اعدها للنشر : د. عبدالرحيم ريحان
الامير واقداره الثلاثة المكتوبة … هو نص مدون على ظهر بردية “هاريس” رقم 500 المحفوظة بالمتحف البريطانى (رقم 10060) ويرجع المخطوط إلى الأسرة التاسعة عشر، نهاية حكم الملك “سيتى الأول” أو بداية حكم الملك “رمسيس الثانى”.
يحكى أن ملكاً من ملوك مصر لم يرزق بمولود ذكر فتضرع إلى الآلهة من حوله لترزقه إبنًا فقضت هذه الأخيرة بأن يولد له ولد ،وخلال هذه الليلة ذاتها حملت زوجته منه وبعد أن أتمت عدة الشهور اللازمة للولادة ،وضعت الولد وهمت آنذاك الحتحورات السبع بالحضور لإبلاغ قدره المكتوب قائلة “سيلقى حتفه على يد تمساح أو ثعبان أو كلب أيضاً” ،سمع هذا الكلام من كانوا بجوار الطفل فنقلوه إلى جلالته فليحى ويزدهر ويكن فى صحة طيبة.
عندئذ تملك الحزن قلب جلالته بما يفوق كل تعبير فأمر بأن يشيد للطفل منزل من حجر فى الصحراء وجُهزّ بطاقم من الخدم وكل الأشياء الجميلة والطيبة الخاصة بالقصر الملكى.
ولما شب الطفل وترعرع صعد ذات يوم إلى السطح فشاهد كلباً يسير على الطريق وهو يتعقب رجلاً .
وقال للخادم الواقف بجواره “ما هذا الذى يسير إذن خلف هذا الرجل الذى يتقدم على الطريق؟
فأجابه “إنه كلب” عندئذ قال له الصبى “مُر بإعطائى كلباً مماثلاً.”
وتم ذلك وبعد أن مرت الأيام واشتد عود الطفل أوفد رسولاً إلى أبيه ليقول له “ترى ماذا سيحدث لو مكثت على هذا النحو؟
أنظر أنا أسير قدرى اسمح إذن أن أتمكن من التصرف كما يهواه قلبى ،وما سيفعله الإله إنما هى مشيئته.
فأُعدت له مركبة جهزت بمختلف أنواع أسلحة الحرب.
وخصص خادم ليتبعه كرفيق وتم نقله إلى البر الشرقى من النهر وقيل له “واصل الآن طريقك حسب هواك.
وكان كلبه معه ورحل فى اتجاه الشمال فى الصحراء حسبما كان يريد، وكان يأكل من أفضل صيد الصحراء.
ووصل ذات يوم أمير “نهارينا” ولم يكن هذا الأمير قد رزق أولادًا ،ما عدا فتاة واحدة.
ومن أجل هذه الأخيرة شيد منزلاً كانت نافذته تبعد عن الأرض سبعين ذراعاً .
وكان أمير “نهارينا” قد عمل على أن يحضر جميع أبناء كافة زعماء الدول السورية، وأخبرهم قائلاً “من منكم إذا قفز وصل إلى نافذة ابنتى فهو الذى سيتزوجها.
وقد وصل هذا الشاب لنافذة الأميرة ،وقالوا لوالدها أنه ابن ضابط جاء من أرض مصر هرباً من زوجة أبيه.
عندئذ استشاط أمير “نهارينا” غضبًا شديدًا ،وقال “وهل أهب ابنتى لهذا الطريد المصرى؟
اعملوا علي أن يعود أدراجه” فذهبوا ليخبروا هذا الأمير قائلين “عُد إذن من حيث أتيت”، ولكن الفتاة أمسكت به وأقسمت باسم الإله قائلة “حقاً وكما أن الدوام هو لـ “رع-حور-آختى” ،فلو أنتزع هذا الشاب بعيداً عنى فلن آكل أبداً ،ولن أشرب أبداً حتى أموت لساعتى .
وانصرف الرسول ليبلغ أباها بكل الكلمات التى نطقت بها ،عندئذ أرسل الأب لقتل الشاب فى مكان إقامته .
ولكن الفتاة قالت لسوف أموت مع غروب النور الإلهى ،فلن تمر علىّ ساعة واحدة من بعده وأنا على قيد الحياة .
وذهبوا ليبلغوا هذه الأقوال لأبيها فأمر هذا الأخيرعندئذ بأن يمثل الصبى بين يديه هو وابنته معاً .
ووهبه ابنته وأعطاه منزلاً وأراضى منزرعة وماشية ،وكل ما هو جميل وطيب.
وبعد ذلك بفترة قال الشاب لزوجته “لقد كتبت علىّ أقدار ثلاثة التمساح والثعبان والكلب ،فقالت له “مُر بقتل الكلب الذى يتبعك” فرفض لأنه تربى معه .
غير أنه كان قد حدث فى ذلك اليوم الذى جاء فيه الصبى من أراضى مصرهائما على وجهه، أن التمساح الذى كتبه القدر عليه كان يتعقبه .
لقد حلّ فى المدينة التى كان يقيم فيها الشاب قبل وصوله فقط وظل باقياً فى الماء.
بيد أن روحاً إلهية شديدة البأس كانت موجودة فى هذه المياه،فلا تسمح للتمساح بالخروج منها ،ولا يسمح التمساح للروح الإلهية الشديدة البأس أن تخرج للتنزه .
وبعد فترة خرج ثعبان من جحره وكان هدفه أن يلدغ الشاب،وكانت زوجته بجواره ولكنها لم تكن نائمة وقتلت الثعبان.
وخرج الشاب بعد ذلك بعدة أيام ليتنزه ويروّح عن نفسه فى وسط أملاكه، ولم تخرج معه زوجته وكان كلبه يرافقه .
عندئذ أخذ هذا الأخير يتحدث قائلاً “إنى قدرك”، وعلى ذلك فقد أخذ الشاب يجرى أمامه، حتى وصل للماء وقفز فيه.
فأمسك به التمساح وحمله للمكان الذى اعتادت أن تتواجد فيه الروح الإلهية الشديدة البأس، ولكن الأخيرة لم تكن موجودة هناك .
فقال التمساح للشاب “أنا قدرك الذى تعقبك إلى هنا وطوال الأشهر الثلاثة الماضية وحتى اليوم حاربت الروح الإلهية الشديدة البأس.
ولكننى مستعد مع ذلك أن أطلق سراحك حتى إذا حضرت هذه الروح لمحاربتى، مددت لى يد العون وقتلتها .
وعندما ابيضت الأرض ومع حلول يوم ثان هّمت الروح الإلهية، الشديدة البأس عائدة.
وهنا تتوقف القصة لأن نهاية المخطوط مفقودة .
لا نستطيع معرفة ما إذا كان الرجل الذى بدا تحت رحمة لعبة الأقدار فى وسعه أن يردها بعون من الإله ،والتعضيد الخير من زوجته ساهرة على غرار “إيزيس”.
وهذا أمر محتمل جداً لأن الإنسان يظل فى الفكر القديم ملاصقاً للآلهة التى تعايش معها خلال الأزمنة الأولى للكون.
وفى هذا العالم المسحور تمتزج الخوارق والأساطير فيصبح فى وسع جميع المخلوقات أن تتصل بعضها ببعض من خلال الكلمة وهى هبة جوهرية وفاعلة.
وكان لابد أن يتعرف الأمير على أساليب السحر ليستطيع أن يقفز حتى نافذة الجميلة الموعودة.
ويقارن “ﭼوستاف ﻟﯿﻔﯿﭭر” بين هذه الواقعة وأحداث أخرى مماثلة تذكر فى قصص حديثة روسية وبولندية وفنلندية وهندية، إذ يتعين أن يقفز البطل حتى الدور الثالث من القصر الذى تقيم فيه ابنة الملك .
وفى قصة من منطقة أفاريس فى القوقاز عليه أن يقفز فوق برج ،ومن المحتمل أنه قد حدث خلال تحركات الشعوب فى الألف الثانى قبل الميلاد .
وهى شعوب قدمت فى قسم منها من مناطق قوقازية، واستقرت فى آسيا الصغرى ،وفى أعالى وادى دجلة ،ووادى الفرات .
من الراجح ان بعضها قد واصل زحفه جنوباً ،وربما نقل بعض المهاجرين والتجار والجنود شيئاً من هذه الخرافات.
وكان أهل مصر يحبون القصص حباً شديداً ،فربما أضحت مستودعًا وصدىً لألوان السحر المختلفة والغابرة.
الكاتبة نهى أحمد حسن مفتشة آثار بوزارة الآثار وباحثة دكتوراه بمعهد حضارات الشرق الأدنى بجامعة الزقازيق