المسلة السياحية
بقلم : أشرف الحديدي
مدير تحرير الأهرام
يوشك عام 2020 بكل آلامه وأتراحه أن يلملم أوراقه ليصبح في ذاكرة التاريخ كواحد من أصعب الأعوام في تاريخ البشرية فقد كان عام “كورونا” استثنائيًا بعد أن قلب حياة البشر رأسًا على عقب فأصبح ” كوفيد التاسع عشر ” شخصية عام 2020 “بلا منازع!
ولم لا.. فقد بسط نفوذه وسيطرته على العالم على مدار العام بعد أن “غزا” العالم فأوقف مظاهر الحياة تقريبًا على كوكب الأرض في الربع الأول من 2020، وكبد الاقتصاد العالمي بكل قطاعاته خسائر فادحة تقدر بتريليونات الدولارات وأغلق الحدود، وخلت سماوات العالم من الطائرات لأول مرة فى تاريخ الطيران، وأجبر أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية على البقاء فى منازلهم لتخلو عواصم العالم من البشر وتتحول إلى مدن أشباح فى مشهد نادر الحدوث فى تاريخ البشرية التى لقنها هذا “الفيروس الغامض” – ومازال – دروسًا بليغة لعل أبرزها أنه فرض سطوته بـ”عدالة ومساواة” ودون تمييز بين البشر فلم يفرق بين غنى وفقير أو أبيض أو أسود أو دولة عظمى وأخرى صغرى فى الإصابات أو الوفيات، ولم يستثن أحدًا، وأظهر روح التعاون والتكافل ومساعدة الآخرين بدلا من الصراع والصدام طوال “غزوته الكورونية”.. فهل استوعب العالم هذه الدروس..؟!
.. وبينما العالم يحاول لملمة جراحه مع نهاية “عام الجائحة” ليستقبل عامًا جديدًا بكل الأمل والتفاؤل في أن تنتهي أزمة كورونا في ظل أنباء سعيدة انتظرها العالم بشغف كبير عن اكتشاف ” لقاحات جديدة ” ضد الفيروس وسط سباق دولي محموم للحصول على اللقاح كشف عن الوجه القبيح للنظام الدولي مرة أخرى بعد أن ظننا أن دروس كورونا في أهمية التعاون بين البشر ومساعدة الآخر والمساواة والعدالة قد تركت بصماتها عالميًا، ولكن يبدو أننا تفاءلنا أكثر مما يجب؛ حيث استأثرت الدول الغنية بنصيب الأسد في اللقاحات متجاهلة نصيب الدول الفقيرة، وبدأت العديد من هذه الدول بالفعل رحلة التطعيم لمواطنيها؛ بينما الفقراء ينتظرون ويبحثون عن جرعة “أمل” للحصول على بقايا حصة من اللقاح..
وفي ظل انشغال العالم بسباق اللقاحات فوجئ بـ” موجة ثانية ” و”سلالة جديدة متحورة” من الفيروس أربكته مرة أخرى وعاد الحديث عن إغلاق “جزئي” أو “كامل” للحدود لبعض الدول وتعليق للرحلات وإلغاء لاحتفالات الكريسماس ورأس السنة ليبقى “كوفيد -19” معنا خلال العام الجديد ضيفًا ثقيلًا غير مرغوب فيه نتمنى ألا تطول إقامته.
..ولكن المثير للتساؤل أنه مع انتشار “الموجة الثانية” من كورونا في معظم دول العالم وظهور سلالات جديدة متحورة من الفيروس لم يتم تداول أية معلومات – حتى الآن – عن ظهور ” موجة ثانية ” من كورونا في الصين التي كانت “مركزًا للوباء” في موجته “الأولى” وتحديدًا من مدينة “ووهان”! وبرغم أن حدود الصين التي يصل تعدادها إلى نحو مليار و400 مليون نسمة أي “ربع” سكان العالم تقريبًا مفتوحة حاليًا مع معظم دول العالم برًا وبحرًا وجوًا، ويتنقل منها وإليها ملايين البشر يوميًا، ومع ذلك لا موجة ثانية ، وهو أمر يثير التساؤل!
ولعل مبعث هذا التساؤل الآن هو ما حدث أيضًا مع بداية الموجة “الأولى” من كورونا فى مدينة “ووهان” الصينية فى أوائل ديسمبر من العام الماضي 2019 وتفشي المرض بين سكانها إلى أن أغلقت حدودها بشكل كامل في 22 يناير 2020 فالمؤكد خلال تلك الفترة ما بين ظهور المرض وتفشيه بالمدينة أن عددًا كبيرًا من سكان “ووهان” كانوا يتنقلون بحرية كاملة إلى المدن الصينية مثل بكين وشنغهاى وغيرها مثلما تنقلوا بين بعض دول العالم..
واللافت أن الفيروس انتقل بسرعة جدًا من ووهان إلى معظم دول العالم التي تبعد عن المدينة عشرات الآلاف من الأميال وأصبح “جائحة” عالمية.. ولم ينتشر بنفس السرعة في بقية المدن الصينية القريبة جدًا من ووهان؛ حيث كانت الإصابات فى مدن العالم بالآلاف يوميًا، وفى المدن الصينية بالمئات وربما العشرات فقط!
فأيهما كان الأقرب لانتقال وانتشار فيروس كورونا بسرعة وفق كل التقارير العلمية حول طريقة انتقال وانتشار كورونا.. عواصم العالم البعيدة.. أم المدن الصينية القريبة من مركز الوباء.. ولماذا استمر انتشار الفيروس في دول العالم حتى الآن، وانحسر تمامًا بعد شهور فقط في الصين.. وهل هناك مناطق أخرى في العالم كانت “بؤرًا” لانتشار كورونا؟!
وإذا كانت الصين قد حققت “انتصارًا” كبيرًا على كوفيد التاسع عشر قبل إعلان العالم رسميًا التوصل إلى لقاحات جديدة فعالة مضادة للفيروس، فأصبحت بلا إصابات تقريبًا وبلا موجة ثانية من تفشي كورونا، وهو أمر يستحق الإشادة والدهشة أيضًا ويجعلنا نتساءل عن كيفية تغلب الصين على الوباء بعد شهور فقط من تفشيه، بينما اللقاحات الجديدة لم تكن قد ظهرت بعد!
ولماذا لا تعلن الصين للعالم “تفاصيل” تجربتها الفريدة في الانتصار على الوباء وعدم ظهور ” موجة ثانية ” من كورونا بها، بينما العالم يئن حاليًا من موجة ثانية خطيرة تزامنًا مع ظهور اللقاحات لكى تستفيد كل دول العالم من “التجربة الصينية”، وخاصة أن معظم دول العالم طبقت “تدابير احترازية” صارمة وتوجد دول عظمى من المفترض أن لديها منظومة طبية وعلمية وتكنولوجية قوية مثل الصين، ومع ذلك فشلت كل دول العالم تقريبًا في التغلب على الوباء حتى الآن؛ بينما تتباهى الصين بأنها تغلبت عليه في شهور قليلة!.. فلماذا نجحت الصين وفشل العالم؟ّ!
..وهنا لابد أن نشير إلى أننا لسنا بصدد الحديث عن “نظرية المؤامرة” هنا أو هناك بكل تأكيد، ولكننا نطرح تساؤلات مشروعة حول أسرار كوفيد التاسع عشر ذلك الفيروس الغامض الذي ضرب أرجاء المعمورة، وأصاب العالم بصدمات موجعة لم يستوعبها كاملة حتى الآن، إلى جانب الخسائر الكارثية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي والآثار الاجتماعية الخطيرة التي نجمت عن الجائحة..
فهل يشهد العام الجديد “تحقيقًا دوليًا” شفافًا ومحايدًا لمعرفة أسرار هذا الفيروس الغامض وأسبابه وبؤر انتشاره وتفشيه عالميًا بهذه الصورة المرعبة التي أربكت العالم للوصول إلى إجابات واضحة؟ وهل يبوح كوفيد التاسع عشر بأسراره في العام الجديد؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة؟!