Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

الهويات الاثنية في ايران دراسة تحليلية بمكتبة الاسكندرية

الهويات الاثنية في ايران دراسة تحليلية بمكتبة الاسكندرية

 

د. خالد عزب

الاسكندرية "المسلة"….. يصدر قريبا عن وحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الإسكندرية دراسة تحت عنوان "إشكالية الهوية القومية في ايران، وهو من تأليف علم صالح وجيمس رول وترجمة محمد العربي، يرى الباحثان أن إيران دولة متعددة الإثنيات، وقد وجدت صعوبة كبيرة في إدحاج الهويات المتعددة في الخطابات السائدة، خاصة الفارسية المهيمنة، وترى الدراسة أن إيران المستقرة حاليا ستضطر إلى أن تستوعب اختلاف هذه الهويات وأن تبحث عن المشترك بينها، غير أن هذا الاجتهاد سيواجه بالفرس المجموعة المهيمنة عددياً وثقافيا التي تتصارع مع مفهومها الخاص عن الهوية، والذيلازال في حالة تغيير مستمر حتى يومنا هذاـ هنا تبرز إشكالية التوفيق بين رغبات واحتياجات الثقافة الفارسية المهيمنة مع حقيقة الدولة متعددة الإثنيات والحاجة إلى هوية إيرانية وطنية جامعة، أدى هذا إلى توتر داخل إيران على نحو متزايد، في الوقت الذي سقط فيه الخطابالإسلامي المثالي ببروز الطابع الفارسي على الدولة، وعليه جرى أمننة مشكلات الإثنيات، خاصة أن سقوط خطابات الثورة الإيرانية ولد لدى هذه الإثنيات مشاكل غير منظورة على السطح.

 

إن تعقد الهوية الوطنية الإيرانية إنما يعود في جزءٍ منه إلى إدماج العديد من الإثنيات واللغات والأراضـي والطوائف والأديان في الدولة الحديثة. غير أن فيروز كاشانـي ثابت يشير إلى أن الفريد في الهوية الوطنية الإيرانية هو "أن الطريقة التـي كانت بها التأكيدات المتفاوتة على التعبيرات المتكاملة ولكن المتنافسة في الغالب للقومية قد حولت السياسة الإيران بطرق راديكالية" (2002, p. 162). لم تكن الهوية الإيرانية أبدًا متجانسة بل كانت دائمًا متنافرة في العديد من اللحظات التاريخية الخاصة، على نحو أدى إلى تحولات حادة ليس فقط في مفاهيم النظام ولكن أيضًا في مفاهيم الهوية الوطنية.


على مدار  القرن العشرين على وجه الخصوص، أدى الوضع الدائم للخطابات الإسلامية إلى جانب تلك القومية إلى تناقض في فهم إيران لذاتها. وجزء من أسباب هذا التناقض هو أن الخطابات القومية قد بنيت على أساس من تمجيد التراث ما قبل الإسلامي الذي دائمًا ما صور باعتباره المصدر الأصيل للهوية الإيرانية، ويربط هذا فكرة إيران بمساحة معينة، وشعور معين عن الذات ومعرفة العظمة السابقة. لقد تم تبنـي هذا الخطاب في الحقبة البهلوية، مع الاستخدام المكثف للماضـي التليد الذي لم يستخدم فقط لتعزيز هيبة النظام الملكي ولكن أيضًا لإعادة تعزيزالشعور بالقومية الإيرانية، وقد اشتملت هذه العملية على تبنـي مشاعر معادية للإسلام و"معادية للآخر"، وحاولت أن تؤسس لهوية الشعب على أساس من الثقافة واللغة الفارسيتين باعتبارها التجسيد الحديث للماضـي الإيراني القديم والمجيد.

 

إن هذا نقيض حاد للخطاب الإسلامي الخمينـي، والذي سعى بالضرورة إلى النئـي عن شرعنة الخطابات والهوية القائمة على أساس قومي وإلى الذهاب بعيدًا بقدر الإمكان ليس فقط عن إعادة فرض الخطاب المؤيد للإسلام، ولكن بدلاً من هذا إلى اتخاذ موقف معادٍ للقومية مستخدمًا الرؤية الدوجمائية للأمة وذلك من أجل تجاوز الدولة وإيران إلى الدعوة إلى "رسالة عالمية وحكم إسلامي واسع"(Ajami, 1988/ 1989, p. 137) . لقد رأى الخمينـي الروابط القومية باعتبارها منتجات للفكر الغربـي والذي كان خصمًا، واستخدم كأداة لتقويض "وحدة الإسلام". وبالتالـي،كانت هناك بعد العام 1979 ربما الكشف الأكثر وضوحًا عن التوترات المدفونة في قلب الهوية الفارسية، التـي كان لها بدورها أكبر التأثير على الهوية الإيرانية. لقد تفاقمت هذه القطيعة مع هوية النظام الملكي بوضوح بأيديولوجيا النظام الإسلامي الجديد، والتـي لم تتجذر في الإسلام الشيعي فحسب وبالمفهوم العالمي للأمة، والذي قوّض وتجاوز حدود الدول، ولكن أيضًا في أفكار تضامن الجنوب- الجنوب، والنضال ضد الاضطهاد والطريق الثالث المحايد بين استقطابات الحرب الباردة.


إن هذه الفروق بين هاتين الهويتين، والتـي كانت أوضح بكثير من أي وقت مضـى في أعقاب الثورة، تشكل عاملاً أصيلاً فـي فهم الهوية الإيرانية، كما أن التوترات بينهما هي ما يشكل تحديًّا أمام أيديولوجيا الدولة والهوية المجتمعية. إن خلق التوتر بين الفرس وأولويات الهوية المختلفة لها يؤثر بدوره على المفاهيم الأوسع للهوية الإيرانية وإشكاليتها وهو أمر له دلالاته بالنسبة للجمهورية الإسلامية.


في الحقيقة، يمكن القول أن قدوم الجمهورية الإسلامية قد فاقم هذه التصدعات القائمة، وأن الأمل في أن تعمل الهوية الإسلامية كقوة موحدة لكل الإيرانيين قد أخفق على نطاق واسع، وانعكس هذا في الجدالات المحمومة حول الحكم الدينـي في مقابل العلمانية، وحقوق الإثنيات فيمقابل الحقوق الفردية والصراع حول معنـى الحداثة بالنسبة لإيران وشعوبها. إن تحليل جوانب هذه النقاشات إلى الآلية الداخلية التـي تتعامل بها الجمهورية الإسلامية نفسها مع قضايا حقوق الإنسان والسياسية الخارجية والتـي يقودها هؤلاء المفترض بهم تدعيم الهوية الإسلامية للدولة هو تعهد معين بهذا[i]. ومن ثم، فإننا في مواجهة صورة معقدة غالبًا ما تمنعنا من رؤية لب القضايا، ولهذا، فإن هذه الورقة تتبنـى أداة الإشكالية والتـي يمكن من خلالها تناول قضية هوية إيران الوطنية.


تعبر الإشكالية عن فكرة وجود مشكلة تتسم بكل من الاستمرارية والخطورة بالنسبة لكيان ما، والأهم بالنسبة لنا، بما يظهر الترابط بين القضايا. إنها ليست إشكالية في حد ذاتها أن نتحدث عن قضية غير مطروقة تدفعها آلية صفرية، ولكن على نحو أكبر، حينما تكون هناك سرديتان يبدوان للوهلة الأولى متباعدتين وتسعى كل منهما للابتعاد عن "الأخرى"، فإن هذا فقط هو ما يربط كل منهما بالأخرى على نحو أكبر ويؤكد تبعيتهما المستمرة. وأكثر من هذا، فإن مفهوم الإشكالية يساعدنا على تجاوز فكرة التواقف البسيط للسرديتين للمرور بحقيقة أنه في الحقيقةتوجد أسس مشتركة قد انبنت عليها هاتان السرديتان، ومن ثم يمكنك بناء علاقة مترابطة لتعريف نفسك في مقابلها، في الوقت الذي تستخدم فيه عناصر الهوية المتماثلة، والغامضة إلى حد بعيد نتيجة الاختلافات. وفي حالة إيران، فإن ثنائية الاتكاء الدائم على الهوية الفارسية باعتبارها مصدر الجزء الأكبر من الهوية الوطنية الإيرانية، إلى جانب حقيقة السعي للدفاع عن الأرض في عالم واقعي مكون من الدول- الأمم، تشكل الأساسيْن المشتركين لتشكيل بنية الهوية الوطنية الإيرانية.


إن تعقد الإشكالية التـي نعرفها هنا أمر عسير على الفهم والتحديد كليًّا، وهو ما يقودنا إلى سبب آخر لتبنـي فكرة الإشكالية. في الرياضيات والعلوم المادية وكذلك في الهندسة، يستخدم مفهوم الإشكالية باعتباره "نموذجًا بنيويًّا" وأداة بيانية لتعزيز الفهم الإنساني ولتسهيل تطوير خطط العمل لتصحيح الأوضاع غير المرغوب فيها… إن الإشكالية هي مكون واحد في نظام أوسع لاستكشاف وإدارة التعقد" (Warfield &Perino, 1999, p. 221). لذا، فإن ما نهدف للقيام به ليس مجرد تعريف وتحليل الإشكالية الشكل 2: بيئة الهوية الإيرانية والفارسية ومن ثم ومن وجهة نظر هذه النماذج بإمكاننا باستمرار أن نرى هذين المصدرين للهوية الإيرانية هما المصدران، غير أننا نرى أيضًا أن هوية الفرس باعتبارها المجموعة الأكبر والأكثر قوة ليست ثابتة هي الأخرى، وتعبر عن نفس مصدري الهوية المتعارضيْن. إنها مشكلة ذات مستويين؛أولاً لأن الهوية الفارسية توفر الأساس للهوية الوطنية على وجه الخصوص، وبدون التزام وثيق من كل الفرس بالهوية الإيرانية المشتركة، سيكون من الصعب خلق أخرى. وثانيًّا، لأن أزمة الهوية الفارسية لها دور في أزمة الهوية الإيرانية الأوسع، وعندما حاولت الدولة خلق هويةإيرانية جامعة، وجدت أنه من العسير أن تقوم بهذا لأن إطارها المرجعي تهيمن عليه أزمة الهوية الفارسية. وهذا أمر أكثر تعقيدًا؛ بسبب الهويات الإثنية العديدة الأخرى التـي لديها مشكلات مع المفاهيم المهيمن عليها فارسيًّا للهوية الوطنية الإيرانية.

 

إن قضية الهوية الوطنية الإيرانية أكثر تعقيدًا بسبب أن باحثـي المنطقة عندما يناقشون هذه القضية غالبًا ما تكون هناك صعوبة في التمييز بين الحدود الحالية للدولة الإيرانية، والتـي تم تثبيتها بكفاءة عند هزيمة إيران في الحرب الروسية- الفارسية (1826-1828)، وكذلك المفهوم الأوسع للتاريخ والثقافة الإيرانيين، فضلاً عن التحديد اللغوي لمجموعة اللغات الإيرانية. دفع هذا باحثين مثلاً بروفيسور ريتشارد فري Richard N. Frye للقول "تشير إيران إلى كل الأراضـي والشعوب التـي كانت ولا زالت تتحدث باللغات الإيرانية  وحيث تواجدت فـي الماضـي ثقافات إيرانية متعددة الوجوه" (Frye in Marcinkowaski, 2010, p. 84). وبالحديث عن تأثير اللغة الفارسية والثقافة الإيرانية على الشعوب الإسلامية (خاصة العرب)، قال فري "لقد أكدت في مرات عديدة على أن شعوب وسط آسيا، سواء كانت إيرانية أو تركمانية اللسان، لهاثقافة وحدة ودين واحد وقيم وتقاليد اجتماعية، فقط اللغة وحدها هي ما تفرقهم" (Frye in Marcinkowaski, 2010, p. 84) هذه التفسيرات غير قابلة على التطبيق في هذه الورقة التـي تسعى إلى استكشاف الهوية الوطنية الإيرانية وتركز على ما وقع داخل حدود الدولة الإيرانية الحالية منذ أواخر القرن التاسع عشر، ولكن لأنه من الواضح أن هذه التمييزات بين الشعوب التـي تعيش داخل قد ازدادت أهميتها على نحو متصاعد على مدار القرن العشرين في الوقت الذي أدت الانقسامات في الثقافة والرؤى والسياسة، وقد فاقمت، منذ مجيـئ الجمهورية الإسلامية علىوجه الخصوص عام 1979 الانقسامات داخل الإسلام خاصة بين الشيعة والسنة والصوفية مع ازدياد ارتباط الدين بالهوية الإثنية واللغوية.


إذًا، فالإشكالية التـي تسعى هذه الورقة لتناولها إنما ترتكز على التباعد الهوياتي بين الفرس والمجموعات الإثنية الأخرى وبين الفرس أنفسهم في سياق الجدل حول الهوية الوطنية الإيرانية ذاتها. هذه النماذج ملحقة عبر الاعتراف بتأثير هذه الخطابات في كل من مستوى الدولةومستوى المجتمع (حيث يوجد انقطاع واضح). وكذلك مع تأثير أهميتها بالنسبة للأيديولوجيا ومفاهيم أمن الدولة/ النظام.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله