المسلة السياحية
تقرير آثري
عقب اعلان وزارة السياحة والآثار عن افتتاح جزء من مبنى حصن بابليون بمجمع الأديان في منطقة مصر القديمة للزيارة، يرصد الخبير الاثري الدكتور عبد الرحيم ريحان تاريخ ومعالم الحصن واسباب بنائه .. وذلك بعد الانتهاء من المرحلة الأولى من أعمال ترميمه وهو الجزء الواقع من جهة بوابة المتحف القبطي .
وفى ضوء هذا أكد الدكتور ” ريحان ” أن الحصن بنى في عهد الإمبراطور الروماني تراجان في القرن الثاني الميلادي ، وقام بترميمه وتوسيعه وتقويته الإمبراطور الروماني أركاديوس في القرن الرابع الميلادي على مساحة نصف كيلومتر مربع وارتفاعه 18م ، وعرف الحصن بقصر الشمع أو قلعة بابليون وقد كان يوقد الشمع على أحد أبراج الحصن التي تظهر عليها الشمس أول كل شهر ويعلم الناس بإيقاد الشمع بانتقال الشمس من برج إلى أخر .
الطوب الأحمر
وأضاف الدكتور ريحان أن بناء المعبد من الطوب الأحمر كما استخدم في بناؤه أحجارًا أخذت من المعابد المصرية القديمة وقد بقى من مباني الحصن الباب الجنوبي الذى يكتنفه برجان كبيران بنيت على أحداهما الكنيسة المعلقة ، كما بنى فوق أحد الأبراج كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذكس وعلى باقي أسواره بنيت كنائس أبو سرجه و كنيسة القديسة العذراء مريم المعروفة باسم قصرية الريحان ودير مار جرجس للراهبات والست بربارة ومعبد بن عيزرا، وكان للحصن بابًا بالجدار الشمالي، ومن الجهة الأخرى أقيم جامع عمرو بن العاص بعد ذلك وباب في المدخل الجنوبي والذى أنشيء أمامه السوق الكبير وكان نهر النيل يصل إلى جدران الحصن .
ولفت الدكتور ريحان إلى عدم وجود نص يبين تاريخ إنشاء هذا الحصن وليس من السهل تحديد تاريخه بدقة علمًا بأنه من السهل في روما تحديد تاريخ أي مبنى بالنظر إلى أسلوب البناء ، ولكن هذه القاعدة لا تنطبق على المستعمرات الرومانية لظروف كل مكان والمواد المستخدمة وتقاليد البناء الموروثة، ومن الواضح أنه كانت تقوم في هذا الموقع مدينة سميت بابل قبل الاحتلال الروماني لمصر وهناك أساطير عديدة حول بناء الحصن.
بناء الحصن
ونقل عن المؤرخ البريطاني ألفريد بتلر بأن هناك عدة أسباب مقنعة تؤكد بناء الحصن في عصر مبكر وهى فكرة أن إمدادات الماء على الأرض الصخرية المرتفعة قد تنقطع في أي لحظة بمعرفة العدو المحاصر للمكان هي فكرة كافية في حد ذاتها لإجبار الرومان على اختيار بقعة أكثر انخفاضًا يمكن منها الحصول على الماء عن طريق حفر الآبار.
خليج تراجان
وكانت هناك قناة قديمة تصل يومًا إلى البحر الأحمر وتسمى خليج تراجان تتصل بنهر النيل عند مصر القديمة وقد بنى حصن بابليون ليسد عنق الزجاجة الضيق لنهر النيل ، ويحتل مدخل القناة لذلك فمن المعقول إذا كان الإمبراطور تراجان قد حفر القناة فهو أيضًا الذى أقام الحصن لأنه أراد أن يتحكم في الممر الأرضي والمائي الذى يربط مصر العليا والوجه البحري وطريق التجارة إلى بلاد العرب.
قصر الشمع
وتابع الدكتور ريحان بأن حصن بابليون أو قصر الشمع كان يتحكم في بوابة النيل وبوابة البحر الأحمر، وإذا صحت هذه الفكرة فإن تاريخ بناء الحصن يعود إلى عام 100م، كما ذكر أن بناء حصن بابليون تم في عهد بروبس عام 281م وهو الذى أقام العديد من المعابد والقناطر والأروقة والقصور في مصر، ومن المعروف أن طراز الحلية المثلثة في مدخل البوابة الرئيسية قديم جدًا وكذلك الصلبان الكبيرة المحفورة على أعمدة البرج المستدير ومن غير المؤكد انتمائها إلى المبنى الأصلي الذى تنطبق معالمه على عصر تراجان حتى ولو كان الرومان قد أرجأوا بناء حصن قوى في مثل هذا الموقع الحيوي لمدة ثلاثة قرون .
أسقف بابليون
وكان الحصن في العصر الروماني يسمى حصن بابليون وأطلق على هذه البقعة اسم بابليون وقد كان أسقف بابليون من بين الأساقفة الذين حضروا مجمع أفسس ، وقد بقى هذا الاسم بجانب صاحبه في المقر الموجود بدير بابليون جنوب الحصن، ويشير المؤرخ العربي ياقوت الحموي إلى وجود قبة معبد الدخان التي قيل أنها تمثل بقايا الفرن البابلي القديم، ومن المحتمل أنه حتى في عهد الرومان كانت توقد نيران في أحد البرجين المستديرين، وحصن بابليون (قلعة تراچان) ليس هو القلعة القديمة التي كتب عنها الجغرافي استرابو وكان موقعها في جنوب قصر الشمع بجوار دير بابليون الحالي،،،
كما ذكر المؤرخون أن بابليون كان اسمًا لبلد مجاور أو يرتبط بالاسم القديم بر- حابى- ن- ايونو (بيت النيل في هيليوبوليس) مركز عبادة حابى إله النيل في هيليوبوليس .
واجهة الكنيسة المعلقة
وعن طريقة بناء حصن بابليون يشير الدكتور ريحان إلى أنه بنى بالطريقة الرومانية حيث يتكون الحائط من مداميك متبادلة من الحجر والأجر ” الطوب الأحمر” بمعدل خمسة مداميك من الحجر بالتبادل مع ثلاثة مداميك من الأجر، ويبلغ ارتفاع طبقة الأجر قدمًا واحدًا بينما مداميك الحجر ثلاثة أقدام وبذلك الطبقتين معًا أربعة أقدام وبهذا يسهل حساب ارتفاع الجدران دون قياس ..
وتتضح طريقة بناء حصن بابليون في واجهة الكنيسة المعلقة المبنية على الحصن، والمونة المستخدمة مكونة من الرمل والجير والزلط والفحم النباتي ولا يزال عرب مصر القديمة حتى الآن يخلطون المون بالفحم النباتي طبقًا لهذه الطريقة من البناء، والحصن يتكون من أسوار مزدوجة مدعمة بالأبراج التي تحصر فيما بينها بوابات حصينة كما يحوى الحصن مساحات منزرعة وطاحونة وأفران.
عمرو بن العاص
وتابع الدكتور ريحان بأن سقوط حصن بابليون كان عام 641م على يد عمرو بن العاص بعد حصار دام نحو سبعة أشهر في 18 ربيع الآخر 20 هـ وكان سقوطه إيذانًا بدخول الإسلام إلى مصر، واختار عمرو بن العاص موقعًا صحراويًا استراتيجيا شمال حصن بابليون وأقام فيه مدينة الفسطاط فوق عدة تلال يحدها جبل المقطم شرقًا وخلفه الصحراء والنيل غربًا ومخاضة بركة الحبش جنوبًا وهما مانعان طبيعيان .
وشيد عمرو بن العاص مدينة الفسطاط كمدينة محصّنة وبها حصن بابليون لتكون مدينة للجند المسلمين .
الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار