توصيف دقيق لمصطلحات التعصب والتطرف والإرهاب، وأن هناك 19 اتفاقية دولية وتصريح دولي صادر عن الأمم المتحدة لا يضع تعريفًا محددًا للإرهاب، مما يخدم مصالح الدول المتقدمة في الأساس، ويمثل عودة للقانون الدولي الذي يعطي الحق في الغزو وشن حروب استباقية ووقائية. وشدد على أن مكافحة الإرهاب لا يجب أن تؤثر على الحريات العامة، كما أنه لا يمكن محاربة الإرهاب بالإرهاب، ولكن الأمر يحتاج معالجة فكرية وثقافية، والتطبيق الجاد للعدالة الاجتماعية والشراكة والمشاركة.
وفي كلمته، تحدث الدكتور مجدي عاشور عن ممارسات الجماعات المتطرفة والنموذج المعرفي الذي أنشأته لنفسها، والذي يختلف عن المنهج الوسطي تمامًا. ولفت إلى أن هذه الجماعات تنطلق من “فكر العور”، أي النظر للأشياء بعين واحدة والاهتمام بالنصوص لا الواقع، والثوابت لا المتغيرات، وخارج النفس لا داخلها. كما أن هذه الجماعات تعمل على “احتلال المفاهيم”، أي أخذ المفاهيم الصحيحة واحتلالها وإحداث اختلال كبير فيها، فمفهوم الجهاد مثلاً تم استخدامه استخدام سيء من قبل المتطرفين، بينما للجهاد معنى كبير في الإسلام، أكبر ما فيه هو جهاد النفس والقليل فيه بمعنى المقاتلة، أي صد العدوان.
وأشار إلى أن الجماعات المتطرفة نزعت منظومة القيم من العبادات وحولتها لمجرد أشكال، كما قدموا المصلحة على المبادئ والقيم، وصوروا للعالم أن الدين يدعو للموت وصناعة الموت، بينما الإسلام هو دين إعمار وحياة. وأضاف أن المتطرفين قاموا بتحويل المتغيرات لثوابت، بالرغم من أن الثوابت تمثل حوالي 10% من الأحكام الفقهية، كما أنهم جعلوا من أنفسهم مصدرًا للتشريع، وخالفوا قيمه وتجاوزوه، واستخدموا جهل الناس لتحقيق مصالحهم، واستغلوا النساء والأطفال.
وشدد على أن المسئولية تقع على عاتق المفكرين والنخبة في بلادنا لنشر قيم التسامح والرحمة التي هي أساس رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام وجميع الأنبياء، مشيرًا إلى كلمات الإمام عبد الوهاب الشعراني بأن التغيير بالقلب هو أقوى أساليب التغيير، وهو السبيل الوحيد لإخراج العاصي من دائرة المعصية إلى الطاعة.
وفي كلمتها، عرضت الدكتورة بدرة قعلول الدراسة التي أجراها المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس حول استقطاب الجماعات المتطرفة للشباب، وتم إجراء الدراسة في “البودرية”، وهو حي فقير بتونس، وتبين من خلال مقابلة 30 شاب في الفئة العمرية من 15 إلى 30 سنة أن بعض الأفراد يقوموا باستغلال تدني المستوى الاقتصادي للشباب وانقطاعهم المبكر عن التعليم في استدراجهم داخل الشبكات الداخلية في المساجد، ثم تأتي المرحلة الثانية وهي السفر إلى ليبيا للتدريب إما للعودة إلى تونس للعمل داخل الخلايا المترصدة للمراقبة والمد اللوجستي، أو البقاء في ليبيا وتلقي التدريبات العسكرية.
وأكدت أن الفقر هو العامل الأول الذي تستغله الجماعات المتطرفة لتجنيد الشباب في تونس، فالظروف المعيشية في الحي الذي تم البحث فيه بالغة التدني، كما أن التهميش الاجتماعي والسياسي هو العامل الثاني والأكثر أهمية، فالشباب يشعر بالإحباط والنقص في بلاده، وتقوم تلك الجماعات بإعطائه المكانة الاجتماعية التي يفتقدها. وتساءلت قعلول عن دور الدولة في هذا الإطار، مبينة أن دور الباحثين يتمثل في التفكير والتشخيص وإعطاء الحلول العملية، ثم يأتي دور الدولة والمسئولين. وأضافت أنه يجب العمل على مفهوم “الوقاية”، وإنقاذ الأجيال القادمة من هذا التيار الجارف.
من جانبه، قال الدكتور عمرو الشوبكي إننا أمام تحول في طبيعة الجماعات المتطرفة، لكننا لازلنا نستخدم النموذج القديم في التعامل مع هذه المشكلة، وتحدث عن وزن الجانب الفقهي والعقائدي في تكوين المجتمعات، والذي لم يغيب في أي لحظة لكنه شهد تغيرًا كبيرًا. وأضاف أنه في البداية ظهرت جماعات عقائدية كبرى أسست إطارًا فكريًا وفقهيًا متكاملاً يمثل انحرافًا عن صحيح الدين والتيار الوسطي، ومنهم الجماعة الإسلامية في مصر والسلفية الجهادية في المغرب، وغيرها. ولفت إلى أن هذه التنظيمات اتسمت بالمحلية وقامت بتجنيد الأعضاء من خلال مشروع عقائدي وفقهي متكامل.
وأشار إلى أن التحول في طبيعة التنظيمات الإرهابية جاء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو العراق وظهور القاعدة ثم داعش، وهي جماعات إرهاب وانتقام سياسي لها نمط مختلف تمامًا عن النمط الذي كان موجودًا من قبل. وأضاف أن العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا في الآونة الأخيرة قام بتنفيذها شباب لا علاقة له بالأفكار الفقهية والعقائدية أو الإطار التكفيري والجهادي، بل انطلقت من دوافع سياسية واقتصادية واجتماعية.
وأكد أن العمليات الإرهابية أصبح لها أسباب طائفية ومذهبية في دول مثل العراق، وسياسية واجتماعية في دول مثل أوروبا ومصر في بعض الأحيان، مشيرًا إلى التقرير الصادر عن حركة “حسم” في مصر وهي حركة لا تقدم أي تبرير فكري وشرعي وعقائدي لعمليات العنف التي تقوم بها على عكس جميع التنظيمات التكفيرية. وأضاف أننا نواجه تحديات كبيرة وأهمها مدى جدوى إصلاح الخطاب الديني في ظل وجود أسباب أخرى جديدة لأعمال العنف والإرهاب.