الإعلام السياحي .. إعلاما تنمويا و لكن !
إعداد: د.عصام علي عبد الرحيم
جمعية السياحة الجديدة – ليبيا
البريد الإلكتروني: [email protected]
المقدمة :
تبين إن الانطلاقة الفعلية لأعمال التنمية السياحية الشاملة تحفز بصورة تلقائية انطلاقة فعلية لإعلام سياحي فاعلا كيفا و نوعا ، يواكبها و يساندها ، و يحفز الكثير من القطاعات الداعمة مما يسهم في تطويرها ، وليس انتهاء بتحفيز المؤسسات العلمية على مجاراة الواقع التنموي الجديد و اثرائه بالبحوث و الدراسات الداعمة لتطويره .
وان اليقين بأن تنمية السياحة المستدامة لها آثار اجتماعية و اقتصادية و سياسية كبيرة تصب لفائدة المجتمع . يفترض وجود سياسات واضحة واستراتيجيات و خطط علمية جادة و تطبيق أكثر جدية و متابعة حقيقية لأوجه أي قصور أو تقصير ..
وحيث أننا نفترض وجود سياسات سياحية و استراتيجيات وخطط تنمية سياحية فعالة ، فاننا ننتظر ولادة إعلام سياحي حقيقي يسهم في انجاح كل تلك الأطر ، من خلال التفاعل الايجابي بينها و بين المجتمع الحاضن ..
ان ولادة الاعلام السياحي التنموي رهينة بعدة مراحل تسبقها ، مراحل تخطيط و تنمية لما يراد للاعلام السياحي أن يسندها . حيث اثبتت الدراسات أن التنمية عموما و تنمية السياحة تحديدا ، تنجح و تتطور بإدارة محلية للموارد و المقومات و بقناعة محلية تقبل و تشارك في تأسيسها من الأساس . لذا فمن الأهمية أن تقوم المجتمعات المحلية وعلى رأسها السلطات المحلية بتفعيل كل أشكال التنمية الممكنة لها ، بمشاركة أطياف المجتمع المحلي ، بشرط أن تعد عملا تنمويا مستبعدا منه أية أضرار على البيئة الاجتماعية و البيئة الطبيعية .
ان ولادة الاعلام السياحي مرتبطة بالعديد من المهام و الجهود التي تسبقها ، جهود تنموية سياحية و جهود اعلامية .. حيث يتم البدء باعداد الدراسات والخطط التي تهئ لاعداد الكوادر وتجهيز الامكانات و تنتهي بخطط التطوير ، حيث أن الأعمال التنموية الناجحة تبدأ بتخطيط و تستمر بتخطيط و تنتهي الى تخطيط لإستمرارها .
الاعلام السياحي : اعلاما تنمويا و لكن !
نظريا أمكن تأكيد وجود علاقة قوية بين الاعلام و التنمية و السياحة ولكن الواقع يثبت ان هنالك ضعف أو شبه انعدام لهذه العلاقة في أحيانا كثيرة ، في الكثير من الدول التي تتطلع الى اكتساب ثمرة اقتران و تفاعل تلك العناصر في مكون واحد معا ، لكن مساعيها لم تكن موفقة لأسباب عديدة و عوامل تحبط نجاح العلاقة التنموية التي تربط السياحة بالاعلام .
وعلى اعتبار أن الاعلام السياحي موجه اما للداخل و اما الى الخارج برسائل تختلف باختلاف الثقافة و العمر والجنس و المركز الاجتماعي و المالي للجمهور بشكل عام و غيرها من المتغيرات، ولكون الإعلام السياحي يبث كما كبيرا من الرسائل في مختلف والى العديد من الاتجاهات ، يسعى في خطابه للمتلقين ( السياح المحتملين ) و ( البيئة الحاضنة للسياحة ) الى التوعية تارة و الى التعريف تارة أخرى وينتقل الى الاقناع في أخرى ..
ان وسائل الإعلام العامة هي فعلا تخاطب بشكل متكرر و دائم جمهورها وتطرح أمامه العديد من المواضيع و باتجاهات مختلفة و لكن تناولها لمواضيع السياحة يعد نادرا ، وأحيانا يكون فقط لغرض التنويع البرامجي والاضافة تكون في مساحات محدودة جدا من المساحة البرامجية المتاحة
هل هذا التعاطي المحدود لشؤون السياحة أسبابه اجتماعية أو اقتصادية أم سياسية ؟ ومن ناحية أخرى هل هذا القصور الاعلامي السياحي لأسباب فنية أو تخطيطية أم ادارية واشرافية أو كل ما ذكر ؟
تناول الخبراء و الدارسين مسألة قصور الاعلام السياحي في العديد من الدول النامية الطامحة الى انشاء إعلام سياحي يحفز و يواكب و يسهل إنتقالها التنموي في مجال السياحة . حتى أن هناك بعض من الدول كالسعودية واليمن اجتهدت في اعداد استراتيجيات خاصة بالاعلام السياحي و شرحت في جانب منها واقع إعلامها السياحي المتخن بالمشاكل و القصور .
حيث لخصت ما يعانيه الاعلام السياحي لديها كما يلي :
– هنالك مشكلات في الإطر المنظم للاعلام السياحي ، حيث ترصد غيابا للرؤى الاستراتيجية للاعلام السياحي وعدم تحديد للمبادئ و الأهداف التي يقام عليها ، الأمر الذي أفقده التأثير على الجمهور المستهدف .
كما أن غياب السياسات التي تحكم أدائه و تحدد ( أولوياته ) تعد من المشكلات الراسخة في هذا المجال ، حيث ثبت غياب الحد الأدنى من التوافق بين أولويات القطاع السياحي مع اهتمامات الاعلام السياحي ، ومن جهة أخرى يلاحظ قصور في التكامل بين الجهة المكلفة بإدارة الاعلام السياحي مع وسائل الإعلام .
– كما يشكل افتقاد المرجعية الادارية الفعالة ، مشكلة تواجه الاعلام السياحي ، هذا و يعاني الاعلام السياحي من عدم ايلائه الأهمية ، وتركه هامشيا بالمقارنة مع المجالات الاعلامية الأخرى . هذا الى جانب أن الاعلام السياحي حاليا يفتقد الى عنصر الجاذبية و التشويق ، وهذا بسبب عدم الاهتمام و تركه في مهب الارتجال و العشوائية و الاجتهادات الفردية .
– ويخيم القصور على مستوى و جدوى التأهيل و التدريب و بناء قدرات العاملين بالاعلام السياحي ، مع قصور في التنسيق بين الجهات العاملة في مجال الاعلام السياحي . مما تعد مشكلات حقيقية يستوجب ايجاد الحلول المناسبة لها .
– وعلى المستوى المهني ، نجد أن هنالك مشكلات اخرى تحد من نجاح الاعلام السياحي ، من قبيل غياب أو ركاكة و ضعف مضمون الرسالة السياحية و ضعف تاثيرها على الجمهور ، وذلك بسبب أن الكوادر العاملة في الاعلام السياحي تكون غير كفؤة وغير مؤهلة و إن مرتكزات و أهداف و أولويات العمل الاعلامي السياحي غـــــــائبة .
– كما يشكل ضعف المعلومات الدقيقة و الصحيحة و ضعف المهارة في الصياغة والاستخدام الغير مناسب للمفاهيم و المصطلحات . كل ذلك يشكل مشكلات حقيقية للاعلام السياحي .
– ومن بين أهم مشكلات واقع الاعلام السياحي هي ضعف العلاقة بين مضمون رسالة الاعلام السياحي وبين أهداف و أولويات قطاع السياحة ، و فقدان القطاع السياحي لفرصة النقد البناء و احداث ردود فعل عكسية لدى الجمهور بسبب المثالية الزائدة و المبالغة ، كالمبالغة في ابراز البعد الوطني للسياحة و اهمال الأبعاد الأخرى ( الاقتصادية ، و الاجتماعية و الثقافية و الانسانية ) للسياحة .
– هذا ويعد تدني مستوى الوسائط الحاملة لرسالة الاعلام السياحي ( مرئية ، مسموعة ، مكتوبة ، الكترونية ) يسبب فقدان الرسالة الاعلامية للجاذبية و التأثير .
– ومن جانب تغطية رسالة الاعلام السياحي ، لوحظت مشكلة أخرى تقف عائق أمام الاعلام السياحي ، حيث أن المساحة المتاحة للإعلام السياحي في وسائل الاعلام العامة الحكومية و الخاصة و الصحافة المقرؤة والالكترونية تعد مساحات قليلة . ناهيك عن العشوائية في اتجاهات طرح الرسائل الاعلامية السياحية .
وفي ما يخص أثر رسالة الاعلام السياحي على الجمهور تؤكد الدراسات و الوثائق الرسمية المتخصصة بعدم حظوة الاعلام السياحي بأي جهد تقييمي لرسالته من قبيل قياس الرأي لتحديد الاثر الذي احدثه في الجمهور المستهدف وهو جهد يفترض أن تقوم به الجامعات و مراكز الأبحاث ، و ان غياب هذا الجهد أفقد الاعلام السياحي لفرصة معرفة جوانب القصور في أدائه مما يعني استمراره في قصوره و استمرار الهوة الفاصلة بين الاعلام السياحي و الجمهور المستهدف باتجاهاته و أولوياته و رغباته .
معالجة واقع الاعلام السياحي :
يؤثر الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي والفكري و الثقافي على تشكيل واقع الاعلام عامة و الإعلام السياحي عندما يكون قائما !
ان من يضع استراتيجات الاعلام السياحي بالتأكيد يهدف الى جعله اعلاما تنمويا ، حقيقيا ، لا اعلاما عشوائيا ، ضعيفا وخال من المضامين و خال من القوالب المميزة المقبولة من طرف المتلقين .
حيث يعتمد في صياغة استراتيجيات الاعلام السياحي على مجموعة من الأطر القانونية والسياسية المنظمة للمجتمع كالدستور و رؤية الدولة الاستراتيجية للتنمية و الاستراتيجية الوطنية للسياحة والقوانين المنظمة للسياحة و الاعلام وعلى خطط التنمية المرحلية و ليس آخرا على مخرجات المؤتمرات و اللقاءات التي تعنى بالسياحة و الاعلام و الاعلام السياحي .
وان رؤية و أهداف الاستراتيجية الوطنية للاعلام السياحي تبنى من خلال الفهم الكامل لمفهوم و أهمية و أهداف و مبادئ و أولويات وواقع الاعلام السياحي .
ومن ثم يأتي البحث عن الأطر التنظيمية و المهنية الناجعة للاعلام السياحي و ارسائها .
إن اغفال التخطيط و الدراسات و بناء القدرات و تطويرها سيعود بالسلب على أداء الاعلام السياحي و فشله في أداء وظيفته التنموية .
حيث أن التخطيط و التنفيذ الاعلامي عملية مترابطة و وفقا لخطوات تبدأ بجمع المعلومات الصحيحة و الدقيقة و تحديد الأهداف ومن تم تحديد المزيج الاعلامي ومن يشرع بالتنفيذ ويواكبه التقييم ، علما بأن كل هذه الخطوات تحتاج الى التنسيق الكامل بين القطاعات .
منهجية العمل لمعالجة واقع الاعلام السياحي :
من أين يمكن البدء في معالجة واقع الاعلام السياحي و متى و كيف ، و ما المطلوب ليكتب للعمل النجاح و للاعلام السياحي النهوض ؟
في الواقع يتأثر الاعلام السياحي بمجموعة من العناصر وهي : البناء التنظيمي و المستوى المهني و أثر رسالته على الجمهور
ان ايجاد الاطار الناظم لنشاط الاعلام السياحي أحد أبرز الحلول في معالجة واقعه ، وان البناء التنظيمي يقع تحت تأثير عاملين هما ، الرؤية الاستراتيجية و المرجعية الادارية الفعالة . لذا من الواجب الاتفاق على رؤية واضحة استراتيجية لتنمية السياحة و لتطوير الاعلام بشكل عام والتأسيس لاعلام سياحي متخصص ضمن اطار الاعلام العام او بشكل مستقل .
وبالتالي يتم اعتماد المبادئ و المنطلقات و الأهداف و الأولويات الخاصة بالاعلام السياحي لتجعل منه نشاط اتصالي فعالا و مؤثرا .
ان ايجاد حالة من التوافق بين أولويات التنمية مع أولويات الاعلام السياحي تعمل على انجاح الطرفين في مهمامها . كما ان قوة التكامل بين الجهة المكلفة بالتسويق السياحي مع وسائل الاعلام يعزز من أداء التسويق السياحي هذا المحور الأساسي في مجال التنمية السياحية . غير انه هناك من يعتقد بصعوبة قائمة في تحقيق أي تكامل حقيقي بين المؤسسات، وذلك لأسباب كثيرة ، لذا يستوجب حل اشكالية قصور التكامل بين المؤسسات ، لحل كثيرا من المشكلات التنموية بشكل عام ، ليس في مجال التنمية السياحية فحسب .
وعلى صعيد آخر وفي اطار ايجاد مرجعية ادارية فعالة ، يرى الخبراء بأهمية أن تكون للاعلام السياحي مكانته العالية على أرض الواقع و عمليا . وذلك باتخاذ جملة من التدابير ومن أهمها توفير العناصر الفنية و التقنية و المهارية التي تضفي عليه الجاذبية و التشويق . بالاضافة الى تأهيل و تدريب و تطوير حقيقي و فعال و دائم للكوادر الاعلامية السياحية ليتمكن و يبدع هؤلاء في عرض الرسائل الاعلامية السياحية باتقان و اقتدار مما يعزز ثقة الجمهور المتلقي و شغفه و الذي ينعكس بالإيجاب على التنمية السياحية في المحصلة .
ان وجود رؤية علمية راسخة للاعلام السياحي تمكن وسائل الإعلام العامة التي تتناول السياحة و الاعلام السياحي المتخصص ، تمكنهم من تقوية مضمون وشكل رسالة الاعلام السياحي و تأثيرها على المتلقين و الابتعاد عن الأساليب الركيكة و المبتذلة في اعداد و تقديم الرسائل السياحية .
ان المعلومات الدقيقة والصحيحة ومهارة صياغة و تقديم الرسائل الاعلامية السياحية ( توعوية و تعريفية و اقناعية ) دون اهمال أي منها مع الاستخدام الملائم للمفاهيم و المفردات ، و ملائمتها لأولويات التنمية السياحية ، كل ذلك من شأنه وضوح تلك الرسائل ويسهم في تحقيق أهدافها التنموية .
هذا ومن المفيد ابراز الأبعاد التنموية السياحية كافة ( الوطنية ، الاجتماعية ، و الثقافية ، و الانسانية ) وعدم الاكتفاء بابراز أحد تلك الأبعاد أو بعض منها فقط .
ليست مضامين الرسائل السياحية وحدها هي من تثير انتباه المتلقي ، بل جودة الوسائط الاعلامية التي تحمل تلك الرسائل وكفائتها الفنية و ابهارها و جاذبيتها ، تحدد مستوى الرضا و القبول لدى الجمهور المستهدف .
ان مساحة التغطية الاعلامية السياحية الواسعة سواء في وسائل الاعلام المنوعة أو المتخصصة بالسياحة ، لها دور بارز في أن تكون الرسائل الاعلامية السياحية المقدمة منها أكثر انتشارا في المجتمع بكافة فئاته .وذلك لكونها كافية للفت انتباه الجمهور المتلقي و التفاعل معها .. حيث ان الجمهور يتفاعل مع الرسائل ذات الاهتمام الاعلامي الواسع ويتجاهل ما يتجاهله الاعلام وهذا واقع في المجتمعات عامة .
هذا ومن اللافت للانتباه أن يطلب من جهات علمية كمراكز الأبحاث و الجامعات أن تقوم باجراء دراسات تقييمية على أداء الاعلام السياحي ، على أمل أن يتم ادراك مكامن القصور و تلافيها لعل الاعلام السياحي يبرز و ينهض و يأخد مكانته الحقيقية التي يستحق ، ما يلفت في هذا ، هو واقع الاعلام السياحي الضعيف ودوره الذي لا يعدو كونه نوعا من الاجتهاد أو الهواية . لذلك لا مجال لاهتمام من تلك المؤسسات العلمية لشئ لم يكون ، كما هو الحال بالنسبة للاعلام في عدم اهتمامه و مواكبته لأعمال التنمية السياحية التائهة بالأساس .
الخاتمة :
يعد الاعلام السياحي التنموي هو عمل اعلامي متخصص بقنوات منوعة أو متخصصة وهو نتاج عن دراسات و سياسات و استراتيجيات تعمل على أن يكون الاعلام السياحي ، اعلام فاعلا و ايجابيا مدعوما بكوادر مؤهلة تأهيلا عاليا ، و يتمتع بالمهنية و يتسم بالموضوعية و المصداقية و الاثارة و التشويق و يستخدم أكفأ الوسائل و أكثرها تقدما ، يقدم رسائل اعلامية توعوية و معرفية و اقناعية داعمة للتنمية التي يشارك المجتمع في تخطيطها و يجب اعتماده على أفضل الوسائط الاعلامية وبمساحات واسعة ، و يساهم في نشر الوعي و الثقافة السياحية في الداخل ، ويلامس اهتمام السياح عموما بالداخل و الخارج ، هكذا يكون الاعلام السياحي مواكبا لتنمية سياحية حقيقية قائمة و لأولوياتها و يبث منتج اعلامي جيد يكون ممثلا للسياحة بالداخل و سفيرا للسياحة بالخارج ، حينها يمكن و يستحق تصنيفه ( اعلاما تنمويا ) تدعمه إرادة سياسية قوية .