الإسكندرية "المسلة" ….. صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الرابع والثلاثون من سلسلة "مراصد"، والذي يضم دراسة بعنوان "الشرع يحكم في البادية: دراسة لعملية أسلمة المجتمع البدوي في مصر"، من تأليف الدكتور سعيد المصري؛ أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة.
تسعى هذه الدراسة إلى رصد أبعاد عملية أسلمة القضاء البدوي بين قبائل أولاد علي بمطروح، والتي نتج عنها تأسيس القضاء الشرعي كنمط من أنماط الحكم، والذي يقوم على فض المنازعات بتطبيق نصوص من الشريعة الإسلامية.
قسّم الكاتب دراسته إلى خمسة أقسام تبدأ بعرض إشكالية الدراسة ومنهجها، يلي ذلك إطلالة نظرية حول تحولات البداوة والقضاء البدوي من واقع نتائج الدراسات السابقة، ثم عرض الكاتب السياقات المرتبطة بنمو وتطور الحركة الإسلامية في المجتمع البدوي، وفعاليتها في إحداث تغيرات اجتماعية وثقافية كان لها تأثيرها في إعادة تشكيل ممارسات الضبط الاجتماعي بما يتفق مع الشريعة الإسلامية.
وتعرض نتائج الدراسة في القسم الأخير لصور المنازعات التي يستأثر بها القضاء الشرعي، ومراحل التقاضي الشرعي بدءً من التوسط في النزاع، ثم التفاوض حول المشورة، وجلسات التحقيق، وإصدار الحكم، وصولًا إلى تدابير تنفيذ الحكم الشرعي.
ويؤكد الكاتب أن القضاء البدوي بين قبائل أولاد علي بمطروح، في الوقت الراهن، يعد مسرحًا حقيقيًّا للحضور الإسلامي الفعال في تطبيق الشريعة الإسلامية بدلًا من الأعراف البدوية؛ لاسيما في ظل تعزيز قوة المجتمع البدوي على تحييد سلطة القضاء الرسمي القائم على القوانين الوضعية.
وأوضح أن العرف ظل قويًّا عبر تاريخ المجتمع البدوي في مواجهة قوة المستعمرين البريطانيين، كما ظل محافظًا على تقاليده بعيدًا عن سلطة الدولة والقضاء الرسمي منذ عهد محمد علي، ولم تستطع حركة "السنوسية" الدينية بتعاليمها أن تحل محله رغم دورها الفعال ومكانتها الروحية في حل المنازعات، ومع ذلك فإن قوة الحركة الإسلامية خلال العقدين الماضيين هي التي تمكنت من تطويق سلطة العرف، والسيطرة عليه، وإحلال قواعد شرعية جديدة محله، بحجة أن جوهر العُرف هو الشرع، وأن عملية الإحلال هذه تشكل نوعًا من الإصلاح الديني لمؤسسة القضاء البدوي عمومًا.
ويرى الكاتب أن ذلك يأتي في إطار الدور الذي تطمح إليه الحركة الإسلامية، ولا تحيد عنه دائمًا وهو دفع عمليات التحول الجارية نحو تأسيس مجتمع إسلامي جديد، ليس في البادية فحسب؛ وإنما في المجتمع المصري ككل، وأنه على الرغم من أن تأثير الحركة الإسلامية في بعض مظاهر الحياة الاجتماعية البدوية أعلى صخبًا في تداول الخطاب والرموز، فإن الحضور الإسلامي في فض المنازعات بدا واقعًا فعليًّا، وأمرًا بديهيًّا يعمل بهدوء في البادية.
ويوضح الكاتب في الدراسة مدى اتساع حضور السلفيين في حياة البدو، وتأثيرهم الفعال في المعتقدات والتوجهات الدينية، وكذلك قدرتهم على التواجد بعمق في الحياة الاجتماعية البدوية، والتأثير في عمليات التضامن الاجتماعي، واستيعاب الزعامات القبلية المحلية، وتحييد دور الدولة، وعرقلة تدخلها في بعض جوانب الشأن البدوي، والذي انعكس على قدرة السلفيين على إحلال القضاء الشرعي محل القضاء البدوي؛ حيث أوجد الإسلاميون قواعد جديدة منظمة لإجراء التقاضي الشرعي.
وأشار إلى أن الإسلامين سيطروا على جانب لا بأس به من مؤسسة القضاء البدوي، من خلال استخدام الفتوى كآلية فعالة في إعادة إنتاج قواعد جديدة شرعية كبديل للأعراف البدوية؛ حيث تم توظيف النشاط الإسلامي في المساجد والأعمال الخيرية والتعليم في تعزيز قوتهم باسم الشرع.
وشدد على أن جهود الإسلاميين استطاعت عبر القضاء الشرعي أن تنجح حتى الآن في خلق سلطة رمزية حول دورهم المقترن بإعلاء شرع الله، دون المخاطرة بالصدام مع الدولة أو العواقل؛ فهم يعتمدون على بسط نفوذهم الرمزي من خلال السيطرة على القضاء البدوي، الذي ظل نواة صلبة مضادة لمؤسسة القضاء الرسمي، ونواة صلبة للحفاظ على تراث البداوة.