السوق الكبير سياحة بنكهة البهارات وتســــــوّق يفوح منه البخور
دبي " المسلة " … يعتبر «السوق الكبير»، الواقع في قلب ديرة معلماً سياحياً أصيلاً من معالم إمارة دبي، حيث يجسّد ببنائه وأزقته وشوارعه الضيّقة حضارة ضاربة في التاريخ، كما تنم محتوياته من بهارات وعطور وبخور وعباءات و«كنادير» عن عراقة التراث، فيما يشهد موقعه الاستراتيجي قبالة خور دبي على قيمة اقتصادية عظيمة تمتد لمئات السنين، باعتباره مركزاً تجارياً مهماً لتبادل البضائع بين منطقة الخليج وشرق آسيا.
وتشكل زيارة هذا السوق، الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 150 عاماً مضت، رحلة إلى الماضي، وجولة عبر التاريخ، تتيح للزائر فرصة تخيل طبيعة الحياة قديما في الإمارات، قبل النهضة العمرانية والحضارية التي سادت والتي حولت مدينة دبي إلى تحفة جمالية بشكل وطراز مدني حديث.. ويمكن لكل أولئك الباحثين عن الأصل والأصالة أن يشتموا عبقهما مع رائحة البخور والعطور العربية ونكهة البهارات الهندية التي تضفي على المكان أجواء ساحرة وآسرة.
تحفة تراثية
الحركة في السوق تتواصل على مدار اليوم، حيث يغصّ بالزوار، من مقيمين وسياح من مختلف الجنسيات، سواء من أولئك الذين يقصدونه لشراء البضائع المختلفة أو الذين جاؤوا بهدف التعرف على المواقع السياحية القديمة في مدينة دبي، وتكثر الأعداد لا سيما مع سهولة الوصول إلى المكان وربطه بسكة «المترو» وتوفر التاكسي وغيرها من وسائل المواصلات.
وفي جولة قام بها المركز الإعلامي لمؤسسة دبي للمهرجانات والتجزئة، أبدى عدد من السائحين إعجابهم بهذا السوق الذي يجسد تحفة معمارية وتراثية جميلة تأسر الزائرين، فيما تحدّث عدد من التجار والبائعين عن متعة البيع والشراء في السوق لا سيما خلال مهرجان دبي للتسوق.
وقالت آنا لينا، وهي سائحة سويدية، جاءت للإمارات في زيارة عند صديقتها التي تقيم بمدينة العين: «إنها المرة الأولى التي أزور فيها مدينة دبي، لقد أحببت دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، وأحببت مدينة دبي بشكل خاص، وقد جئت اليوم من العين في زيارة سياحية إلى السوق الكبير، الذي يضم الكثير من البضائع التقليدية والعطور والبهارات وغيرها».
أحب البخور
وأضافت آنا: «أحب رائحة البخور العربي كثيراً، ولأنني أقيم في الصين فأنا معتادة على مشاهدة الأنواع المختلفة من البهارات.. لقد أحببت هذا المزيج الفريد الذي يصبغ السوق الكبير، والناجم عن اختلاط روائح البخور والعطور ونكهة البهارات الهندية، فهو يعكس عراقة المكان وتفاعل الثقافات على الأرض».
من جهتها، قالت صديقتها إيفا ليستروم، وهي سويدية تعمل في مطار العين: «رغم أنني أقطن مدينة العين، والتي تبعد عن دبي مسافة تستغرق مدة ساعة ونصف تقريبا، إلا أنني أزور السوق بشكل متكرر، وقد ارتدته أكثر من 15 مرة قبل ذلك، فهو وجهتي السياحية والاقتصادية المفضلة في الإمارات».
وتابعت القول: «يعجبني طراز السوق المعماري، وتفاصيله الصغيرة التي تسرد تاريخ السوق وقصصه، كما تعجبني رائحة العطور والبخور التي تفوح من الأزقة والأحياء الضيقة، وآتي إليه خصيصا لشراء البهارات المختلفة لا سيما وأنني أطهو مختلف الأطعمة من الثقافات العالمية».
سياحة وتسوّق
بدوره تحدث ديفيد سانتشو، وهو سائح إسباني جاء إلى دبي برفقة عائلته، وقال: «لقد جئت إلى دبي قبل أسبوع، وأحببت المدينة كثيرا بكل تفاصيلها، إلا أنني مهتم أكثر بالمناطق القديمة، وقد قرأت عن»السوق الكبير«عبر الانترنت، وجئت خصيصا لكي أشاهده وأرى هذه المنطقة المحيطة بالخور، والتي تتخللها الأسواق القديمة والأزقة والبضائع التقليدية، لقد أحببت المكان، وراعني ذلك التمازج بين البناء والإضاءة والماء، مع وجود السفن القديمة، فضلا عن الأبراج والمباني الحديثة التي تحف المنطقة، إنه مكان ساحر لا يوجد له شبيه».
إلى ذلك، عبرت زوجته إيريس فياروبيا عن إعجابها بمدينة دبي ونظافتها الواضحة، وقالت: «إنها المرة الأولى التي أزور فيها دبي، لقد أحببت المدينة بكل تفاصيلها، بمبانيها الشاهقة الحديثة وأسواقها القديمة، بشوارعها الواسعة وأزقتها وأحيائها الصغيرة، لقد أعجبني»السوق الكبير«كثيرا، واشتريت منه قطعا تراثية قديمة تضعها النساء على رؤوسهن وضعتها على رأسي ابنتي الصغيرتين وقد فرحتا بهما جداً».
مركز تجاري
على الرغم من كثرة مراكز التسوّق التي تبنى في دبي سنوياً، إلا أن الأسواق القديمة تبقى مركزاً مهماً للسياحة والتجارة، حيث تجد فيها الكثير من السياح وكذلك التجار الباحثين عن البضائع التراثية والأقمشة وأنواع البخور والتوابل والمواد الغذائية والعطور بأسعار زهيدة ومناسبة للجميع.
حول هذا السوق وما يكتنفه من حركة وبيع وشراء، تحدث محمد علي غلوم، وهو بائع في مخزن يدعى الطلوع، مشيرا إلى أنه كبر وترعرع في هذا السوق، الذي يعمل فيه مع والده منذ عشرين عاما تقريبا، حيث يقومان ببيع البهارات والزعفران، والفواكه المجففة وأنواع الأسماك والروبيان المجففة، بالإضافة إلى الزيوت الطبيعية، والتحف والإكسسوارات، وغيرها من تمور وحلويات مختلفة، يقبل على شرائها السياح من مختلف الجنسيات، موضحاً أن الأجانب يفضلون شراء التمور والزعفران، والذي يتوفر بأنواعٍ وأسعارٍ مختلفة، إذ يتوفر بسعر 25 درهماً و15 درهماً، و10 دراهم لكل غرام منه.
وأضاف غلوم: «الحركة هنا في السوق تجري على قدم وساق طوال اليوم وعلى مدار العام، ولكن مع هذا نجد زيادة حوالي 3 أضعاف في عدد الزوار الذين يفدون إلينا خلال انعقاد مهرجان دبي للتسوق، والذي يجلب إلينا الكثير من السياح من مختلف مناطق العالم، وهو أمر اعتدنا عليه بفضل خبرتنا مع المهرجان وأيضا بفضل مهاراتنا في التحدث بعدة لغات».
لغات
وبالحديث عن اللغات التي يجيدها محمد، أفاد بأنه يتحدث حوالي 7 لغات عالمية بينها العربية والإيرانية والأوردو والانجليزية التي يجيدها بطلاقة، فضلا عن بعض اللغات الأخرى كالألمانية والفرنسية والإيطالية، مشيرا إلى أنه ليس وحده من يمتلك مهارة المعرفة باللغات، وإنما معظم العاملين في السوق كذلك، وذلك بحكم خبرتهم الطويلة في التحدث مع السياح من مختلف أنحاء العالم، فالسوق هو أفضل مدرسة لتعليم اللغات.
وفي السياق نفسه، قال نور محمد، وهو بائع في أحد محلات الأقمشة والتحف والملابس التقليدية: «نبيع في هذا المحل الملابس التقليدية من جلابيات وشيل نسائية، بالإضافة إلى الملابس الإماراتية التقليدية كالكندورة والغترة، فضلا عن الإكسسوارات والتحف، والمشغولات اليدوية مثل مفارش الطاولات ووجوه المخدات وغيرها، وهي بضائع تستهوي السياح من مختلف أنحاء العالم، ويقبلون على شرائها لا سيما وأن أسعارها تعتبر زهيدة جداً قياساً بما يباع في مراكز التسوق».
ولفت نور إلى أن هذه البضاعة تلفت انتباه السياح الأجانب، حيث تقبل النساء الألمانيات، على وجه الخصوص، على شراء العباءات المغربية، كما يقبل السياح كالروس واليابانيين والإيطاليين على شراء الأحذية من هذا السوق، لا سيما وأن البضاعة جيدة وذات أسعار منافسة جدا، فالعباءة على سبيل المثال لا تتجاوز 150 درهماً.
البيان